حنفي عبد الله محمد أفندي
شكل تأثير دور الإجهزة الأمنية في العديد من الدول العربية بالتزامن مع ما عرف بثورات الربيع العربي والحراك الشعبي والذي امتد أثره للسودان ، شكل سبباً مباشراً مع مؤثرات اقتصادية ، سياسية داخلية وخارجية ، في تصاعد الاحتجاجات الشعبية والانتفاضات ، متزامناً مع استمرار مطالب منظمات حقوق الإنسان باستهداف الأجهزة الأمنية لإضعافها وحلها ، وتجاذبات استمرار سيطرة نظام سياسي واحد لعقود طويلة في تلك الدول ومن بينها بلادنا بالطبع . وساهم كل ذلك في زيادة وتيرة الحراك الشعبي والتحولات الديمقراطية والتي لا تزال شرارتها متقدة بأشكال عديدة في العراق ولبنان والجزائر وتونس ، مع استمرار الأجهزة الأمنية في نشاطها لوقف حملات الاحتجاجات والتظاهرات ، باعتبارها الجهة التي كانت منوطة بعمليات الضبط والسيطرة والحفاظ على تماسك الدولة واستقرارها ، وما نتج عنها من إفرازات وقمع المعارضين، وتحميلها مسؤولية ونتائج وتجاوزات تلك الأنظمة باعتبارها أحد أدواتها الأساسية.
نتيجة لمآلات الثورات وضع على الأجهزة الأمنية وزر تلك الأنظمة السياسية، وباتت مطالب الثوار في بعض دول الربيع العربي بحل الأجهزة الأمنية ، وتقديم منسوبيها وقادتها للمحاكمات ، والمطالبة في بعضها بإعادة هيكلتها وتغيير مناهجها لتتواءم مع المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ومتطلبات التحول الديمقراطي بصفة عامة في تلك الدول , الا أن ما تم فعليا وخاصة في مصر وتونس ان الأجهزة الأمنية بقيت كما هي دون تغيير في ، مع تغيير طال القيادات الرفيعة .
الحال في السودان لم يكن بمعزل عن هذه الرؤى ، ولكن بالنظر إلى التجربة المريرة بحل جهاز أمن الدولة بعد انتفاضة أبريل 1985م ، ورغم الأصوات القليلة التي تنادي بحل الجهاز , يتجه الأمر إلى إعادة هيكلته، حيث تم تغيير الاسم إلى المخابرات العامة ، وقد خرجت ورشة التحولات الاجتماعية ومستقبل القطاعات الامنية في السودان, والتي عقدت بمبادرة من اساتذة جامعة الخرطوم بمشاركة خبراء ومختصين , خرجت بتوصيات مهمة من ابرزها التأكيد على ضمان قومية ومهنية واحترافية الجهاز في لعب دوره المنوط لحماية الأمن القومي , خاصة في ظل التحولات الجارية ومتطلبات فترة انتقالية مستقرة ، تحضيراً لمرحلة الديمقراطية وإجراء الانتخابات ، مع الوضع في الاعتبار كافة المخاطر المحدقة من المؤثرات السلبية الداخلية والإقليمية والدولية ، وهذا يتطلب الولوج إلى رؤية موضوعية، ولكنها لا تغفل المخاطر والمهددات لمواكبة المرحلة الدقيقة الراهنة، بالاستفادة من تراكم تجارب الدول ، فضلاً عن التجارب الثرة لأجهزة الأمن والمخابرات السودانية.
