الأزمة الاقتصادية.. السودان يسقط في الفخ (٢)

الخرطوم: ابتهاج متوكل

الخبير الإستراتيجي الحسن: تجربة النظام السابق أفرزت “مجموعات وشبكات مصالح” ما تزال متحكمة وصارت أقوى من الدولة .

خبير إستراتيجي: مقاومة التغيير الاقتصادي تعد الأخطر وليس لها قيم وطنية أو سقف أخلاقي، وهدفها تعظيم مكاسابها وإحداث تحالفات واختراقات سياسية وأمنية.

كركساوي: ارتفاع الأسعار” بشكل جنوني”، هو أبرز آثار التحرير الاقتصادي

الحكومة الانتقالية ركزت على العمل الخارجي، وأغفلت مجموعات وشبكات المصالح، ولم تستطع إرساء أسس الحوكمة والشفافية في الدولة .

الفترة الانتقالية ورثت “سوء” إدارة الموارد الاقتصادية

المرحلة الانتقالية تحتاج أن تتولى مسؤوليتها قيادة وطنية ذات إرادة وقيم أخلاقية، لا تنظر لمصالحها.

حل الأزمة السودانية، هو الحل الوطني المتكامل المسنود بسياسات قوية داعمة للشباب.

 

خبراء ومختصون، حملوا الساسة مسؤولية الأزمة الاقتصادية بالبلاد، وأن المسؤولين لم يتفرغوا لحل المشكلة الاقتصادية، ونشط الصراع السياسي والتكالب على السلطة والانقسامات بين اأطراف المرحلة الانتقالية المختلفة، موضحين أن تجربة النظام السابق، أفرزت “مجموعات وشبكات مصالح” ما تزال متحكمة ، وصارت أقوى من الدولة، في ظل ضعف مؤسسي لإدارة الاقتصاد، وصار حال الدولة “مرتع للسماسرة”، وتلاشت هيبة الدولة والقانون، مشيرين إلى أن حل الأزمة هو وطني يحتاج لقيادة ذات إرادة وقيم أخلاقية، ومعالجة مسنودة بسياسات قوية داعمة للشباب.

ماذا حدث؟

الجزء الثاني من التحقيق تناول رؤية التقييم والمقارنة لتوقعات البرنامج الاقتصادي الذي تبنته حكومة حمدوك تحت مراقبة صندوق النقد منذ أواخر العام ٢٠١٩ مع أول موازنة لها وما بعدها، بالنظر لمؤشرات الاقتصاد الكلي، كذلك الوقوف على استخدام السودان (كخنزير غيني) لتجربة سياسات وإجراءات، إضافة إلى المعالجات لتجاوز الأزمة وأسباب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياس بالبلاد.

ما قبل السقوط

تسع تحديات كانت تواجه موازنة ٢٠١٩م، وبرزت في تعزيز السيادة الوطنية، وبسط الأمن والعدل، وتحقيق السلام واستدامته، وتعزيز الحرية والشورى وتحقيق الوحدة الوطنية، والمشاركة الفاعلة في بناء الوطن.

اقتلاع مسببات النزاع والصراع المسلح، وإقامة علاقات خارجية متوازنة، تستخدم مصالح المواطنة العليا، في ظل تعقيد أوضاع المنطقة، التحسب للأزمات الاقتصادية الإقليمية والدولية، المتمثلة في الحرب التجارية بين الدول، وعدم الاستقرار الإقليمي وانعكاساته المحتملة، إعداد الإستراتيجيات القومية، وفق الميزة النسبية للاقتصاد، وبناء القدرات في مجال موازنة البرامج والأداء، حيث تحتاج لعمالة ماهرة ومدربة على مستوى عالٍ.

استعادة علاقة التمويل مع مؤسسات التمويل العربية والإسلامية، واستعادة ثقة مؤسسات التمويل الدولية وأسواق الصادرات، وصياغة إستراتيجية إدارة أزمة الدين الخارجي، بالعمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبالتالي رفع الحظر عن الحسابات والأرصدة الخارجية المجمدة، وإعفاء الديون الخارجية، وأيضاً إكمال تطبيقات تقنية المعلومات، في إدارة موارد الدولة وربطها بطريقة توفر التكامل المطلوب، وتحقيق الشفافية والفاعلية في إدارة الموارد، ورفع القدرات في الخدمة المدنية، والتنسيق بين أجهزة الدولة اتحادياً، ولائياً، محلياً لخدمة الأهداف الإستراتيجية القومية.

