رحيل رجل الصحافة النظيفة

محمد أحمد مبروك 

شارك الخبر

 

 

رحل ميرغني حسن علي ويا له من رجل كبير قد رحل . رجل تصدق عليه صفة أستاذ  الأجيال وتصدق عليه صفة الرجل الصامد القوي .

هو نبراس ليت الصحفيين يقتدون به في الثبات على المبادئ وصدق التوجه الوطني والإخلاص والصدق والالتزام بأخلاق المهنة الرفيعة.

بدأ حياته السياسية شيوعيًا شديد الإخلاص، عالي الفعالية، شارك بجدية في كل مناشط حزبه.

وعندما انضم إلى نظام مايو مؤمنًا بتوجهاتها عمل بإخلاص، لكنه لم يناصب حزبه القديم العداء، ولم يطرح إدانة لماضيه، أو يتنكر له، فقد كان حاديه في العهدين حس وطني صادق، وحب حقيقي للسودان .

وكان صحفيًا محترفًا بمهنية عالية وأداء رفيع .. كان أستاذنا بحق . تعلمنا منه أن مهنة الصحافة مسؤولية وطنية لا تهاون فيها ولا تفريط ، وأنها عين الشعب ولسانه ..

تعلمنا منه أن القلم يجب أن يكون نظيفًا لا يلوثه الكذب أو التدليس أو التضليل أو المحاباة أو الرهبة من السلطة أو الرغبة فيما عندها ..

تعلمنا منه أن القلم غالٍ لا يمكن بيعه لا بالامتيازات ولا الحوافز، وأن قبول الهدية بيع للذمة.

تعلمنا منه أن المادة الصحفية ثمرة لزراعة طويلة  أولها العمق الثقافي، وثانيها الجدية والدقة والسعة في جمع المعلومات، وثالثها جودة الصياغة وسلامة اللغة، ورابعها إعداد المادة في القالب المهني الصحيح وفق قواعد كل نوع من أنواع المادة، وخامسها المثابرة والمتابعة للقضايا حتى الوصول للنتائج المرجوة.

كان ميرغني رجلًا قويًا بمعنى الكلمة، تغلب على الإعاقة بفقدان يده اليمنى منذ بواكير شبابه، لكنه كان يعمل وكأن له عشرة أيادي .. وتغلب على السكري والضغط فكان أكثر الصحفيين عطاء في مجال التحقيقات، وهي أصعب المواد، وتتطلب حركة وجهدًا كبيرًا . ونجح في ترسيخ مدرسة التحقيق الشامل الذي يغطي كل جوانب الموضوع، ويغوص في خفاياه ليجيب على كل أسئلة القارئ . لذلك كانت تحقيقات ميرغني حسن علي لا يرد عليها، ولا يستدرك عليها أو يكذبها المسؤولون .

كان ميرغني لطيف المعشر ودودًا، مهذب اللفظ رفيع الخطاب، فكانت له مهابة ومكانة عند الجميع  قوامها الحب والاحترام .

عاش نظيفًا وفقيرًا مستور الحال، لم يتسول لدى المسؤولين، أو يتذلل طمعًا فيما عندهم، ولم يتشوف للمناصب، فقد كان مؤمنًا بأن حجم الصحفي لا يحدده اسم وظيفته، لذلك لم يشغل وظائف سكرتير التحرير أو مدير أو رئيس التحرير،إنما كان أعلى مناصبه رئيس قسم التحقيقات. وكان بعطائه أكبر من رؤسائه، فقد كان من أفضل منتجي المادة في الخبر والتحقيق ومواد المنوعات.

كان مثل الأطباء من كبار الإخصائيين والجراحين وكبار المهندسين، يعملون العمل المهني الرفيع وتعلو مكانتهم بعظمة الإنجاز لا بأسماء المناصب .

نسأل الله له الرحمة والمغفرة والرضوان وأن يتقبل كريم خلقه وإخلاصه وصدقه وما قدمه لوطنه من جليل الأعمال وأن يدخله أعلى الجنان ويجعل البركة في عقبه.

 

 

 

 

 

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.