صاحب غضبة مُضرية

على الورق…إبراهيم الصافي

شارك الخبر

– سألني: ماذا يدور في بلادنا الآن؟ وقبل أن أجيبه صاح بانفعال: بلدٌ تراجعت فيه قيم الداخل وتكسَّحت أمام قيم الخارج، بلدٌ يتقزَّم فيه الفقيه ويتعملق السياسي، ويرتفع (ثيرمومرتر) الفوضى وينحدر مؤشر النظام.
– قلت أراك مغرماً بالتعميم، وتأخذ الكثرة بجريرة القلَّة، وغضبتك هذه مقترنة بشيءٍ من المبالغة.
– قال موبِّخاً: ألا تلاحظ رواج موضاتٍ خاوية المضمون (قِشرة يعني)، وتقليدًا مظهريًّا قميئاً مستمدًا من إفرازات سالبة تجلَّت في أعنف موجة تحدٍ لمجتمع مسالم ومتكافل ومسامح وعفيف، وطفحت في ساحتنا سلوكيات شينة تعافها الفطرة، وتمجُّها حتى (سدوم).
– قلت: لم تتخذ هذه السلوكيات شكل الظاهرة بعد، وربما لا تزال خافية على الأعين، فعلام الانفعال؟
– تأوه، وخاطبني متهكِّماً: لم تعُد الأفعال الآثمة محميًّة بأسوار وحيطان، ولا مُستترة بالهمس أو قاصرة على التناجي؛ بل أخذت المجاهرة بالمعصية شكل العلن، مصحوبة بالتندُّر على المجتمع، والاستهزاء بالعبادات ودورها ومقارها، والمناداة بتحويلها إلى حانات وأندية للعراة، ونخشى أن يرتفع قريباً (نباح) أحدهم يطالب علناً بتحويل مقرات المحاكم إلى مراقص… شباب وشابات تطحنهم رحى كيانات سياسية ناشزة، ويلفحهم شواظ جنوحها، ويستهويهم استهزاؤها ولفظُها للثوابت والأصول.
– قاطعته: أنت تتجتى على شبابنا وكنداكاتنا لهيب الثورة…
– كان أسرع في المقاطعة والتعبير عن استهجانه وتأفُّفِه وهو يتابع بذات الحدَّة:
أولاد وبنات في زهوة الشباب ونضارته يجاهرون بنداءات تتجاوز أعمارهم الغضة، ويفصحون عن رغبات مستفِزَّة ومجنونة، ربما دون وعي أو إدراك لمخاطرها، ولا لهبَّة الاستنكار الغاضبة المصحوبة باللعنات والويل والثبور من الغيورين على دينهم ومجتمعهم.
– قلت رويدك يا رجل، واستهللت خُطبة لتسكين وجعه: إن أردنا الإنصاف ليس علينا الاستعجال في دمغ فتياتنا بأنهن (نسوة المدينة) ولا شبابنا بأنهم (رهط مدين)، حاشا أن يكونوا مجرد (أراجوزات) يتواصل تحريكها من وراء ستار، ولا هم (سقط متاع) متناثر من ركائب نشامى الثورة المفعمين بالحس الوطني.
– تأهَّب لمقاطعتي؛ لكني لم أمنحه الفرصة ليواصل نفخ لهب مفرداته نحو أبنائنا وبناتنا، فتابعت خِطبتي العصماء: شبابنا، (دُخرينا) لمستقبلنا يا صديقي، وإن كان لديهم ثمة جنوح، فهو نتاج حقيقي لغفلة الأسرة التي أهملت التفاعل معهم، وأسلمتهم لأجهزتهم الذكية حيث التجوال الحر في عوالم لا حدود لها ولا سدود، وفاقمت من ضياعهم هشاشة دولة أوكلتهم لنظام تعليم متذبذب ومتراجع، وجفَّفت منابع التوظيف أمامهم، وحرمتهم فرص التأهيل والتدريب والابتعاث بالجامعات والمراكز المتخصصة، وغيَّبت عنهم المشروعات الإنتاجية، وتركتهم بالتالي نهباً لمافيا الشارع وعبدة الثروات، وفريسة لأنياب (دراكولا) الإغواء والإفساد الإسفيري فكراً وسلوكاً.. ولذا فهم بريئون من إنفعالاتك.
– لم يُلجمه خطابي، فانقض عليَّ راغياً زابدًا: بلادنا تعيش حالة من الانتكاس والارتكاس، عودة ورِدَّة ظلامية، ألا تهتز ويتمعَّر وجهُك لما يحدُث: وطءٌ على المبادئ، تدنيس لمفهوم الحرية، امتهان لقيم العدل، تسفيه للقوانين، تعطيل لمسيرة الاقتصاد، تعفير لمفهوم التغيير، وذلك رغم الشعارات المُحلِّقة بجناحي (ابن فرناس)، والوعود (البالونية) التي يُطلقها حملة لواء الهويات الهجين، والولاءات المزدوجة.
– راودني الإحساس بأن الرجل بانفعاله هذا سيستدعي شطر بيت بشار: “إذا غضبنا غضبة مُضرية” فآثرت الصمت إيثاراً للسلامة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.