من المهم ان نلقي نظرة فاحصة لتطور الأجهزة الأمنية في السودان والتجارب ما بين الدمج والتعدد , حيث مرت أجهزة الأمن والمخابرات السودانية بتجارب عدة خلال الحقب التاريخية , واختلف تنظيم الأجهزة الأمنية والاستخبارية وهياكلها ومهامها واختصاصاتها وفقاً لاختلاف القوانين التي نظمتها وخصصت لها, كما أن قياداتها في كل مرحلة كانت تتجدد وفقاً لتوجهات المرحلة وذلك حسبما , وشهدت الفترة من 1924م – 1948م ما يسمى بمكتب الاتصال العام والذي كان يتبع لمكتب السكرتير الإداري حيث ترأسه عدد من الإنجليز والشوام وكان هذا المكتب يعنى بشئون الأمن الداخلي والجوازات والهجرة ومراقبة بعض أفراد الجاليات وأنشطة الأندية الثقافية والرياضية وبعض الجمعيات.
وقام ما يسمى بالقسم المخصوص ومن عام 1948م وحتى 1953م , برئاسة بوليس السودان بمكتب السكرتير الإداري (البوليس السياسي) والذي تزامن مع بداية ظهور النشاط السياسي في البلاد مثل مؤتمر الخريجين وبداية ظهور النقابات العمالية وبعض الجمعيات والأندية الثقافية. وكانت أول تجربة لتعدد الاجهزة بالبلاد عام 1957م , عند إنشاء قسم الأمن الخارجي تابعا لمجلس الوزراء و الذي أصبح من بعد مستشارية الأمن الخارجي ، بموازاة قسم الأمن العام بوزارة الداخلية الذي أنشئ و كان يعنى بالأمن الداخلي.
لكن التجربة لم تنجح نظرا لتنازع السلطات بينهما والتنافس، بين الجهازين مما أدى لأن تكون سمة التناحر لا التنافس المهني هي السائدة مما تسبب في فشل الكثير من العمليات الأمنية والفشل في الإمساك بالملفات الأمنية والبلاد حينها في اولى عتبات الاستقلال . وأزاء ذلك و لمعالجة القصور تم في عام 1962م دمج القسمين (الأمن العام والأمن الخارجي) وسمي الأمن العام ويتبع لوزارة الداخلية ، واستمر حتى مايو 1969م .
رغم الصعوبات السابقة التي واجهت تجربة فصل الجهاز , اعيد نظام التعدد مع إنشاء جهاز الأمن القومي كجهاز خارجي في نوفمبر 1969م , وبقي الأمن العام مختصا بالشأن الداخلي بوزارة الداخلية . وعند صدور قانون الاجهزة المركزية عام 1974م تم فصل الامن العام من الداخلية , وبات تابعا لرئاسة الجمهورية شأنه في ذلك شان جهاز الأمن القومي (المخابرات). وبذا استمر العمل بنظام الازدواج .
فشلت مرة أخرى كل محاولات الاصلاح والمعالجات لتجاوز سلبيات الازدواج, التي صاحبت التجارب السابقة ’ مع استمرار التحديات السياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية خلال تلك الفترة , مقرونة مع بقاء عوامل تداخل الاختصاصات وتنازعها مما أدى لتجدد التصادم وتشابك الجهازين في ملفات عديدة , مما أدى لضعف الأداء وتخبطه , حيث ظلت سمات التناحر لا التنافس المهني هي السائدة مما تسبب في فشل الكثير من العمليات الأمنية و ضعف الإمساك بالملفات الأمنية.ولم يكن هناك حل للخروج من ذلك المشهد سوى العودة الى تنفيذ قرار دمج جهاز الأمن القومي مع الأمن العام وانشاء جهاز واحد تحت (مسمى جهاز أمن الدولة) وبذا عاد العمل الامني والاستخباري بصورة افضل , خاصة مع وجود النائب الاول لرئيس الجمهورية في سدة رئاسة الجهاز .