وضع غير متوقع

وجاءت تحديات ٢٠٢٠م، في السيطرة للحد من انتشار جائحة كورونا ، واتخاذ التدابير اللازمة لتلافي آثارها السالبة المباشرة وغير المباشرة، وتحقيق النمو المقترح في الموازنة بنحو ٣%، وتحقيق الإيرادات العامة التي قدرت بناء على ذلك، ثم الصرف على قطاعي الصحة والحماية الاجتماعية، بالتزامن مع تدهور الإيرادات العامة، وانكماش الناتج المحلي الإجمالي.

بناء على تقييم الأداء الاقتصادي، ثم تعديل السياسات الاقتصادية لتناسب الظروف العالمية والمالية التي خلقتها جائحة كورونا، وأيضاً استيعاب الإصلاحات التي قدمتها الوزارة في هذا الخصوص، بالإضافة لمواصلة الأهداف المعلنة في موازنة ٢٠٢٠م.

وهدفت التعديلات في الموازنة المجازة ٢٠٢٠م، لتحقيق الاستجابة لجائحة كورونا، باعتماد المزيد من الموارد لقطاع الصحة، وإعادة تقدير الإيرادات نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي، جراء الحظر والإغلاق العام.

وأثرت الإجراءات الاحترازية لكورونا والحظر، بعدم تحقيق أهداف موازنة ٢٠٢٠م، في تنفيذ متطلباتها، وفرض وضع غير متوقع.

تراكم التحديات

أهم التحديات التي واجهت تنفيذ موازنة عام ٢٠٢١م، جاءت في تحديات مالية عامة جاءت في ضعف مساهمة الإيرادات الضريبية في الناتج المحلي الإجمالي؛ نتيجة لتعدد الإعفاءات، الرسوم الإدارية لا تبنى على التكلفة الحقيقية لتقديم الخدمات، والخلل الإداري والتشغيلي للهيئات العامة والشركات الحكومية وضعف مساهمتها في الإيرادات القومية، وزيادة التحويلات للولايات نتيجة لعدم تطوير إيرادتها الذاتية وضعف التحصيل.

التوسع في أجهزة الدولة وأثره في زيادة الصرف الجاري، كذلك الزيادة في حجم دعم السلع خاصة، القمح، الدواء، الكهرباء، والمواد البترولية وتراكم استحقاقات تكلفة القروض الخارجية وأرباح شهامة والضمانات.

الاستثناءات الممنوحة لبعض الوحدات بالصرف من ايراداتها الذاتية.

القوانين الخاصة لبعض الوحدات التي تسمح لها، بتعديل الأجور والمرتبات والامتيازات بعد إجازة الموازنة العامة، أما تحديات القطاع النقدي فشملت ارتفاع معدلات التضخم، وعدم استقرار سعر الصرف وتأثير ذلك على ارتفاع تكاليف الإنتاج، وبالتالي يمتد الأثر إلى مجمل الأداء الاقتصادي، وأيضاً محدودية وعدم فعالية أدوات إدارة السيولة الكلية، والتوسع النقدي الناتج عن سداد الضمانات والتعهدات الأخرى بالنقد الأجنبي، ضعف رؤى اموال المصارف التجارية، وتوسع مساهمات البنك المركزي في رؤوس أموال المصارف الحكومية المتخصصة والتجارية.

وفيما نجد أن تحديات القطاع الخارجي، تمثلت في توفير موارد النقد الأجنبي لمقابلة الاحتياجات الضرورية، تحويلات السودانيين العاملين بالخارج، التي تأثرت بمحدودية شبكات المراسلة في دول المهجر، وبطء اندماج المصارف المحلية في منظومة الدفع العالمية والإقليمية.

الاستثمار الأجنبي المباشر حيث يعتبر غياب المعلومات والبيانات عن الاستثمار الأجنبي واحداً من أهم تحديات هذا القطاع، التي تعتمد عليها كل الدراسات والسياسات التصحيحية والتطويرية.

