داهن تربح.. أصدق تخسر

على الورق…إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

هاملت لصديقه هوراشيو: هل يفكر أحد في تملق شخص فقير؟ كلا بالطبع، لذا لندع المداهنة لأولئك الذين يُقبِّلون أيادي من يدفعون بسخاء.

اطَّلعتُ على انتقادات حادة وجهتها مواقع إسفيرية عديدة حول الهدية القيمة التي جاءت إلى أحد الوزراء تتهادى على أربع (أفانتي منفوخة) حيية كما عروس ليلة زفِّها لا تكاد تسمع وشوشة ماكينتها، وهممتُ بالمداخلة والتفاعل مع ما خطته يدا الصحفية صاحبة عمود (كلام صريح) بصحيفة (السوداني) بعنوان (وزير التربية وبدع الخدمة المدنية)، والاكتفاء بذلك؛ لكن جرى القلم عفويًّاً ليصنع مقالاً عامّاً حال بيني وبين المداخلة حوى سؤالاً ساخراً: من يرفض عرضاً كهذا في بلاد الغرائب، وتحت قيادة صامتة متغافلة عن أمراض نفسية وقع في براثنها بعض المسؤولين؟ لو كان المُداهن في دولة المدينة لارتعدت فرائصه خشية عتاب مُغلَّظ: “أَفلا قَعَدْتَ في بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَتَنْظُرَ أَيُهْدى إلَيْكَ أَمْ لا؟”

علينا ألاَّ نستنكف سلوك المداهنين، لنعذرهم؛ لأنهم بحاجة إلى من (يلعق أحذيتهم) ويغمرهم بالهدايا، وإلى من ينفخ البالون ويُثير في دواخلهم العُجب بالنفس والزهو والتيه، ويُشعُرهم بعظمة إنجازاتهم وإن توازت في قيمتها مع قيمة (الجنيه السوداني)؛ لاسيما في هذه السنوات والعقود العجفاء الكالحة التي عزَّ فيها الإخلاص وراج النفاق وازدهرت الرِّشا والمحسوبية، سنوات أحالت حياتنا إلى (نجَّاضة) كما وصفها صاحب عمود (استفهامات) ساخراً.

تقول قواميس اللغة، وقولها فصل: داهن فلان فلاناً: أي خدَعه وغَشّه، صانعه وأظهر له خلاف ما يضمر، تملّقه، نافقه ”داهَن رئيسَه في العمل- داهن موظَّفاً حتى يقضي له مصلحتَه”، دَاهَنَهُ لِمكَانَتِهِ: لاطَفَهُ، لاَيَنَهُ، وصانعه مصانعة: أي صنع له شيئاً ليصنع له مقابله، وداهنه فهو مُداهن.

ومُداهن صفة ظريفة جالبة لمنفعة غير مستحقة، ولظرافتها وأهميتها لمن يتَّصف بها؛ اكتسبت مترادفات عديدة هي: مُنافق، خَدّاع، خَرّاص، داهِيَة، غَشّاش، كذَاب، ماكِر، مَذّاق، مُحْتال، مُخَاتِل، مُخَادِع، مُرَائي، مُتزلِّف، مُصانِع، مُرَاوِغ.

وقد يقول أحدكم إنها صفة قميئة وليست ظريفة، فكيف يجني المداهن أو المنافق ثمرات نفاقه؟ الإجابة بسيطة: أولاً يضمن المُداهن مثلاً القربى الشديدة من رئيس الدولة، ويكسب ثقته حتى يصبح موضع أسراره كما سبق أن فعلها أحدهم ثم هرب وهجر وطنه، ثانياً يتربَّح الموظف المنافق من الوزير أو الرئيس المباشر بتعجيل الترقيات، والإدخال في نظام الامتيازات والحوافز والبدلات، والرفقة في السفريات الداخلية والخارجية، فضلاً عن أن وساطته لأي شأن مقبولة ونافذة، ثالثاً إبطاء أو تعطيل أو إلغاء العقوبات، والإنذارات، ومجالس التأديب وغيرها.

وبالطبع فإن من تلتصق به صفة المُداهنة تهرب عنه أضدادها، فأنَّى له الاتصاف بالأمانة والبِر والصدق والاستقامة والوفاء والإخلاص والنزاهة؟

في بُلدان خراب النفس وموت الضمائر لا ضير من إطلاق هذا النُّصح الخادع: نافق تكسب، أصدق تخسر.

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.