رغم كل التجارب الضعيفة وسلبيات انشاء أجهزة أمن متعددة في ظل التحديات والمهددات الامنية التي ظلت سمة بارزة تجاه البلاد ولمعالجة بقاء السودان دون غطاء امني بعد حل جهاز أمن الدولة, تم في 1984م تكرار تجربة الازدواجية بإنشاء إدارة للأمن الداخلي وأخرى للأمن الخارجي يتبعان لمدير عام الشرطة. واستمرت الإزدواجية بمشاكلها ومعوقاتها , حيث تم في عام 1987م حل إدارة الأمن الخارجي برئاسة الشرطة وحول لجهاز جديد للأمن الخارجي تحت اسم جهاز الأمن الوطني , و تم تعديل الاسم لجهاز أمن السودان . ومع تكرار تجربة الفصل استمرت سمات التنافس و لكن هذه المرة كان مدعوماً من الحزبين الرئيسيين حينها ( الامة – الاتحادي الديمقراطي ) اللذين كانا يسيطران على دفة الحكم لتطويع عمل الأجهزة الأمنية لصالحهما.
بقي جهاز أمن السودان في مهامه خارجيا وإدارة الأمن الداخلي في مهامها برئاسة الشرطة إلى أن تم دمجهما في 30 مايو 1990م في جهاز واحد تحت اسم جهاز الأمن العام ,وأصبحت إدارة الأمن الداخلي تسمى أمن الشرطة (وحدة استخبارية في الشرطة).وفي ديسمبر 1994م تم تقسيم المقسم الامن العام إلى جهازين خارجي وداخلي, وتم تغيير اسم الخارجي فيما بعد , وسمي جهاز المخابرات السوداني, وفي 2003م تم تعديل اسم الأمن الداخلي وسمي بجهاز الأمن الوطني. الى أن تم في عام 2004م دمج جهازي الأمن الوطني والمخابرات السوداني بمسمى جهاز الأمن والمخابرات الوطني ، وبعد ثورة ديسمبر 2018م تم تغيير أسم الجهاز وفقاً للمرسوم الدستوري رقم (33) 2019م بتاريخ 12 يوليو 2019م الصادر من المجلس العسكري الانتقالي وصار بمسمى جهاز المخابرات العامة.
ونتيجة للاخفاقات المتكررة لفصل اجهزة الأمن بقسميه الداخلي والخارجي , جرت العديد من حالات التحول من نظام الاجهزة المتعددة الى الجهاز الموحد , وقد نتج ذلك نظرا للعديد من السلبيات التي صاحبت تعدد اجهزة الامن بالبلاد نتيجة الاخفاقات التي صاحبت الاداء , جراء تعقيدات البيئة المحلية والانعكاسات الاقليمية ومردها استمرار عدم الاستقرار والتوترات في معظم دول الجوار وافرازاتها السالبة . فضلا عن انعكاسات تعدد الاجهزة المعروفة والتي ظلت تتكرر وخاصة عوامل تداخل الاختصاصات وتنازعها مما ادى الى مزيد من التصادم وضعف مواجهة الازمات وبالتالي فشل كثير من العمليات الامنية ،
هناك العديد من السلبيات التي ستواجه الجهاز في حالة الفصل لجهازين , ومن ابرزها غياب الرؤية الإستراتيجية الأمنية الشاملة وفقاً للتأثيرات الإقليمية والدولية علي االأمن القوم, و تضارب الإختصاصات وإنعدام المركزية في تخطيط العمليات الأمنية , وغياب البعد الخارجي عن الموضوعات المحلية, والتنافس غير المحمود وعدم التنسيق والتقاطع في بعض الملفات,والذي ظل سمة سلبية بارزة خلال تجارب الفصل السابقة وصعوبة إدارة جهود مكافحة الإرهاب التي تعتمد علي التعاون مع الأجهزة الإستخبارية الصديقة, الى جانب ضعف الإحاطة بأنشطة الجريمة المنظمة خصوصاً الجرائم الإقتصادية العابرة للحدود والتي تعتمد علي تبادل المعلومات بصورة سريعة وفاعلة.