التدهور والعبور الآمن

وقفت (السوداني ) على رؤية الحكومة الانتقالية، التي اعدتها خلال عامين وثمانية أشهر من التخطيط الاقتصادي، من سبتمبر ٢٠١٩م حتى يونيو ٢٠٢٢م، وسمي مشروع البرنامج الإسعافي والسياسات البديلة لقوى إعلان الحرية والتغيير في أكتوبر ٢٠١٩م اشتمل على الأهداف العامة على رأسها برنامج السياسات، وجاءت محاورها الخمسة بحسب ترتيبها، وقف الحرب ووضع أسس السلام الدائم، وضع أسس لتحول ديمقراطي تنموي مستدام، التصدي للاحتياجات الاجتماعية الأساسية (الغذاء، التعليم، الصحة..الخ)، تعزيز أوضاع النساء السودانيات وحقوقهن المتساوية، وإزالة الفقر من خلال سياسات علمية منحازة للجماهير وتشمل محاربة البطالة، خاصة وسط الشباب، وإقامة علاقات دولية متوازنة، خاصة مع دول الجوار، وعلى المستوى الإقليمي والعالمي. أما البرنامج الإسعافي هو برنامج مكثف للعام الأول، من الفترة الانتقالية، يهدف لإيقاف التدهور والعبور الآمن، من مرحلة حكم الإسلام السياسي الشمولي، إلى مرحلة انتقالية ديمقراطية مستقرة، في اطار إعلان الحرية والتغيير..

نقطة ضعف

متابعة التحديات الاقتصادية خلال الفترة من ٢٠١٩م ، جاءت عبارة عن” ورثة”، وأن الفترة الانتقالية ورثت ” سوء” إدارة الموارد الاقتصادية، وأن الأمر مضى في تزايد مستمر بخطوات سريعة، خلال فترة جائحة كورونا وصولاً لعام إجراءات ٢٥ أكتوير، معظم الخبراء أكدوا أن التحدي الذي واجه الحكومة الانتقالية برز في إدارة الملف الاقتصادي، في ظل وجود تجربة دولة سابقة، أفرزت ظهور مجموعات وشبكات مصالح، صارت أقوى من الدولة، مع ضعف مؤسسي لإدارة الاقتصاد، كما واجه المواطنون “ارتفاع الأسعار بشكل جنوني”، وكذلك قفزت نسبة التضخم من رقمين إلى ثلاثة أرقام، ولم تنفذ معظم الأهداف والسياسات التي وضعت وأعلنت، مع سياسة التحرير ومشكلة ضعف الإيردات.

برنامج اسعافي

وشهدت تلك الفترة طرح البرنامج الاقتصادي الإسعافي الذي وضعته اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، كموجهات لميزانيتي ٢٠٢٠ و٢٠٢١م ولم يعمل بها، وكانت تعتمد على مؤشرات حشد الموارد الذاتية للاقتصاد، ثم ولاية وزارة المالية على المال العام، وذلك بمنع وتجريم تجنيب الأموال، وأيضاً استقلالية البنك المركزي، والسيطرة على حجم الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، سعر الصرف والبند الخارجي، وتحجيم أو منع الحكومة من الاستدانة من النظام المصرفي، والسيطرة على حصائل الصادر وقيام شركات المساهمة العامة وأخرى للصادر، والسيطرة على الخدمات الأساسية، ثم منع التهريب وبخاصة الذهب ومحاربة الفساد، وتحفيز وتنشيط الأجهزة الرقابية، مع بناء احتياطات من الذهب والعملات الأجنبية فى البنك المركزي، خفض التضخم لرقم واحد والمستوى العام للأسعار ومنع الوسطاء، وقيام الجمعيات التعاونية، وخفض بنود الصرف التشغيلية للدولة، كذلك تنشيط أو زيادة الصرف على بنود الخدمات الصحية والتعليمية والتنمية، لكن نجد لا حكومة الثورة، ولا الحكومة الحالية اتبعت برنامج اللجنة الاقتصادية، الذي تطابقت موجهاته مع مخرجات المؤتمر الاقتصادي الأول المنعقد في سبتمبر ٢٠٢٠م.

