تحقيق (السوداني): مِنحة مواتر التحصين للولايات.. وزارة الصِّحة تَتَعَمَّد التعتيم!

تحقيق: اليسع أحمد

في الوقت الذي تشكو فيه الوزارات الولائية مُر الشّكوى من انعدام تَوفُّر وسائل الحركة؛ من سيارات ومواتر لوصول كوادرها للقُرى والمناطق النائية؛ لتطعيم وتحصين المواطنين ضد الأمراض المختلفة، تقبع بميناء مدينة بورتسودان بولاية البحر الأحمر عدد 60 مُوتراً؛ كمنحة مُقدّمة من منظمة التحالف العالمي للقاحات والتحصين Gavi لحكومة السودان، ممثلة في وزارة الصحة الاتحادية، علماً بأن المنحة لتلك الولايات وتهدف لتغطية عملية التحصين بالولايات عبر المواتر للمناطق التي يصعب الوصول إليها بالسيارات، وما تزال المواتر عالقة بالميناء منذ أواخر ديسمبر للعام 2020 وحتى كتابة هذه السطور. (السُّوداني) حَقَّقَت في الموضوع مع جهات الاختصاص بالوزارة وشركة الشحن وخرجت بالحصيلة التالية.

تفصيل التفاصيل:
في تحقيقنا عن قضية الدراجات النارية (المواتر) الخاصة بوزارة الصحة الاتحادية بدأنا الحديث مع موظف بإحدى الإدارات المختصة بملف القضية، حيث قال الموظف، الذي فضّل حجب اسمه ل (السوداني) إن المواتر تمّ استجلابها كأحد انشطة مشروع منحة تقوية النظام الصحي المقدمة من التحالف العالمي للقاحات والتحصين، وذلك بغرض تنفيذ أنشطة التحصين في المناطق الصعبة الوصول وعددها 60 موتراً. وأضاف الموظف أنَّ منظمة الامم المتحدة للطفولة قامت بإستجلاب المواتر نيابة عن الوزارة فيما يتعلق بالمشتروات المتعلّقة بالمنحة وتسليمها وزارة الصحة الاتحادية، حيث بدأت الاجراءات قبل 16 شهراً في أبريل للعام 2020م.

بداية التأخير:
وكشف المُوظّف إن بداية تأخير وصول المواتر عندما تمت ملاحظة خطأ في اصدار البوليصة، حيث تم تحرير البوليصة لجهة أخرى بدلاً عن الإدارة العامة للصحة العالمية بوزارة الصحة الاتحادية، وفي هذه الاثناء قامت وحدة إدارة مشروع تقوية النظام الصحي (Gavi) بإخطار منظمة الامم المتحدة للطفولة بالخطأ واستعجال إستخراج الوثيقة الصحيحة، كما تمَّ أيضاً اخطار مديرة الادارة العامة للصحة الدولية شفاهةً أولاً، واعقبه ارسال خطاب أول لاجراء ما يلزم نتيجة للتأخير في إتمام التخليص الجمركي طرف الادارة العامة للصحة الدولية، علماً بأن المواتر وصلت إلى ميناء بورتسودان في 22 ديسمبر 2020م، ونوه إلى تواصل عملية التأخير بعدم الرد من قبل إدارة الصحة الدولية على الخطاب الأول والذي كان بتاريخ الأول من فبراير 2021م وبه اخطار بنهاية فترة السماح المجانية للأرضية بتاريخ 22 يناير 2021م، أي بعد شهر واحد من وصول المواتر وتوصية أن تتحمل منظمة الامم المتحدة للطفولة أي تكاليف متعلقة، وأشار إلى أنه تم إرسال خطابا ثانيا من وحدة إدارة المشروع في ذات الموضوع؛ تنبيهاً لخطورة الموقف مع انتهاء مهلة الشهر وبداية حساب تكلفة الأرضية، وبالاشارة للخطاب الأول للسيد وكيل وزارة الصحة الاتحادية بواسطة مدير الادارة العامة للصحة العالمية وفيه مقترح ثان بمخاطبة وكيل المالية لزيادة فترة السماح للأرضية لشهر آخر، وكان رد مدير الإدارة العامة للصحة الدولية على الخطاب بتاريخ الأول من مارس 2021م ينص على أنّ الوزارة معفية من دفع قيمة الأرضية ويجب عليها مخاطبة شركة الشحن للاعفاء أو التخفيض علماً أنّ التخليص الجمركي يتبع للإدارة العامة للصحة العالمية والملزمة بالمتابعة والمخاطبة للجهات ذات الصلة.

