فوضى سوق الدولار..

بحسب مُراقبين، فإنَّ الفوضى التي تسيطر على سوق العُملات الأجنبية بالسودان، لا يوجد لها شبيه؛ حتى في الدول التي دمّرتها الحروب مثل سوريا واليمن وغيرهما؛ والأدلة على ذلك لا تُحصى ولا تُعد؛ آخرها ما شهده هذا السوق (المجنون) نهاية مارس المنصرم، حيث قفز سعر الدولار خلال أقل من أسبوع واحد فقط من (450) إلى أكثر من (800) جنيه، في سابقة لم تحدث حتى في السودان نفسه من ذي قبل..!! وبينما كانت كل المؤشرات تؤكد أن الدولار خلال أيام قلائل سيصل إلى (محطة المليون) -بالقديم، إذا به، وبلا أية مُقدّمات يهبط هبوطاً مُدوّياً؛ وصولاً إلى (550) جنيهاً مقابل الدولار الواحد..!! ومن هنا تتسلَّل الأسئلة لماذا صعد؟ ولماذا هوى؟ وهل سيواصل رحلة الهبوط أم أن تلك خُطة (جهنمية) رسمتها (مافيا) الدولار للسيطرة عليه ثم الانقضاض مُجدَّداً وصولاً إلى المحطة المذكورة آنفاً؟.. تلك الاستفهامات وغيرها نسعى جاهدين للإجابةِ عنها من خلالِ حديثنا مع أهل الشأن .
تحقيق: اليسع أحمد
انعدام رقابة
محمد الحاج تاجر عُملة بالسُّوق العربي حكى لـ (السوداني) أن الأسباب الحقيقية لانفلات أسعار الدولار ووصوله إلى أكثر من (800) جنيه أواخر مارس الماضي هي ازدياد الطلب على شراء العملات الأجنبية، ليس من قبل المستوردين فحسب، بل حتى التجار المحليين الذين أصابهم الهلع من تآكل قيمة ما يملكونه من عملة وطنية، ولذا سعوا لاستبدالها بالعملات الأجنبية، خصوصاً الدولار والريال السعودي، إضافةً لانعدام الرقابة الحكومية على المضاربين.
ونفى أن يكون تراجع أسعار الدولار له علاقة بحملة الاعتقالات التي نفذتها السلطات لمن سمَّتهم بكبار تجار الدولار، مؤكداً أن ما تم اعتقالهم ليسوا بتجار دولار، وإنما (سماسرة وسريحة)، لا يملك بعضهم قوت يومه، ونوّه إلى أن التجار المتلاعبين بالدولار يمارسون عملهم كالمعتاد، وزاد بالقول هُم يعرفون السلطات جيداً، وبالمقابل هي تعرفهم مثل (جوع بطنها).
خسائر فادحة:
وأكد محمد تكبُّد عدد من التجار خسائر فادحة عقب تراجع الأسعار من (800) إلى (570) جنيهاً، مشيراً إلى أن أكثر العملات الأجنبية تداولاً في عمليات الشراء والبيع هي بسوق العملات هي الريال السعودي و الدولار الأمريكي، مُستبعداً أن يكون سبب التراجع (تكتيك) مارسته (مافيا) الدولار لجمع أكبر عدد من العملات الأجنبية، ومن ثم التحكم في أسعار البيع مجدداً.
هشاشة اقتصاد:
من ناحيته حدَّد الخبير الاقتصادي، د. محمد الناير؛ أسباب انفلات أسعار الدولار إلى أكثر من (800) جنيه في أواخر مارس الماضي، بأنها تعود إلى هشاشة اقتصادنا الذي تسيطر عليه الشائعات؛ ليس في قضية سعر الصرف فقط، بل في كل السلع الإستراتيجية، إضافةً لبطء إجراءات الدولة الاقتصادية التي تساعد كثيراً في انتشار تلك الشائعات. ومضى د. الناير بحديثه لـ(السُّوداني) أن الوديعة الخليجية المتوقع إيداعها خلال الأيام المقبلة يمكن أن تحدث استقراراً كبيراً في سعر الصرف، لكنها لن تعيده إلى ما كان عليه نتيجة للانفلات الكبير الذي حدث، وهو مضاعفة سعره من (450) إلى أكثر من (800) جنيه، موضحاً أن إعادته للمحطة الأولى تتم بتدرج مدروس، وليس عشوائياً، وهذا الأمر يحتاج لاستقرار ووفرة.
إطفاء حرائق:
وقال الناير إن الحكومة تعمل بسياسة (إطفاء الحرائق) القائمة على (رزق اليوم باليوم)؛ ليس في الدولار وحده، بل في كل الإجراءات الاقتصادية.. واستدلَّ الرجُل على ذلك بسؤال منطقي هو: لماذا أعلن بنك السودان المركزي قراره باتخاذ (سياسة سعر الصرف المرن).. ثم تأخر جداً في ضخه للنقد الأجنبي حتى حدثت الطامة الكبرى يوم (الخميس) الذي فاق فيه سعر الدولار (800) جنيهاً قبل، فقد شاهد كل العالم الجنيه السوداني يُذبح بسكين صدئة، والبنك المركزي وكل حكومته تتفرّج، كأنها تنتظر أن يأتيها الحل من كوكب المريخ، المؤسف جداً أن البنك المركزي كان قادراً على إحداث التوازن حينها، بدليل أنه مجرد بدء الضخ تراجع السعر سريعاً.. وأكّد الناير أن سوق النقد الأجنبي تسيطر عليه مافيا من التجار يتحكمون في أسعاره منذ انفصال جنوب السودان، يُستثنى من ذلك بعض الفترات الزمنية التي تدخل خلالها البنك المركزي إبان فترة تدفقات النفط بالبلاد..