قبل وبعد ٢٥ أكتوبر

واعتبر عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، محمد نور كركساوي، أن السياسة الاقتصادية الحالية هي امتداد للسياسة في العهد الذي سبقه مع اختلاف الظروف السياسية والعلاقات الدولية، فالعهد السابق، وأعني به الفترة الانتقالية ما قبل أحداث ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، وكانت السياسات الاقتصادية ترتكز على سياسة التحرير الكاملة، وهى ما تعرف بسياسة ” النيولبرالزم”، وتعتمد في تمويلها الخارجي على سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بشروطه المعروفة، وهي تحرير الاقتصاد، وتوحيد سعر الصرف للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، بما في ذلك سعر الدولار الجمركي، وإيقاف الدعم السلعي واستبداله بالدعم المباشر، مثل برنامج ثمرات، وهذا ما قفز بسعر الجنيه السوداني من (٥٥) جنيهاً لكل دولار إلى (٣٧٥) ثم إلى (٥٧٠) جنيهاً حالياً، وكذلك الدولار الجمركي من (١٨) إلى (٢٨) وحالياً (٥٧٠) جنيهاً .

واقع سلبي

وقال كركساوي لـ(السوداني) إن الآثار السلبية المهمة التي خلفتها هذه السياسة هي “ارتفاع الأسعار بشكل جنوني”، بمقدار أكثر من عشرة أضعاف عن ما كانت عليه في السابق (١٠) مرات، وكذلك قفزت نسبة التضخم من رقمين (٦٩%) إلى ثلاثة أرقام (٢٦٥%)، مؤكداً أن هذه السياسة كانت وما تزال لها آثار سالبة على المجتمع والمواطنين، بحيث ذابت الطبقة الوسطى (طبقة الموظفين)، وارتفعت نسبة الفقر بالسودان لأكثر من (٧٠%) بحسب منظمة الأغذية العالمية، وهذا تزامن مع زيادة نسبة البطالة التى وصلت إلى أكثر من (٤٠%) وسط الشباب من الخريجين، ومضى قائلاً: “للأسف الشديد” السياسة الحالية وأعني بها موازنة ٢٠٢٢م، وضعت بنفس منهجية موازنة ٢٠٢١م، واعتمدت على إلغاء كل الدعم السلعي، وزيادة الضرائب والرسوم الجمركية وغير الجمركية، خاصة بعد أن فقدت الإيرادات الخارجية من المنح والقروض، بعد الخامس والعشرين من أكتوبر من العام الماضي.

ورطة ” الخنزير غيني”.

تعرض السودان، خلال الفترة الانتقالية لتنفيذ إجراءات وسياسات وتوجيهات، ما يعرف واشتهرت تسميته بـ(روشتة صندوق النقد الدولي)، وعن أبرز تلك السياسات، حملت وسائل الإعلام مقالاً لكاتب اقتصادي ألماني، تناول شرح إحدى السياسات التي نفذت في الانتقالية، وقال الكاتب الألماني، نوربارت هارنق، إن للسودان اليوم حكومة انتقالية تعتمد (وجودياً!) على النوايا الحسنة للولايات المتحدة، وهذا ما جعل فرصة استخدام السودان ممكنة كحقل تجريبي يربط جميع سكان البلاد برباط رقمي “إلكتروني” يلغي استخدام النقد (الكاش)، ويمنحهم دخلاً مالياً محدوداً .

ومنذ سنوات عدة، ظل البنك الدولي والعديد من منظمات الأمم المتحدة يروجون بكثافة لنظام رقمي خالص، لمعونات مالية للمحتاجين في الدول الفقيرة، وفق ترتيبات ما اصطلح عليه بـ “حلف أفضل من الكاش” كانت ضمن الأهداف المعلنة لهذه الدعوة خفض النفقات، وتجاوز الفساد، والحد من سرقة المعونات، والشمول (الاحتواء) المالي.

مراقبة وحظر

منتدى الشمول (الاحتواء) المالي بواشنطن عام 2015، وخلاله تم التأكيد على أن حكومة الولايات المتحدة تستطيع “تخزين ومراقبة وتتبع وحظر” عند الضرورة لكل تعامل يتم من خلال هذا النظام، وجاء الآن الدور على السودان بعد تجربة مؤقتة ناجحة في الهند، لتسجيل معلومات السكان في خادم رقمي مركزي .