تحذير وغرامات مليارية:
وأكَّد المُوظّف إنه بعد تزايد إصدار الخطابات دون فائدة وفي التاسع من مارس الماضي حذرت الشركة الوزاراة بأن المواتر تقع تحت غرامة الأرضية والتي وصلت في تاريخ الخطاب إلى ما يُقارب 1000 يورو ما يزيد عن 400 ألف جنيه سوداني حينها، وقد قامت الشركة في الخطاب باخطار قيمة تعامل البضائع في حالة غرامة الأرضيات بدفع 22.8 يورو يومياً نظير كل وحدة وأن عدد الوحدات التخزينية تبلغ 60 وحدة، كما حذرت بأنه اذا أستمر هذا الوضع يضع المواتر في خطر البيع بواسطة مزاد الجمارك اذا لم تحل بصورة عاجلة علماً بإنخراط كل المعنيين في الامر وفي كل المخاطبات والمكاتبات. وتابع المصدر، أن في مايو الماضي 2021م قامت وحدة إدارة المشروع بإخطار الوكيلة د. يسرا محمد عثمان ووضع المواتر في ميناء بورتسودان منذ 22 ديسمبر 2020م والعراقيل التي تواجهها لاستعجال تخليصها من خطر البيع الذي يجابهها بمزاد الجمارك حينها وعدت الوكيلة بمتابعة الأمر وتشكيل لجنة تحقيق ومحاسبة المتسببين في تخليصها، إلا أنه لم يحدث شيئاً في هذا الخصوص حتى يومنا هذا، حيث تصل الغرامات الناتجة من الارضية إلى رقم كبير يحاصر المواتر ، وكلما ازدادت فترة التخليص الجمركي زادت قيمة الغرامة حيث بلغت قيمة الغرامة للأرضيات حتى الأول من يونيو الماضي 4.500.000 جنيه سوداني أربعة مليون وخمسمائة ألف جنيه، في انتظار دفعها قبل التخليص. وقال إن تأخير استخراج المواتر قد ينتج عنه تلفها بسبب طول مدة حجزها بالميناء، ومن تواجدها في العراء في باحة الميناء الأمر الذي يعرضها للرطوبة إذا غابت مقاييس التخزين القياسية، ونوه إلى أنّ التأخير له بالغ الأثر وينعكس على وصول وقصور في التحصين والخدمات في الولايات المستهدفة والتي تعتمد على المواتر في خدمات التحصين للمناطق التي يصعب الوصول إليها في إطار الجهود لرفع التغطية بالتحصين خصوصا في ظل جائحة الكورونا، مشيراً إلى أن هذا التصرف يظهر عدم الجدية وغياب المهنية المطلوبة لاتمام الواجبات المهمة من الوزارة الاتحادية، خصوصاً إنها متعلّقة بأحد أهم برامج الصحة وهو برنامج التحصين.

في انتظار مُخَلِّص:
الموظفة بشركة أروى للتوكيلات الملاحية المعنية بشحن المواتر مروة الفاتح، تُؤَكِّد ل (السوداني) تواجد مواتر التحصين بالميناء الجنوبي بولاية البحر الأحمر منذ مطلع يناير 2021 وحتى كتابة السطور، وقالت مروة إن الشركة في انتظار المُخلِّص من قبل الوزارة لاستخراج إذن التسليم وإكمال إجراءات التخليص من دفع رسوم الأرضيات التي تنقسم إلى قسمين دفع رسوم أرضيات الميناء ودفع رسوم أرضيات الشركة إضافةً لإجراءات الجمارك والتفريغ والترحيل، ونوّهت إلى أن المواتر موزعة على حاويتان حاوية بها 40 موتراً وأخرى بها 20 موتراً، وكشفت عن إجمالي الحاويات التي تتبع للوزارة في انتظار التخليص منذ مطلع العام الجاري بلغت 12 حاوية، مُؤكِّدة سلامة المواتر وعدم دخولها لمزادات البيع بالميناء بسبب الغرامات المتراكمة (الدلالة) طيلة الفترة الماضية.

اخر من يعلم:
مُدير إدارة التحصين بوزارة الصحة الاتحادية د. إسماعيل سليمان يقول ل (السوداني) إنه لا يدري عن منحة مواتر التحصين وإجراءات تأخير تخليصها شيئا، وأضاف إسماعيل أنه حديث عهد بالوزارة وعُيِّنَ قبل ثلاثة أسابيع ولم يتسلّم خلالها موتراً واحداً، ونوّه إلى أن إدارته مهامها تنحصر في توزيع المواتر بعد وصولها إلى الجهات التي تستحقها حسب توجيهات الوزارة.

اكتمال إجراءات:
وكيلة وزارة الصحة الاتحادية د يُسرا محمد عثمان قالت ل (السوداني) أن أسباب تأخير تلخيص مواتر التحصين طيلة الأشهر الماضية تعود لإجراءات التخليص بميناء بورتسودان وليس سواها، وأكدت د. يسرا اكتمال إجراءات التخليص وسداد المبالغ المالية وغيرها، وتوقعت وصولها خلال الأسبوع المُقبل، وردت على سؤالنا حول الأخطاء التي صاحبت البوليصة وعن عدد المنحة والهبات بقولها: (ممكن تتأكد من الإدارة العامة الصحة الدولية بالوزارة)، مُشيرة إلى أن المواتر منحة من منظمة التحالف العالمي للقاحات والتحصين Gavi مٌقدّمة لحكومة السودان ممثلة في وزارة الصحة الاتحادية والهدف منها تغطية المناطق التي يصعب الوصول إليها بالسيارات بولايات البلاد المختلفة.

رفض الحديث:
من جانبها رفضت نائبة مُدير الإدارة العامة للصحة الدولية بوزارة الصحة الاتحادية د . أروى عُمر الحديث ل (السوداني) عن مِنحة مواتر التحصين وتأخير إجراءات تخليصها، واعتذرت عن الأدلاء بأي افادات حول الموضوع، لافتة إلى أنها هذه الأيام مدير مكلف نسبة لسفر مديرة الإدارة د. أمل الفاتح خارج البلاد.

من (السوداني):
الواضح أنه يوجد خلل إداري مريع داخل وزارة الصحة، يكشف جليا أن العديد من الاشكالات التي تواجه النظام الصحي في البلاد، مردها العقم الإداري والنظام المترهل، الذي لا يمكنه كشف ومعالجة الأخطاء والاخفاقات التي تنعكس سلبا في المنظومة الصحية، ويتضرر منها المواطن. إعادة هيكلة وزارة الصحة بواسطة منظومة إدارية حديثة عبر أنظمة حاسوب، تبين الاشكالات أولا بأول للمسؤولين، وتضع البدائل، بات ضرورة ملحة. فمن الواضح ان من يدفع ثمن تلك الاخفاقات هو المواطن فقط.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.