ببساطة د/ عادل عبد العزيز الفكي

فيروس كورونا وتعديل مسار الاقتصاد السوداني

شارك الخبر

تابعت كغيري مقطع فيديو يتحدث فيه عامل إسكافي بسيط عن قرار السلطات بحظر التجول الشامل في ولاية الخرطوم لمنع انتشار فيروس كورونا. قال العامل إنه يعول أسرة من تسعة أشخاص تحتاج يومياً 700 جنيه للأكل، وأنه يقيم جنوب حي مايو بالخرطوم في سكن عشوائي ليس فيه ماء ولا كهرباء، وأنه يأتي بمجازفة كل يوم لوسط الخرطوم ليتحصل رزقه من خلال صيانة الأحذية. سأله معد الفيديو هل ستبقى في منزلك إذا وفرت لك الحكومة غذاء لأسرتك بقيمة 700 جنيه؟ قال نعم سيبقى. لكنه استدرك قائلاً: الحكومة الآن بقروشي ما قادرة توفر لي الرغيف. ثلاثة من أولادي يخرجون كل صباح ومع كل منهم 30 جنيها يقفون لثلاث ساعات للحصول على الرغيف، الحكومة لا تستطيع أن توفر الغذاء لأولادي، لا بد أن أخرج لتحصيل رزقي.
هذا تحدٍ هائل يواجه السلطات، كيف يتحصل عمال اليوميات على يومياتهم التي منها يأكلون وأسرهم؟ أبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا قال مباشرة (نحن دولة فقيرة لا تستطيع إطعام الشعب، لهذا لن نمنعهم من العمل وتحصيل الرزق). أي الموقفين أصح؟ سوف يحكم التاريخ.
في كل الأحوال تلفت هذه المسألة الأنظار لمعضلات هائلة كانت في إطار المسكوت عنه، مثل العشوائيات المحيطة بالمدن، خصوصاً الخرطوم، وإفتقار هذه العشوائيات للخدمات الأساسية من ماء وكهرباء ناهيك عن التعليم والصحة والأمن والصرف السطحي والصحي وغيرها من الأساسيات.
بالرغم من الآثار السالبة الكثيرة لجائحة كورونا إلا أنها توفر فرصة هائلة للسودان ذلك لأن الجائحة أثبتت أن الاحتياج الأساسي للإنسان هو الغذاء، وتتوفر للسودان فرصة هائلة لتغطية احتياجات المنطقة العربية من الغذاء، وقد بدأ الآن تصدير كميات كبيرة من البصل واللحوم المبردة والماشية لبعض الدول العربية.
مبادرة الأمن الغذائي العربي مبادرة طرحتها جمهورية السودان على القمم العربية المتوالية منذ أكثر من عشرة أعوام، ووافقت عليها الدول العربية، وكلف المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية شركة لامير الألمانية لإعداد دراسة الجدوى لهذه المبادرة، وبالفعل أُعدت دراسة الجدوى بإحترافية ومهنية عالية، وكان الاستشاري فيها بروفسير قنيف أحد علماء السودان الكبار في القطاع الزراعي. أثبتت الدراسة قدرة السودان على تغطية احتياجات المنطقة العربية من السكر والقمح واللحوم والألبان والفواكه والخضر، بقيمة صادرات تبدأ بسبعة مليارات دولار سنوياً وصولاً لخمسة وعشرين مليار دولار سنوياً. وظلت الدراسة في أدراج المسؤولين في وزارة المالية لأعوام خلت.
الفرصة مواتية الآن، والموسم الصيفي على الأبواب، وقد يواجه مشكلة قلة العمال الزراعيين خصوصاً في ولايات القضارف والنيل الأزرق وسنار بسبب احتمال منع العمالة الاثيوبية من الدخول بسبب المشاكل على الحدود.
نقترح على اللجنة الاقتصادية العليا عمل وتنفيذ برنامج محكم لنقل عدد مقدر من سكان العشوائيات بالخرطوم مع أسرهم وتوطينهم في تلك الولايات. يومية العامل الزراعي وأفراد أسرته القادرين على العمل سوف تكون أكثر من 700 جنيه بكثير. سوف يستفيد العامل، وأصحاب المشاريع، والاقتصاد الكلي. والله الموفق.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.