قلوبٌ لا تعرف للتحطيم سبيلاً

همسة تربوية… د.عبدالله إبراهيم علي أحمد

شارك الخبر

كل شيء حولنا جميل، والأجمل من ذلك حياتنا المليئة بالحب، والروح التي بجمالها تأسر الكثيرين، فالحياة رائعة وجميلة بروعة وجمال أولئك الذين يجعلون لحياتهم معنى أقصر بتعاملهم الراقي، وبأسلوبهم المميز الذي يجعل بصماتهم واضحة على الآخرين، نعم أمور كثيرة تجبر أقلامنا على الكتابة، جماليات ليست محصورة بالشكل والمكان فحسب، ولكن في الأرواح العذبة التي تجذب من حولها، تلك الروح الموجودة داخل ثنايا القلب.
هذا يقودنا إلى التعامل لكسب قلوب الآخرين بأسلوب راقٍ، لأن التعامل بالفعل هو جسر عبورنا للقلوب، يجب أن نتجه للآخرين، وأن نسمعهم من حلو الكلام وعذب الحديث ما يستحقونه وما يعكس صفاء دواخلنا تجاههم، وعلينا معرفة أن الإنسان نسيج من المشاعر، وأن أحاسيس الآخرين تطرب عندما نخاطبها بالكلام العذب الرقيق وبالعبارات اللائقة وحتى في عتابنا لهم لنجعل الابتسامة أسلوباً شفافاً يعكس مشاعرنا تجاههم وحرصنا على مد أواصر الود إليهم.
وعلينا أن نتذكر دائماً جميل الكلام وعذب المعاني ولنكتشف نبرات صوتنا التي تنقل مشاعرنا الودودة إلى الآخرين، فقد نسمع كلاماً يؤثر فينا ونتفاعل معه، بينما الآخر لا يحرك فينا أي ساكن، فنبرات الكلمات والمفردات هي سر جذب الآخرين وكسب قلوبهم.
في المقابل الأخلاق لها أهميةً كبرى، فقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم السبب في بعثته إلى الناس هو إتمام مكارم الأخلاق، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام:
(إنمّا بُعِثت لأتمّم مكارم الأخلاقِ)، فالأخلاق هي الوجه الذي يظهر للناس من الإنسان، حيث كان عليه  الصلاة السلام أفضل مثل في تطبيق كتاب الله الذي بُعث به، وأثبت قابليته لإصلاح وتنظيم حياة العالم أجمعين، كان يُلقب بين قومه بالصادق الأمين قبل نزول البعثة عليه، لِما تمتع به من صدق وأمانة منذ نعومة أظفاره، وكانوا يُحكّمونه في نزاعاتهم ويستودعونه أماناتهم ويحفظها لهم، ولم يغدر بهم يوماً، قال عليه الصلاة والسلام:
(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)، وكان يمازح زوجاته ويلاطفهن ويعدل بينهنّ ويتحمل غيرتهنَ، ويقدرهنّ ويبرهن في حياتهن وحتى بعد وفاتهن، فاستمر يواصل صديقات السيدة خديجة حتى بعد مماتها براً  بها، كان يحسن إلى الأطفال والخدم، وإذا سمع بكاء طفل أثناء الصلاة أسرع بإنهاء الصلاة حتى لا يشق على أمه، كان يرحم الضعيف ويزور المريض، ويتفقد غائبهم، ويُشهد جنائزهم، ويَقضي حوائجهم، ويلبي دعوتهم، ويعدل بينهم، ويحس بآلامهم ويؤثرهم على نفسه.
وأخذ بعض العلماء في ذكر علامات حُسن الخلق، فعدوا منها شدة الحياء، وشدة الصلاح، وقلة الأذى، وصدق اللسان، وكثرة العمل أمام قلة الكلام، وقلة الزلل، وقلة الفضول، وقالوا: إن من صفات حَسَن الخلق برّه، ووصله للناس، وصبره على ما يُصيبه من سوءٍ، وشكره لما يناله من خيرٍ، ورضاه بما لديه، ورفقه بالآخرين، وللخلق الحسن أثرٌ كبيرٌ في استحقاق الإنسان للصحبة من عدمها، فلا ينبغي للإنسان أن يُصاحب من ساء خلقه، ومن لا يملك نفسه عند الغضب، ومن ثمرات الخُلُق الحسن أنه يقلل الأحقاد والخصومات بين الناس ويؤدي إلى حصول الإنسان على درجة الصائم القائم. يُمكن للإنسان أن يكتسب حُسن الخُلق، ويتصف به من خلال قيامه ببعض الأمور، مثل مجاهدة النفس على الاتصاف بالأخلاق الحسنة ومحاسبة النفس، ويكون ذلك بنقدها إذا قامت بشيءٍ من الأخلاق الذميمة، وحملها على عدم العودة لمثل ذلك بالحزم، والجد والنظر والتأمل في العواقب الوخيمة لسوء الخُلق، كذلك عدم اليأس من إمكانية إصلاح النفس وتعويدها على الأخلاق الحسنة وتجنب العبوس والحرص على بشاشة الوجه وطلاقته، والتغاضي والتغافل عن أخطاء الآخرين، فذلك أبقى للمودة وأبعد عن العداوة والبغضاء.
أخيراً تحضرني قصة معلمة دائماً تتجنب أن تقول للطالبة (إجابتك خاطئة)، فكانت تقول بدلاً عن ذلك:
لقد اقتربتي من الإجابة الصحيحة، من تستطيع إعطاء إجابة أخرى؟
أما الجملة التي أثلجت صدري فكانت للمعلمة حين قالت لإحدى الطالبات عندما أجابت إجابة خاطئة:
(هذه إجابة صحيحة لغير هذا السؤال)، هي قلوبٌ لا تعرف سبيلاً للتحطيم المعنوي.

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.