عطاف محمد مختار يكتب: (السوداني).. نضال الظلام والنور!

عدنا إليكم بعد إيقاف قسري دام أربعين يوماً حسوماً، أغُلقت فيه (السوداني) بأمر لجنة إزالة التمكين؛ وتمت محاصرتها بجنود وتاتشرات الدعم السريع ودوشكاتها المنصوبة.
اتهامات عديدة رماها عدد من أعضاء اللجنة على وجه (السوداني)؛ دون تقديم دليل واحد.. اتُهمت الصحيفة مرة بأنها واجهة للنظام السابق، ومرة ثانية بأن المجلس العسكري قدم أدلة على أنها تم شراؤها من أموال الدولة، وتارة بأن جهاز الأمن قدم ملفاً حولها. لا حول ولا قوة إلا بالله.
حسناً؛ نحن مع تفكيك النظام (صامولة صامولة) بل طالبنا حتى بح صوتنا بضرورة الإسراع في هذه الخطوة، وضرورة قطع الحبل السري الذي تغذت منه مؤسساته من قوت الشعب السوداني، لكن بالقانون.. إذ لا يعقل أن تكون لجنة التفكيك هي (الشرطي، ووكيل النيابة والقاضي) في آن واحد. وهذا ما فعلته اللجنة مع الصحيفة (اتهام، وتخوين وإيقاف).
ولكم أن تعلموا أنه طوال (40) يوماً وحتى هذه اللحظة لم يتم اتخاذ أي من الإجراءات العدلية المعروفة من تحقيق شرطي ونيابي أو حتى أمر قضائي ضد الصحيفة فقط سياسة (اخنق فطس).
ولجنة استئنافات لجنة إزالة التمكين لم ترد حتى اليوم على الاستئناف الذي تقدمت به الإدارة القانونية للصحيفة.. وكذلك لم يرد وزير العدل مقرر لجنة الاستئناف على مذكرة الاحتجاج التي قدمها له العاملون بالصحيفة.
نضالنا لعودة (السوداني) ليس دفاعاً عن مؤسسة نعمل فيها فقط، أو عن حرية الصحافة؛ بل من أجل قيم الحرية والسلام والعدالة؛ التي خرج من أجلها الشعب السوداني في ثورة مجيدة منتفضاً ضد الحكم الظلامي حتى خَرَّ صنمه صَعِقًا.
ونضالنا سيستمر حتى تتنزل قيم العدالة على أرض الواقع.. ومن نعم ثورة العدل والحرية عودة (السوداني) الآن؛ والمطالبة بتحويل قضية نزاع الملكية حولها إلى القضاء، وهذا ما طالب به أيضاً العديد من السياسيين والصحفيين وحتى قادة الحركات المسلحة؛ وإن ما تم ليس من العدل في شيء؛ وهو استمرار لمنهج النظام المخلوع وقع الحافر على الحافر. فالشعب لم يسقط فرعون ليستبدله بهامان.
طوال عملي مديراً لتحرير الصحيفة لـ(10) سنوات؛ لم أتلقَ أي توجيهات من القصر أو المؤتمر الوطني أو الأمن، لتنفيذ أي أجندة أو دعم الخط السياسي للنظام المخلوع.. وطوال إدارتي لديسك الصحيفة برفقة زملاء أفاضل؛ لم نتسلم أي اموال أو دعومات لتجميل وجه النظام. وأرشيفنا موجود، فكيف نكون واجهة للنظام، والشوارع وسياط العسس تشهد لمنسوبي الصحيفة نضالاتهم في الثورة؟.
كيف تكون الصحيفة واجهة للنظام المخلوع، وهي تتعرض مرات عديدة للمصادرات والحرمان من الإعلان؟.
كيف تكون الصحيفة واجهة للنظام المخلوع؛ ومالك الصحيفة ظل يتعرض للضغوط المتواصلة من نائب رئيس الحزب المخلوع بتغيير رئيس التحرير وعدد من الطاقم التحريري، ولم يستجب؟
ظللنا نعمل بما يرضي الله وضمائرنا، فالكلمة أمانة نسأل عنها يوم القيامة.. لم يدخل جيبنا الحرام عبر التدليس والتطبيل أو البيع أو ممارسة صحافة الظروف.
يوماً واحداً لم يرفع رئيس مجلس الإدارة هاتفه ويوجه أن ادعموا المؤتمر الوطني أو ناصروا البشير.
والثورة في عز شدتها والقمع الذي كانت تجابهه، لم يطلب منا جمال الوالي السير في خط تحريري معادٍ للثورة ووصمها بالخيانة أو التفاهة كما كانت تفعل بعض المؤسسات الإعلامية. بل لم يقل لشخصي أن أخفف من هجومي المباشر والمستمر في الفضائيات العالمية على المخلوع البشير والسفاح الدموي علي عثمان، أو أي من رموز الإسلاميين، ولو بمجرد تلميح.. هل إذا كانت تنتمي (السوداني) للمؤتمر الوطني، كان أهله يستركونها هكذا؟
اتهامات التخوين طالتنا سابقاً من مدير المخابرات الأسبق الهارب صلاح قوش؛ فلم يرهبنا بجبروته وبطشه وأساليبه القذرة، واجهناه بالقلم وقول الحق؛ فالحق أبلج والباطل لجلج؛ لجلج حينها قوش وأُسْقِطَ في يده.
(السوداني) كانت خلية إعلامية للثورة بمعنى الكلمة، فيها العديد من الشباب والكنداكات، لم يتركوا ترساً إلا (صبوها فيه) أو موكباً لم يغبروا فيه أقدامهم ويستنشقوا بمبانه، أو منبراً لم يخاطبوا فيه، أو قناة إخبارية لم يصدحوا فيها بالحق محاربين الطغيان المخلوع.
وعلى صدر (السوداني) وسام شرف في الثورة المجيدة؛ فلقد أطلقت كتائب الظل عليها الغاز المسيل للدموع والرصاص، ونجأ حينها الصحفي الجسور ياسر عبد الله من الموت المحقق، وتمت إهانته بصورة بشعة وتعرض للضرب المبرح والتعذيب.
وعن استدعاءات الأمن المتواصلة لمحرري الصحيفة بسبب ما ظلوا يكتبونه، يطول الحديث.
عندما خرجنا في هذه الثورة، خرجنا محاربين ورافعين لشعار حرية سلام وعدالة.. وسنظل محاربين رافعين لذات الشعار؛ حتى يتنزل بحق وحقيقة على أرض الواقع، وحتى لا نصنع طغاة جدد.. فالمبادئ والاستقامة لا تتجزأ.
لم ترهبنا تاتشرات العسس ودوشكاتهم أيام الثورة، ولن ترهبنا الآن.. ودعاوي تخوين “المناضلين الجدد” لن تهز شعرة في رأسنا؛ فليس عليه بطحة (حتى نحسس عليه)، وبيتنا ليس من زجاج، ولا يوجد في ماضينا ما يشين أو يندى له الجبين.
كما ناضلنا من أجل الحريات والحرية والعدالة في عهد الظلام؛ سنناضل في عهد النور؛ بعد سطوع شمس ثورة الحرية.
وكما قال الراحل مصطفى محمود:
ليس على يسار الحـق إلا الباطل
كما أنه ليس على يمينه إلا الباطل!
فالحـق واحد وليس لـه جانبان
والحرية واحدة وليس لها معنيان

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.