كما ان هناك مهددات حقيقية ستواجهنا في حالة الفصل لجهازين , وتتعلق بضعف فعالية التعاون مع أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية, وفقدان التأثير المباشر علي المحيط الإقليمي, وفقدان السند للقضايا السودانية الذي تمثله الأجهزة الصديقة في مراكز القرار السياسي بدولهم في المنظات الدولية والإقليمية مثل الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي, والحاجة الماسة لإنشاء أجسام تنسيقية جديدة تؤدي لضعف فاعلية الأجهزة الأمنية , كما سنعاني في ظل ظروفنا المالية الصعبة من زيادة التكلفة التشغيلية , فضلا عن ضعف القبضة الأمنية مما يشجع شبكات التجسس وعصابات الجريمة المنظمة لتكثيف نشاطها بشكل فاعل, وصولا الى إضعاف فرق التفاوض في مختلف القضايا (السلام , المياه , البيئة) بسبب غياب المعلومات الأمنية الموثقة والتحليل الأمني المحكم الذي يستند علي الإحاطة التامة بمعلومات الداخل والخارج ويغطي النقص من التعاون الإستخباري مع الأصدقاء.
نشير وفق المنطق و العقلانية وعين الحكمة- دون الاتجاه لالتباسات لدى البعض نتيجة احتقانات مذهبية وعقائدية لا ننكر أثرها الشخصي والسياسي — لاعتبارات الاتجاه لمصلحة الوطن لاغير باعنبار أن هناك ايجابيات لبقاء الجهاز موحدا بجناحيه الداخلي والخارجي يدركه كل من انخرط في هذه المهنة , ومن أهم اعتباراتها ان قوة الجهاز في وحدته وتماسك صفوفه, وتكامل الأدوار داخلياً وخارجياً , بالاضافة الى فرص وضوح الرؤية الإستراتيجية الأمنية الشاملةوتوفر واقعية التخطيط الأمني, فضلا عن مؤثرات تخفيض تكلفة التشغيل والإستغلال الأمثل للموارد البشرية والمالية والمادية, وفرص حقيقية لإحكام التنسيق مع مؤسسات الدولة الإتحادية والولائية.
ومن أهم الفرص المتاحة لوجود الجهاز موحدا بنشاطيه الداخلي والخارجي , الإسهام الفاعل في إسناد السلطات التنفيذية والرقابية والسيادية لاعتبارات عدم امكانية الفصل بين مهددات وتحديات الأمن الداخلي والخارجي , وامكانية توظيف بروتوكولات التعاون الإستخباري مع الأجهزة الصديقة لإعلاء المصالح الوطنية وتعظيم المكتسبات الأمنية الداخلية.والقدرة علي التنبؤ الصحيح وتوقع الأزمات ووضع التدابير المحكمة لتجاوزها وتحديد أفضل سبل إدارتها.
نستطيع من خلال الجهاز الموحد مواجهة تنامي ظاهرة الشراكات والتنافس الإقليمي وأنشطة المنظمات الإقليمية , مع العمل الجاد بواسطة ذوي الخبرة والدربة من إجراء معالجات موضوعية لمهام وهيكل جهاز المخابرات العامة ليكون جهازاً مقبولاً ومعتدلاً باستصحاب التجارب السابقة الداخلية والخارجية مع توفير البيئة المواتية لمجتمع استخباري متصالح (الجهاز ،الشرطة، القوات المسلحة “الاستخبارات العسكرية”) ليس بينها صراعات أو تنازع في السلطات أو المهام.