هذه التجربة هدفها هو كيف يمكن السيطرة بنجاح، من خلال هذه الهبات المالية الرقمية، على جمهورٍ في بلدٍ نامٍ كبير الحجم، بعضه متمرد، وبعضه أصولي (يقصد السودان ! ).

إعلان رسمي

في 10 يونيو (2021م) تم الإعلان عبر تصريح صحفي منسوب لحكومة السودان ما نصه: “إن حكومة السودان وكجزء من رؤيته لرفعة اقتصاده، يعلن اليوم التزاماً جديداً للإسراع بالتحول من الدفع بالكاش إلى الدفع الرقمي، وبالالتحاق بحلف “أفضل من الكاش” المرتبط بالأمم المتحدة، إن حكومة السودان ملتزمة بزيادة مقادير “الاحتواء المالي” والشفافية، واتخاذ الخطوات اللازمة نحو اقتصاد ينتفع به جميع المواطنين، إن التحول من الكاش إلى الدفع الرقمي المسؤول، هو هدف مركزي للتعافي الاقتصادي والإصلاح الإستراتيجي.

مجموعات وشبكات مصالح

اعتبر الخبير الإستراتيجي، د محمد إبراهيم الحسن، أن الملف الاقتصادي مثل تحدياً أساسياً واجه الفترة الانتقالية، ورئيس الوزراء السابق، د. عبدالله حمدوك ، بحسب خبراته في المؤسسات الإقليمية والدولية، يدرك تماماً الأزمة الاقتصادية بالبلاد، وأن المدخل لحلها هو فك العزلة للدولة السودانية، بينما الوضع السابق كان اقتصاداً ريعياً يقدم الدعم، في ظل اقتصاد مقاطع ومحاصر، أدى إلى مشكلات واختلالات داخلية.

وقال الحسن، إن التحدي الذي واجه للحكومة الانتقالية ، برز في إدارة الملف الاقتصادي، في ظل وجود تجربة دولة سابقة، أفرزت ظهور مجموعات وشبكات مصالح ، صارت أقوى من الدولة مع ضعف مؤسسي لإدارة الاقتصاد، مبيناً أن وجود مجموعات وشبكات المصالح، كان لها دور إيجابي خلال فترة، ولكن أثرها السلبي لا يقارن بتلك الإيجابية، لأن انعكاسها جاء خصماً على دور مؤسسات الدولة، هذه المجموعات والشبكات لا تخضع للحوكمة والشفافية.

غفلة الرقيب

ويرى الحسن، أن الحكومة الانتقالية ركزت على العمل الخارجي، وحققت خطوات ونجاحات، ولكن أغفلت المجموعات وشبكات المصالح، ولم تستطع إرساء أسس الحوكمة والشفافية في إدارة مؤسسات الدولة، ونجد أن إدارة الملف الاقتصادي مضت في نفس اتجاه القوالب السابقة، “مجموعات وشبكات مصالح”، ولم تفلح محاولات تبديل أو تغيير التعامل، وظلت تجد صعوبة ومقاومة بتلك المؤسسات، لأن التغيير لم يكن جذرياً إنما فوقي، منوهاً إلى إدارة الملف الاقتصادي مضت في نفس القوالب القديمة، كذلك ظهرت استفادة البعض من الاختراقات الخارجية التي حدثت، وحققوا منافع ومكاسب، خلال هذه الفترة الانتقالية، وستظل تقاوم التغيير، ويعتقد الحسن أن النظام القديم لم يطرأ عليه تغيير، وشبكات المصالح ما تزال متحكمة.

سوء ادارة

وذكر الحسن أن سياسة التحرير الاقتصادي ألغت بانعكاساتها في مسألة توحيد سعر الصرف، وأيضاً على مجموعات المصالح، حيث البعض منهم استفاد ، والبعض الآخر تأثر وخرج من المنظومة، والفترة الانتقالية ورثت “سوء” إدارة الموارد الاقتصادية.

وشدد الحسن، على أن مجموعات وشبكات المصالح، تأتي خطورتها في امتدادها محلياً وإقليمياً ودولياً، لغياب أطر المحاسبية والحوكمة، ورؤية واضحة لإدارة الموارد، ودفع فاتورة ذلك التغيير الاقتصادي.

