الدكتور/ محمد علي عبد الجابر

تعظيم سلام للشرطة السودانية

شارك الخبر

يبقى لزاماًَ علّي في هذا الصباح أن أحيي مؤسسة الشرطة العريقة التي كنا في حماها زهاء الثلاثين عاماً وبموجب قرار مجلس السيادة بتاريخ: 27/2/2020م والذي أحالني مع نفر كريم من أبناء دفعتي إلى المعاش (دون الإشارة للمادة من القانون) وبهذا القرار تنتهي علاقتي العضوية بالشرطة اللهم إلا التأسي بالذكرى الطيبة والتواصل مع من بقي من الزملاء الأعزاء والإحساس الدائم بأن الشرطة تطوق أعناقنا بجمائل، ومن هنا نبقى دائمي الدعوة لها بالرفعة والازدهار في إطار تعاقب الأجيال على أن تظل راية الشرطة فوق الرؤوس ونحن على العهد دائماً وأبداً ورهن إشارتها.
فالشرطة كانت بوابتنا لساحة العمل الوطني والهم العام ومن أفضالها أنها أعدتنا إعداداً جيداً لتحمل المسؤولية في أشرف ميادين العطاء وربتنا على الإيثار والتضحية بالنفس من أجل الاستقرار وراحة المواطن، وحملتنا أمانة العدل بين الناس لتنفيذ القانون دون محاباة أو تمييز.
ولعلنا نحكي من خلال تجربتنا المتواضعة نتوخى الإضافة الفكرية لأعمال الشرطة من منطلق أن الخط الذي تعمل فيه الشرطة لا يبقى على حال فهو متجدد وعالم الجريمة يقظ ومبتكر ولا يمكن أن يقابل بالتقليدية والمألوف فلا بد من اللحاق، وفي هذا نشير إلى أن الوقت أصبح سامحاً والفضاء العام أكثر مرونة من ذي قبل في مناقشة أيلولة عمليات الأمن الداخلي برمتها للشرطة، ولعله تجدني عاتباً على عهد الإنقاذ الذي كان دائماً يراهن على القوة للبقاء في السلطة خارج دوائر الشرطة التي تقول لوائحها قديماً: (إن الشرطة قوة قومية محايدة) هذا الحياد لم يكن مرغوباً في فكر الإنقاذ من منطلق أن الإنقاذ راهن على قوات تدين له بالولاء المباشر ومن هنا كانت دوائر الطلاب وبعض الجيوب الأمنية الخاصة أهم وأولوية وأفيد له من الشرطة بنظرتها الحيادية، ومن هنا كان الإهمال المتعمد للشرطة من خلال حصر دورها (في كشات النظام العام وبعض معلومات الشرطة الشعبية المنتقاة) هذا الرهان لم يكن مفيداً للإنقاذ على المدى الطويل، وهذه القوات التي تدين بالولاء له كانت دائمة الإحساس أنها هي السبب في بقاء السلطة، هذا غير إدماج العمل الأمني في العمل التنفيذي لذلك أصبحت هموم السياسيين إرضاء الأمنيين بأي ثمن كان.
وخلاصة القول في هذا الملف أن الشرطة لم تكن من أولويات الإنقاذ اللهم إلا في إطار برامجها الاجتماعية الضيقة، يبقى إمساك الشرطة بملف الأمن الداخلي هو الأنسب لمناخ الحريات والعدالة الذي نبتغيه جميعاً، وأن لا يكون الأمر مجرد أماني وتطلعات بل لا بد من الضغط في هذا الاتجاه حتى يصبح نصوصاً في دستور السودان الدائم.
وثمة ملف آخر نختم به هذا المقال فلا بد من مراجعة فكرة الشرطة الموحدة التي نشأت في عهد الإنقاذ بعجلة وبعدم وضوح للأهداف، فهي من ناحية ضيعت التخصصات في أعمال السجون والحياة البرية والدفاع المدني، ومن ناحية أخرى ضيعت أيضاً هوية هذه القوات بالإدماج المضر.
نسأل الله أن يهب الشرطة قيادات ملهمة تدرك الأبعاد الحضارية والإنسانية والاجتماعية للشرطة، قيادات بأفق واسع وانتماء وعشق للشرطة وأن يبعد عنها قيادات الصدفة وعرسان الغفلة.
د/ محمد علي عبد الجابر

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.