وهناك مبررات موضوعية لابقاء الجهاز موحدا بجناحيه الداخلي والخارجي مع تصويبات في الهيكل والمهام والواجبات وتحويل بعض المهام الاجرائية والتنفيذية لوزارة الداخلية وفقا لتجارب دول عديدة لمواجهة التحديات التي تجابه البلاد في هذه المرحلة , ومن ابرزها متابعة وتقييم إفرازات الأزمة الاقتصادية ومؤثراتها الدولية. مع تواصل استهداف واستنزاف موارد البلاد, خاصة مع مشروعات بناء عهد ديمقراطي جديد تشوبه كثير من صعوبات المرحلة . وان ارتباط هذه القضايا ببعضها البعض يجعل من الضروري وجودها تحت سيطرة جهاز واحد. وان حماية الأمن القومي يظل تحديا ماثلا من حالة السيولة الراهنة والانفلات وعدم الاستقرار ومؤثرات الضعف الاقتصادي وانتشار الجريمة المنظمة في دول الجوار والمحيط الإقليمي للسودان.
كذلك لا نغفل أهمية الإحاطة والمتابعة لإفرازات المهددات الداخلية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ، والمساهمة الفاعلة في وضع المعالجات اللازمة, مع تشكل ظواهر مواجهة تنامي ظاهرة الشراكات والتنافس الإقليمي وأنشطة المنظمات الإقليمية عبئا مهما للجهاز ينبغي التصدي له, وأهمية دور الجهاز المستمر في المتابعة والمساهمة لحسم وإنهاء حالات اللجوء ومعضلات يمة المنظمة ,والعابرة ومتابعة الدور الفاعل للجهاز في مكافحة الارهاب بكافة أشكاله ، من خلال المساهمة المستمرة اقليميا ودوليا في هذا المجال.
وكذلك التيقن وفق التجارب أنه في حالة اي تغييرات يمكن ان تؤثر في بروز عوامل تداخل الاختصاصات وتنازعها, مما سيكرر سيناريو تجدد التصادم وتشابك الجهازين في ملفات عديدة مما يضعف الأداء , بالاضافة الى سمات التناحر التي ظلت تلازم الازدواج مما سيعمل على ضعف الأداء وصعوبات الإمساك بالملفات الأمنية. ولذا بات ضروريا وجود الجهاز بوضعه الحالي , مع جعله بجناجي الامن الداخلي والامن الخارجي في اطار جهاز المخابرات العامة و ذلك لمواجهة تعقيدات صراع المصالح المتقد اقليميا ودوليا وارتباط ذلك بجميع طاقات الدولة وإمكاناتها السياسية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والديموغرافية، والاجتماعية والعسكرية ، وقيمها وموروثاتها، وأصبح هناك تفهمً لمخاطر التلوث البيئي، والإرهاب والجريمة العابرة للحدود الوطنية، والتحركات السكانية الكبيرة، والأمراض المعدية والأوبئة , وكلها توظف جميعها لتحقيق الرفاه والأمن للمجتمع .
في ظل معايشتنا اللصيقة لتجربة وجود جهازين وكذلك الجهاز الواحد منذ أكثر من أربعين عاما .. نرى أن الاستمرار بالدمج يبقى الخيار الأفضل نظرا للعديد من المبررات التي سقناها واكدتها التجارب العملية السابقة. وفشل كثير من المعالجات لتجاوز سلبيات الازدواج, التي صاحبت التجارب السابقة ’ وخاصة مع متغيرات الوضع الراهن بالبلاد في مرحلة انتقالية تجابه تحديات سياسية واقتصادية وامنية وعسكرية بالغة الدقة .
