مليونيات حزبية لا خدمية

على الورق..إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

 

 

تتصف (المليونيات) الحالية بتكتيك سياسي ومناورات حزبية في المنافسة نحو كابينة القيادة، ولا علاقة لها بهموم المواطن وشجونه، فالحشود تتجه عادة إلى مقر القيادة والرئاسة، لا إلى وزارة الطاقة أو المالية او البنك المركزي حيث (تُطبخ) السياسات المالية في غياب مجلسيْ التشريع والوزراء، للاحتجاج على الأعباء التي أثقلت كاهل الشعب، وقصمت ظهره، وأقضت مضجعه، وأسلمته للهموم والبؤس والنكد، وأعجزه تتابعها عن التعبير الرافض القاطع لها جملة واحدة، وهي سياسيات تتسم عادة بالعشوائية، وربما المزاجية، لأن القرارات تبدو في هذا الشأن شخصية بحتة، ولا نعتقد أنها نتاج دراسة علمية، ولا ثمرة تخطيط دقيق يراعي متطلبات الإنتاج القومي الشامل في قطاعات الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية والخدمات، ولا تستحضر حاجات المواطن ومعاناته وبؤسه وأزماته، وإنما ترى فيه مشروعاً استثماريًّا ضخماً، أو مجرد (مضخَّة) للخزينة العامة عوضًا عمَّا تُعانيه البلاد من خمول وعجز فيما يتعلق بتنشيط الاستثمار الداخلي واستقطاب الخارجي بسب فوضى الشارع، والتهاب الفعل السياسي الحزبي الذي صرف المستثمر المحلي والأجنبي عن المجازفة بأموالهما في ظل تخبط السياسات الاقتصادية وتذبذبها، والمواطن هو الضحية دائماً، ولا عزاء له ولا مواساة من الأجسام الفاعلة والمتشاكسة في الشارع الآن.

وهل نسيَ الناس اندفاع كتل الجماهير إلى الشارع كالسيل الجارف في أوائل عهد نميري وحناجرها تضجُّ بهتاف مبتدع كابتداعات (غمط) العجيبة، حين هبَّت في مواجهته ومواجهة محافظ الخرطوم آنذاك: “اتنين عُقَّر.. غلُّو السكر”، عقب الإعلان عن رفع سعر رطل السكر من ٧ قروش إلى ١٢ قرشاً، وكذلك حين خرجت هادرة في يناير ١٩٨٢ فور الإعلان عن زيادة أخرى من 16 قرشا الى ٢٦ قرشاً، ثم تسببت الزيادة الكبيرة في سعره إلى خروج مظاهرات حاشدة أدت إلى الإطاحة به عام 1985.

كان الشارع حينها يقظاً، ويعرف كيف يدافع عن حقوقه، ويحمي نفسه من تخبط الحكومة، وسياساتها الاقتصادية القاصرة المنكمشة، والمعتمدة على الجباية فقط، كانت القيادة حينها مستنيرة، والمعارضة تتمتع بوعي سياسي عالٍ وأُفق متسع بعكس ما هو عليه الحال الآن من محاولات الاستقطاب والتجييش والتحالفات والتضاد في التفكير والرؤى، وفي البرامج والخطط المعلنة والمستترة حول من يحكم، اما المواطن فيكفيه أن (يُشمِّر) عن ساعده ليكون رافدًا أساسيًّا ووحيداً للخزينة العامة، وأن يربط الحجارة على بطنه لتخفيف جوعه بعد أن رفعت الدولة يدها عنه تمامًا.

يكفي يا جهابذة الحرية والتغيير ولجان المقاومة من (مليونيات التتريس) المتسلسلة، وإعاقة وتعطيل حياة المواطنين، أعينوهم بـ (مليونيات) تناوئ الزيادات المتتابعة في أسعار الوقود والكهرباء وغاز الطبخ والخبز والمواصلات والاتصالات.. افعلوا ذلك ليصفِّقوا لكم بحرارة، وليدعموكم ويؤازروكم ويسندونكم عن رضىً وقناعة تامة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.