حاطب ليل|| د.عبداللطيف البوني

قومة الطبقة الوسطى

شارك الخبر

(1)
جدنا الحربي رحمه الله كان من ظرفاء المنطقة، وكان مدمن (ملح) بمخارجات طريفة. ذات مرة عصلج على الكمساري رافضاً دفع ثمن الركوب وكان يومها خمسة قروش (شلن) لإنهاء الأمر صاح أحدهم للكمساري بأن الحساب عليه، فالتفت جدنا الحربي فوجده عمنا حاج موسى رحمه الله وكان من أثرياء القرية، فصاح بانزعاج (لا حرم يا حاج موسى ما تدفع أنا خاتك للتقيلة. القدر دي براي بقضيها).
تذكرت هذه الطرفة عندما قرأت أن السيد مكين أمين جهاز المغتربين قد تبرع بمرتبه طول مدة بقائه أمينا عاما لجهاز المغتربين لقومة السودان، فيا سيد مكين القومة خاتاك للكبيرة وهي دولارات المغتربين فمن غير المعقول أن يكون المغترب السوداني هو الوحيد الذي لا يدعم خزينة بلاده، ومن غير المعقول أن يكون إسهام كل هذا العدد الكبير من المغتربين في دفع عجلة اقتصاد البلاد بهذا التواضع. الأمر المؤكد أن المغتربين أكثر شقاء بهذا الوضع، وكلهم شوق لدعم اقتصاد البلاد ولكن السياسات العرجاء التي كانت تطبق عليهم هي التي حالت بينهم وبين ذلك الواجب. فيا سيد مكين فليكن هذا موضوعك وأنت على هذه الثغرة الهامة.
(2)
المعروف أن الطبقة الوسطى في بلادنا قد تم تجريفها وهبطت في معظمها للطبقة الفقيرة ومن بقي فيها كان معتمدا على الحل الفردي كالاغتراب، لذلك نجد أن قائمة المغتربين السودانيين تضم أساتذة الجامعات والخبراء والاستشاريين وكبار المهنيين والحرفيين المهرة وغير المهرة، ونسبة لتآكل قيمة الجنيه السوداني أصبح المغترب يحتفظ بمدخراته بالعملة الصعبة في الخارج ولا يحول من دخله إلا ما يقيم أود أسرته وواجباته في الداخل، وحتى هذه يحولها في الخارج ليستلم من بالداخل بالعملة المحلية ليس هذا فحسب، بل من أراد منهم الاستثمار يستثمر في الخارج لذلك تقدر مدخرات المغتربين واستثماراتهم في الخارج بما يفوق الخمسين مليار دولار. فالمطلوب الآن من المغتربين والمهاجرين أن يسهموا في القومة بما تيسر لهم ولكن الأهم لابد من طرح مشاريع يدعمها المغتربون بقروض مستردة في شكل سندات بالعملة الصعبة ويكون جميلا لو وضع المغتربون أنفسهم السياسات المشار إليها ويمكن ان يكون اصطفافهم في هذا الأمر مهنيا أو مناطقياً أو في اي شكل من الأشكال، وليسند هذا الأمر لجهاز المغتربين لما له من خبرات تراكمية.
(3)
الطبقة الوسطى المقيمة في الداخل على قلتها أصابتها عدوى الدولرة، بمعنى أخذت تحول مدخراتها الى دولار لأنه السلعة (نعم للأسف سلعة ) الوحيدة المحتفظة بقيمتها, ليست هناك أي مشاريع إنتاجية صغيرة ناجحة . ترك الناس مضاربات الأراضي لارتفاع قيمتها مع أنها لا تستحق، وهذه قصة أخرى وسيترك الناس شراء العربات لان أسعار البنزين وقطع الإسبيرات سوف ترتفع بصورة كبيرة في اليومين القادمين، وسيتجه الناس للدولار مهما قلت مدخراتهم. فأكاد أجزم انه في أي بيت من بيوت الطبقة الوسطى توجد حفنة من الدولارات تتراوح من ألف الى عشرة آلاف، فلو جمعنا هذه سوف تصل المليارات ومن المؤكد أن أصحابها ليسوا سعداء بها، فلو وجدوا البديل الذي يحرك جمود الوضع الاقتصادي لاتجهوا إليه، سيكون جميلا لو أن بعضهم أخرج دولارين ثلاثة لدعم القومة الوطنية ولكن الأهم لابد من وقف تدهور العملة السودانية بأي سياسة اقتصادية قابلة للتطبيق وساعتها سوف تخرج هذه الدولارات المدكنة رب رب رب, فيا أهل القومة اصطحبوا هذه الحتة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.