ومن أهم المطلوبات الابتعاد عن العمل الإجرائي والاعتماد على الجهد الاستخباري في الحصول على المعلومات وتحليلها وتقييمها وتقديمها لمراكز اتخاذ القرار ، ويتم ذلك عبر تجويد الأداء بالتدريب والممارسة, والاستفادة من توظيف قاعدة بيانات الجهاز وذاكرته الممتدة لإسناد الجهاز التنفيذي الإتحادي والولائي ولإسناد السياسة الخارجية للدولة.ولا بد من إكمال المنظومة الأمنية باستمرار الجهاز في رفع مقدرات وآليات متابعة الشأن الخارجي بتوسيع مواعينه وتطوير قدراته داخليا وخارجيا , ورفع معدلات التنسيق والتعاون مع الأجهزة النظيرة في مجال المعلومات, والعمل بتناغم وانسجام مع المنظومة الأمنية الداخلية. ومعالجة الثغرات التي يمكن أن تعتري نشاط الجهاز ،بتفعيل دور لجنة الأمن الفنية لمجلس الأمن القومي (الجهاز، الاستخبارات والشرطة، العدل -النيابة العامة) وتكون هناك اجتماعات أسبوعية
ونشير بوضوح الى مخرجات ورشة التحولات الاجتماعية ومستقبل القطاعات الامنية في السودان, والتي عقدت بقاعة الصداقة مؤخرا بمبادرة من اساتذة جامعة الخرطوم بمشاركة خبراء ومختصين , وقد خرجت بتوصيات مهمة من ابرزها التأكيد على الابقاء على الجهاز موحدا بجناحيه الداخلي والخارجي , وعدم انشاء أجهزة مشابهة موازية , و ضمان قومية ومهنية واحترافية الجهاز بمزيد من الاصلاح الهيكلي والقانوني . للمساهمة في لعب دوره المنوط به لحماية الأمن القومي , خاصة في ظل التحولات الجارية ومتطلبات فترة انتقالية مستقرة ، تحضيراً لمرحلة الديمقراطية وإجراء الانتخابات ,
من خلال الحيثيات التي ذكرتها وفق خبرات متراكمة بعملي منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي بجهاز أمن الدولة ,يتضح بصورة جلية اهمية تغليب خيار استمرار الجهاز بنظامه الحالي ،مع اهمية اعادة الهيكلة بصورة علمية لتصويب الأداء , وذلك بالاستفادة من السلبيات التي صاحبت التجربة السابقة , سواء من الافرازات السابقة في ادارة النشاط الامني والاستخباري , أو في دور هيكل ومهام الجهاز خلال المرحلة السابقة في التأثير السلبي وتداخل الاختصاصات مع مؤسسات الدولة الأخرى .
ان اتساع نطاق الأمن القومي السوداني يشكل انعكاسا لأفرازاته الداخلية والخارجية وبالعكس , ولتغير البيئات الوطنية والدولية، وارتباط متلازم للأزمات الداخلية والملفات الاقليمية بالسودان, الذي انعكس في التدخل الاقليمي والدولي, وأثره البالغ اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا.
ومعلوم ان موضوع الأمن في العولمة لا يعني أمرا داخليا ، بل ظل متداخلا إقليميا ودوليا، وتعددت آليات التدخل، وحق إنتقائية التدخل عبر الأسباب الإنسانية الموجبة للتدخل , وإستعمالها بوصلة لخدمة أهداف سياسية وعسكرية ، وفاعلية سلاح الإعلام ,الأمر الذي يستدعي تدابير متابعة ذلك بشكل مستقر هيكليا في الجهاز.
لذا لا بد من بقاء هيكل الجهاز موحدا ليواجه جملة من التحديات والمخاطر التي باتت تشكل تهديدا للأمن القومي السوداني , مما يتطلب مزيدا من التداول والتدبر لمواجهتها ودرء مخاطرها . وتعزيز تحقيق مجتمع الأمن والسلم الاقليمي و الدولي, وخاصة ان العوامل الناتجة عن الأوضاع الضاغطة التي تواجه البلاد , كفيلة باستمرار انتاج الأزمات, مما يستدعي استمرار تعزيز دور الجهاز والتفكير والتقدير الإستراتيجي وتطوير قدراته. ولا مناص من اتجاه جهاز المخابرات العامة لممارسة مهامه وفقاً لتجارب الدول التي تعمل بنظرية الدمج بين النشاطين الداخلي والخارجي , تبعا لما هو منصوص عليه في القانون مع الابتعاد عن العمل الإجرائي التنفيذي.
Comments are closed.