الدواء وخدمة الموازنة للنوع البشري

على الورق…إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

 

تضمنت حيثيات جولة صحيفة (السوداني) على عدة صيدليات بالعاصمة: “حدوث ندرة وزيادة في اسعار العديد من الأدوية” ما يُبرهن حقًّا على: “عجز الدولة عن شراء الأدوية المستوردة وتوزيعها”. واستطلعت المحرِّرة في هذا الشأن رئيس جمعية حماية المستهلك د. ياسر ميرغني فأكد أن: “وضع الدواء بالبلاد كارثي بمعنى الكلمة ويحتاج لحلول عاجلة”. والواقع الدوائي المُزري الماثل الآن يتطابق تمامًا مع صفة  (كارثي) التي مجَّها فمُ الرجل حين لم يستسغ مرارتها.

تردِّي الوضع الدوائي والصحي والبيئي في بلادنا عمومًا لا يحتاج إلى أدلة وبراهين، إذ يكفينا (برهان) واحد، فمن يعتاد المساجد ستصم آذانه عقب كل صلاة ارتفاع أصوات أربعة أو خمسة مُصلَّين يجأرون بالشكوى تعبيرًا عن فداحة أسعار الدواء، وعجزهم الكامل عن شراء دواء مُعيَّن – إن وُجد – لأنفسهم أو لزوجاتهم أو أبنائهم، ويُبرزون وصفاتهم الدوائية (روشتاتهم) مصحوبة بتوسلات رقيقة وانكسار؛ ودموع وبكاء أحيانًا، فأي حال هذه التي أذلَّت المواطن وكسرته، ومرَّغت أنفه في التراب؟ أجيبونا يا دعاة القيم الثورية والتحرُّر من كل قيد؛ ربما – للأسف – حتى قيد الشرع!

يبدو أن (ديكتاتورية) الساسة والتنفيذيين وقوى الثورة في بلادنا تستنكف من منطلق إنساني محض ان يعطس المواطن في الزكيبة على نهج روبسبير سفاح الثورة الفرنسية، ذلك أن فصل الرأس بسكين المقصلة يُعارض مشاعرها الإنسانية الرقيقة؛ ولهذا آثرت أن تقتله بندرة الدواء وارتفاع ثمنه،

ونظرا لهامشية الدواء في تفكير وخطط الجهات المختصة، نراها في استعراضها

لموازنة العام الجديد تقول إنها: “توافق الرؤى الدولية لخدمة النوع البشري”، وتُشكِّل دعما: “لترابط السياسات الكلية وتطوير قضايا النوع والمواءمة، مع أهمية تطوير مفهوم النوع إلى المفهوم الحديث في مسألة المفاهيم وتقارب الأفكار في كل الأنشطة الإنسانية والمساعدات ورفع المستوى العام في مسألة المؤشرات، والمشاركة الواسعة لتحقيق الموازنات المناصرة للفقراء في المناطق بالريف”.

لم يُتح لنا خمولنا الذهني استيعاب هذه الفزلكة، بل بدت لنا نوعاً من الكوابيس أو الهرطقة، لم يصعد إلى إدراكنا أن موازنة العام الجديد توافق الرؤى الدولية لخدمة النوع البشري، ماذا يفهم الراعي في سهول ريرة أو المزارع في ريفي الروصيرص من هذه المصطلحات المالية الاقتصادية.

فيا فلاسفة المالية خاطبوا عقولنا وحاجاتنا وتطلعاتنا، ناقشوا في ندواتكم همومنا وأساسياتنا وما يؤرُّق مضاجعنا، ودعونا من (طوباوية) التفكير والتصورات، ماذا يُضيرنا توافقت الموازنة مع رؤى العالم أم لم تتوافق؟ نحن بحاجة إلى الدواء والغذاء والماء والكساء والكهرباء، أم أن المواطن ليس جديرًا حتى الآن بالتصنيف ضمن النوع البشري؟

 

 

 

 

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.