وناشد د.محمد الحكومة التدخل العاجل للسيطرة على الدولار باتخاذها لسياسيات مشجعة كتحفيز المغتربين، من خلال إعفاءات جمركية حقيقية، وتمليكهم وحدات سكنيه بأسعار مناسبة، والإسراع في إنشاء بورصة الذهب أسوة بدول كثيرة سبقتنا في هذا المجال وتمكنت تماماً من السيطرة على سوق النقد الأجنبي من خلال تنظيمه بشكل علمي وممنهج.. أيضاً لابد من الاستفادة من المناخ الإيجابي المتمثل في رغبة دول الخليج للاستثمار في تأمين الغذاء عبر السودان؛ وذلك بعد الحرب الروسية الأوكرانية. وعاد دكتور الناير للحديث عن أهمية تحويلات المغتربين، موضحاً ضعفها خلال العام الماضي حيث تراوحت مابين (700) إلى (800) مليون دولار؛ علماً بأنها يمكن أن تصل إلى أكثر من (4) مليارات دولار إذا توفّرت حوافز تشجيعية حقيقية.
روشتة مصرفية :
ويقول الخبير المصرفي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة المشرق، د. عصام الدين الزين، لـ(السُّوداني)، إن استقرار سعر الصرف أو تراجعه حسب الدراسات التي أعدها خبراء ومختصون وأودعوها مكتبة صندوق النقد الدولي تنص على أن استقرار سعر الصرف لأي دولة من دول العالم الثالث، وتحكمها في ثبات عملتها الوطنية يتطلب بناء احتياطي يعادل (10%) من إجمالي الناتج المحلي، إضافة لتوفيرها مبالغ مالية من العملات الأجنبية بالبنوك التجارية تعادل قيمة استيراد ثلاثة أشهر، وأوضح الزين أن الـ(10%) من قيمة الإنتاج المحلي بالبلاد تتراوح ما بين (9) إلى (10) مليارات دولار، وأن قيمة استيراد السلع لثلاثة أشهر بالبلاد تعادل (3) مليارات دولار. من ناحيةٍ ثانية وصف د. الزين قرار توحيد سعر الصرف بالارتجالي؛ نسبةً لعدم توفر احتياطي من النقد الأجنبي بالبلاد يغطي طلب الاستيراد، وقال إن توحيد سعر الصرف حوَّل البنوك التجارية من مؤسسات مصرفية إلى تجار ومضاربين في العملة بالسوق الموازي، ومنافستها بشراء وجمع عدد أكبر من العملات الأجنبية.
فساد سلع :
د. الزين قال إن السعر الحالي للدولار بالبنوك (570) جنيهاً أخرج مجموعات كبيرة من النشاط الاقتصادي نتيجة لعدم توافق القوة الشرائية مع السلع، وحذّر من فساد عدد كبير من السلع غير الإستراتيجية والضرورية بأرفف الأسواق؛ نسبةً لعدم توفر القوة الشرائية للحصول عليها في ظل ضعف مرتبات الموظفين التي تبدأ بـ (15) ألف جنيه، وأشار إلى أن استقرار سعر الصرف في الفترة المقبلة مشروط بصحة رواية الوديعة المليارية الخليجية، إضافةً لالتزام بنك السودان المركزي بتوفير احتياطي كبير من إنتاج الذهب لضمان استقرار سعر الصرف والمحافظة على ثبات العملة الوطنية.
وزارة المالية تُوضِّح:
الناطق الرسمي باسم وزارة المالية الاتحادية والتخطيط الاقتصادي، د.أحمد الشريف أوضح لـ(السُّوداني) أن أسباب تذبذب سعر الصرف من عُلو وهُبوط تعود للمضاربات، ومحاولة اكتناز وتبديل العملات المحلية بأجنبية للمحافظة على قيمتها، وقال الشريف إن استقرار سعر الصرف منذ أواخر مارس الماضي وحتى اليوم يعود إلى ضخ بنك السودان المركزي لكميات كبيرة من النقد الأجنبي بلغت (300) مليون دولار، الأمر الذي أحدث أثراً ملموساً وساعد في خلق استقرار الدولار الذي يخضع لعوامل العرض والطلب.

الحصول على وديعة

وأكّد الشريف حصول السودان على وديعة سعودية كبيرة، وسفر وزير المالية د .جبريل إبراهيم للترتيب لها مع وزير المالية السعودي، ولقائه وزير المالية السعودي، على هامش اجتماعات مؤسسات تمويل الصناديق العربية في جدة، متوقعاً حدوث استقرار وتراجع للدولار إلى ما كان عليه (450) جنيهاً خلال الأشهر المقبلة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.