تقزم القيادة

وأفاد الحسن، أن مقاومة التغيير الاقتصادي تعد هي الأخطر، لأن هذه المجموعات ليس لها قيم وطنية أو سقف أخلاقي، وكل هدفها تعظيم مكاسابها، وإحداث تحالفات واختراقات سياسية وأمنية.

وأشار الحسن، إلى أن تجربة الانتقال خلقت تيارين، جانب يرغب في التغيير والآخر ضده، هذا الوضع تصعب فيه إدارة التغيير؛ لسبب أن إدارة التوازنات في واقع صراع لا تستمر طويلاً، وحالياً يوجد صراع تيارين، وأن الخروج من هذا الوضع، له تكاليف باهظة الثمن، ولابد من إرادة تفرض نفسها على الآخر، متسائلاً من الذي يفرض إرادة التغيير؟.

منصة انطلاق

وأشار الخبير د. الكباشي إلى أن الحلول المحتملة لأزمة البلاد في اقتصاد متحرك ينتج وظائف غير وارد، إن الاقتصاد حالياً منحدر لا ينتج وظائف، والدولة لا تستطيع توظيف الأعداد الضخمة من العاطلين، أو دفع أموال حتى يجدوا فرص عمل (بند العطالة)، كذلك نجد أن حركة التجارة والاستثمار والأعمال الحرة، والنظام المصرفي، لا يتيح فرصة تمويل استثماري للشباب، وليس في مقدورهم مقابلة متطلبات وضمانات التمويل المصرفي، وفي المقابل لا توجد حلول خارجية، الذي ظل يعد دون الإيفاء بهذه الوعود، عموماً منذ ١٩٨٣، وعود أوربا وأمريكا حول إعفاء الديون وتسهيل الاستثمارات، وغيرها من الالتزامات لم يتم الإيفاء بها ، وحالياً أكثر مساعدات تمثلت في برنامج ثمرات بمنح (٥) دولارات، وتابع أن الاقتصاد العالمي في حالة جمود وانحدار، وكل المؤشرات تشير إلى أن حالة الجمود للاقتصاد العالمي مستمرة، وربما يكون ذلك لسنوات.

وطرح الكباشي، فكرة مشروع قيام مؤسسة للصناعات والأعمال الصغيرة والمتوسطة، برأسال مال لا يقل عن (١٠) مليارات دولار، تكون منصة انطلاق لحل المشكلات البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الفاسدون سابقاً والآن

ودعا الكباشي لوضع برنامج اقتصادي بواسطة خبراء من اقتصاديي البلاد المهنيين والأكاديميين، وقال إن هذا البرنامج يكون في شكل خطة لمدة سنة على الأقل، وأن السودان زاخر بالموارد الطبيعية ولكن تنقصه “الإدارة الرشيدة والأخلاق الحميدة”، فغالبية الذين يديرون النشاط الاقتصادي في البلد سابقاً وحالياً” فاسدون وعديمو أخلاق”، وأقصد بالنشاط الاقتصادي الزراعة، الصناعة، التجارة، التعدين والبترول، وغيرها من الأنشطة التي لها علاقة بالاقتصاد.

وأشار كمال إلى أن السودان يحتاج لمصانع في مناطق الإنتاج، وإلى تشجيع المستثمر المحلي، بدلاً من محاربته بواسطة الضرائب والعوائد والرسوم الأخرى، لمصلحة فئة فاسدة سابقاً والآن.

(لم الشمل )

اتفق الخبراء على ضرورة حدوث توافق وطني، وإيجاد قيادة ذات إرادة، لاتخاذ حلول وطنية مسنودة بالشباب.

وشدد كمال، على ضرورة أن تشهد بقية الفترة الانتقالية حدوث توافق، والبعد عن الأهداف “الحزبية الضيقة”، وتكوين حكومة من كفاءات غير حزبية، ثم وضع برنامج اقتصادي بواسطة خبراء من الاقتصاديين المهنيين والأكاديميين بالبلاد.

وفي المقابل أكد الحسن، أن المرحلة الانتقالية تحتاج أن تتولى مسؤوليتها قيادة وطنية ذات إرادة وقيم أخلاقية، لا تنظر لمصالحها الخاصة، بينما أشار الكباشي، إلى أن الحل الوحيد للأزمة السودانية هو الحل الوطني المتكامل المسنود بسياسات قوية داعمة للشباب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.