ليحكمنا الأيتام والقادمون من سوق الليمون

على الورق
إبراهيم الصافي

جُل الطالبات والطلاب المتفوقين وجهتهم كليات الطب، فأمنية محمد موسى، وريماز بشير، وحسين عبد الرحيم، والجندي محمد إبراهيم ـ على سبيل المثال ـ المتفوقون في شهادة هذا العام 2021/2022 يرون أن مهنة الطب يكمن في رحابها الخلاص من واقع بئيس لم يتغيَّر حجمه ولا طعمه ولا تأثيره خلال كل عهود الحُكم التي مرَّت على البلاد مدنية وعسكرية، شظف عيش يرزح تحت وطأته أكثر من 90% من السودانيين سيما في الأرياف أو القادمين منها إلى العاصمة.
ريماز يتيمة الأبوين، اعتمدت على فانوس بالطاقة الشمسية لتحقق نجاحها وتفوقها، وحسين بائع الليمون شمَّر عن ساعده وكفل إخوته التسع بعد وفاة والده، لكنه تفوق رغم العبء الضخم الذي وقع على عاتقه، والجندي محمد لم تمنعه واجباته العسكرية من التفوق.. أليس ثلاثتهم جديرين بالجلوس على مقاعد مكاتب القصر الفخيمة؟
هؤلاء العباقرة الفقراء واليتامى هم الذين يتحتَّم على الحكومة ـ إن كان ثمة حكومة لدينا ـ رعايتهم وتوجيههم إلى دراسة العلوم الإدارية والعلوم السياسية وإدارة الأعمال والتقنية بدلاً من حصر الرغبة على الطب تحديداً أو الهندسة، وتدريبهم على فنون الحُكم وإكسابهم المهارات المتعلقة بإدارة الدولة، وإعدادهم لدخول القصر ومبنى رئاسة الوزراء من أوسع أبوابهما، فهم جديرون بالقيادة، وقادرون على إخراج البلاد من أزماتها، وعلى الانتقال بها إلى مصاف الدول المتحضرة، يجب تغيير مفاهيم طلابنا نحو التخصص، وتوسيع مداركهم بحاجة الوطن لا متطلبات الأسرة.. لقد جرَّبنا أهل القانون وأنصاف المتعلمين في منصات الحكم؛ لكن ظل السودان (محلَّك سر).
رعاية ميول طالباتنا وطلابنا وهواياتهم ورغباتهم وتطويرها تشكل طريقهم إلى التفوق والإبداع، في المجال الذي يناسبهم ويجدون فيه أنفسهم، وتُستثار فيه عقولهم وتنتعش، لتترك الأسر أبناءها يُحدِّدون مسار حياتهم برؤاهم وأمنياتهم دون أي ضغط لاستنساخهم. إذ الملاحظ أن مستقبل الأبناء في بلادنا رهين بمتطلبات الأسرة وتطلعاتها إلى الأمان المعيشي، لأنها محكومة أصلاً بواقع مُكبَّل وَمحنّط ضمن دائرة تأمين لقمة العيش لدى الطبقتين الوسطى والدنيا، أو سعياً إلى مزيد من حياة الرفاهية والأبُّهة والسرف لدى الطبقات المخملية كما تكشف عنه مناسباتهم الاجتماعية، قليل من الأسر المستنيرة تتيح لأبنائها حرية اختيار تخصصاتهم ورسم مستقبلهم، وترفع درجة اهتمامها برغباتهم وميولهم، وتهيئ لهم البيئة والمناخ الذي يُمكِّنهم من تنمية قدراتهم وصقل مهاراتهم مع مساعدتهم بما يرون ضرورته من ملاحظات وتوجيه.
من لطائف د أحمد الطيب إبراهيم ـ استشاري جراحة الكلى والمسالك قوله في إحدى مقالاته: “ده زمن الإبداع ما زمن التخطيط للأولاد، واختيار مستقبلهم حسب تطلعات الوالدين، أو حسب التحصيل الأكاديمي، يعني المية الأوائل ما لازم يقدموا طب وهندسة، لو عندك ولد بلعب كورة كويس ومجنون رياضة ادعم هوايته وقول ليهو الجامعة ملحوقة، ولو بنتك جِنَّها مفكَّات وجابت 100% خليها تمشي ميكانيكا، ولو عندك طالب رسوب، فهذا لا يعني أنه فاشل بقدر ما يعني أنك ختيتو في الطريق الغلط”.
إذن، لنتوقف عن التدخل في صناعة مستقبل أبنائنا وبنانتا ونترك لعقولهم وميولهم تقودهم إلى إبداع ينتفع به وطنهم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.