قيادات الوطني.. تفاصيل ظهور لافت

كتب: عبد الباسط إدريس

بطريقة مدهشة بدأت قيادات حزب المؤتمر الوطني “المحلول” العودة إلى المشهد السياسي متصدرة واجهة الأحداث طيلة الأيام الماضية.. فظهر ايلا في الشرق في إطار الاحتماء بالقبلية.. فالحزب الذي تنتمى إليه تلك القيادات تم حله بقرار مسبق من المكون العسكري.. إلا ان العديد من قيادات الوطني اكدوا لـ(السوداني) على ان العودة مدروسة، وتأتي عقب مراجعات كبيرة أجراها الإسلاميون على تجربة حكمهم التي امتدت لثلاثين عاماً.

عودة إيلا

مثلت عودة محمد طاهر إيلا كآخر رئيس وزراء لحقبة البشير قبل الإطاحة بالنظام، عنواناً بارزاً لعودة الروح للحزب وقواعده، ورغم تباين الآراء حول حقيقة ما وراء عودة إيلا، إلا أن الرجل قفز من بين كل الاحتمالات، حينما ظهر بخطاب يحمل مطالب “انكفائية” فقد تحدث الرجل لأول مرة للعلن عن حق إقليم شرق السودان في تقاسم السلطة والثروة والتنمية وألمح من طرف لأهمية أن تتمتع الأقاليم بحكم “ذاتي” واسع الصلاحيات، يحقق لها ما تريد، وقد قال، في بيان أمس، إنه سيطالب بحقوق أهل الشرق دون التغول على حقوق الآخرين، كما لوحظ أن إيلا لم يستقبل من قبل أي من القيادات البارزة من الحزب أو الحركة الإسلامية، ولم يقم هو بذكر أي أحد، وضن حتى بتمنيات إطلاق سراح المسجونين بكوبر، وبالمقابل لم تصدر الحركة أو الحزب المحلول أي بيان ترحيبي بعودته.

ظهور وضغوط

ظهور إبراهيم محمود، ربما يكشف عن وجه آخر للأزمة التي تعيشها قيادات الوطني، لقد ظهر إبراهيم محمود فى لقاء قناة “طيبة الفضائية”، وكأنه يريد أن يرسل رسائل محددة، فالرجل يدرك عمق الأزمة والعقبات التي تقف في طريق إمكانية استئناف الوطني لنشاطه السياسي، من عدة نواحٍ أهمها أن الحزب يواجه أزمة حقيقية مع الشارع السوداني المستنير، وأزمة أخرى مع المؤسسة العسكرية التي بادرت بحظر نشاط الحزب بصورة توحي بتصنيفه من قبلها كحزب مهدد للأمن القومي، حيث صادر الجيش جميع أرصدة وممتلكات الحزب، وما تزال قوات الدعم السريع تحتل دوره ومقاره في جميع أنحاء البلاد، بجانب محنة أخرى يواجهها الحزب وهو اتفاق جميع القوى السياسية حتى التي تقاسمت معه مقاعد السلطة إبان فترة حكم الإنقاذ على “عزله” أمام الأزمة الأخيرة، فهذا ما يواجهه الحزب من رفض إقليمي ودولي على استعادة نشاطه .

كل هذه العوامل مجتمعة شكلت ضغوطاً أخرجت إبراهيم محمود عن صمته، عبر ظهور متفق عليه ــ بحسب البعض.

الانقسام المكتوم

تحاول العديد من قيادات الوطني التأكيد على أن هذه العودة مدروسة، وتأتي عقب مراجعات كبيرة أجراها الإسلاميون على تجربة حكمهم التي امتدت لثلاثين عاماً.

وهو ما كشف عنه القيادي بالحزب، د. الدرديري محمد أحمد، في وقت سابق لـ(السوداني)، مؤكداً أن الحركة الإسلامية قد أكملت مراجعاتها، وهو ما عبر عنه بصورة أدق مؤخراً الأمين العام للحركة، علي أحمد كرتي بأنهم قد تجاوزوا الأزمة .

وقد يبدو هذا الزعم مجافياً للحقيقة، فما حدث ــ بحسب المراقبين ــ لا يمكن اعتباره مراجعات؛ لأن الذين قاموا بها هم أنفسهم الذين كانوا على خط الأزمة طوال سنوات حكم الإنقاذ، وأن عملية تقييم تجربة بهذه السنوات يتم بآليات وأطر متعارف عليها وبإشراك أكبر قاعدة ممكنة من العضوية، وهو، باعتقاد المراقبين ذاتهم، ما لم يحدث.

الأمر الثاني يعتبر البعض أن ما يبدر من قيادات الوطني في هذا الصدد، ما هو إلا تغطية لحالة من الانقسام المكتوم، والأزمة العميقة بين قيادات الصف الأول في الحزب والحركة، وهو ما حاول علي كرتي الإجابة عليه، في أول وآخر حوار له عقب 11 أبريل بأنهم ” لن يعيدوا تجربة الإنقاذ مجدداً”، وأن قيادات وأعضاء المؤتمر الوطني أحرار في تحديد مستقبل الحزب .

هذا القول الصريح قد يكشف بوضوح أن الحركة قد تجاوزت عملياً المؤتمر الوطني وتجربته، وأن عودته للفعل السياسي تحت مظلتها لم يعد وارداً .

فالمراجعات ــ بحسب كثير من المراقبين ــ محض مخدر تالف، ويجئ ضمن عملية تغطية الصراعات الداخلية والانقسامات المكتومة .

رفض سياسي

في الوقت الذي وقف فيه المكون العسكري على الحياد من أمر عودة قيادات النظام السابق للمشهد ومخاطباتهم السياسية والإعلامية في العلن، انبرى غرماء الحزب المحلول في قوى الحرية والتغيير للتصدي له، فقد اعتبرت الحركة الشعبية ــ التيار الثوري الديمقراطي، بقيادة ياسر عرمان، عودة إيلا بأنها تمثل عودة المؤتمر الوطني كحزب حاكم، وهو ما يستدعي حضور قوى الثورة، أما القيادي بحركة العدل والمساواة المنضوية تحت جماعة الميثاق، التي تعتبر الجناح الآخر للحرية والتغيير، أحمد تقد لسان، فقد أعلن ــ في مقابلة مع (سودانية 24) ــ عن رفضهم لعودة رموز النظام السابق للواجهة السياسية، ولم يستبعد لسان أن تكون هذه العودة بموافقة العسكريين، وقال: “لابد أن هنالك من ينسق معهم”، بينما قال وجدي صالح إن هذه العودة الهدف منها هزيمة الثوار نفسياً. أما الأمين العام لمجموعة التوافق الوطني، مبارك أردول، فقد نحى بعيداً عن ذلك حيث دعا لمصالحة وطنية تاريخية تشمل الجميع بمن فيهم عناصر النظام السابق.

أسباب العودة

يقول المحلل السياسي، د. الفاتح الحسن المهدي، لـ(السوداني)، إن عودة قيادات الوطني فرضتها ظروف الواقع المتردي الذي يكاد يذهب بالوطن إلى التشرذم والتشظي، حيث شاهد الناس هجرات لملايين الأسر إلي الخارج هروباً من هذا الجحيم، وهربت قدرات وكفاءات كبيرة ومستثمرون ورؤوس أموال عندما أصبحت الدولة بلا قانون، ولا مؤسسات، ولا رصيد للتجارب.

ويمضي الفاتح إلى أن هذه العودة تجيء في ظل دولةً يتحكم فيها سفراء دول لم تشهد دولهم انتخابات في تاريخها، أو دول استعمارية تريد فرض وصايتها من جديد على السودان، مؤكداً أن عودة قيادات الحزب للساحة تحمل دلالات الرصيد الحقيقي للوطني وقياداته خاصة من الذين يخشونه ويخشون منازلته في الانتخابات.

ويرى الفاتح أنه لكل هذه الأسباب فعودة القيادات طبيعية للحياة السياسية، فلا يمكن لأي قانون أي يحرم أي شخص من ممارسة حقه الطبيعي في المواطنة أو المشاركة، تحت أي مسمى.

ويعتقد الفاتح أن عودة قيادات الموتمر الوطني واستقبالهم بكل هذا الحضور والزخم، تؤكد أن الوطني جذوره عميقة وتجربته تتحدث عنه، ومكنت من قياس الأشياء بأضدادها، وأثبتت وعياً كبيراً للسودانيين، بعد أن أذاقتهم تجربة (قحت) سوء العذاب وألهبت ظهورهم بالسياط اللاهبة، وسوء الإدارة، وعلو الشعارات على الواقع، فالشعب لا يأكل شعارات ولا أناشيد ــ بحسب قوله.

سيناريو الصفقة

يذهب البعض لتصور عودة قيادات الؤتمر الوطني للمشهد السياسي بأنها تأتي في إطار صفقة كاملة لإعادة ترتيب المشهد السوداني، لكن الكاتب والمحلل السياسي، محمد الماحي الأنصاري، يقول، لـ(السوداني)، إنه لا توجد صفقة بين الإسلاميين، وأن ظهور أو عودة بعض قيادات المؤتمر الوطني تجيء بعد أن أصبحوا أفراداً، كل واحد منهم يأتي للداخل عبر عنوان مختلف، ويخشى أن يوصم بأنه جزء من المنظومة التي يتبناها كرتي.

يعتبر الأنصاري هذه العودة لا تعبر إطلاقاً عن أن تجربة الإسلاميين في الحكم ما تزال في قلوب الناس كما يحاول أن يروج الإسلاميون لذلك، من خلال عودة وظهور قياداتهم.

ويرى أن هذه العودة سيكون مرحباً بها، ولا غبار عليها طالما أنهم يأتون كأفراد، ولا يؤثرون على التركيبة التي صممها المكون العسكري القائمة على إقصاء المنظومة وقبول الفرد.

ويمضى الأنصاري قائلاً: “إن ظهور هذه القيادات بعيد كل البعد عن مشروع كرتي، لأن الحركة الإسلامية أصلاً لا وجود كبير لها في السودان، وإنما قام الراحل د. حسن الترابي بإقامة تحالفات دينية واجتماعية كبيرة، وهو ما يفتقده الموجودون الآن بعده من عدم القدرة على خلق تحالفات كتلك التي صنعها الترابي للحركة.. سيعودون أفراداً، أما المشروع فسيظل محض أشواق، يعبر عنها أمين عمر على حوائطه والدرديري محمد أحمد في مقالاته.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.