تهديدات «ترك» من الإغلاق للحرب.. هل تعيق الاتفاق السياسي؟

 

 

الخرطوم: السوداني

 

تباينت الرؤى بشأن تطورات شرق السودان، وكيفية الوصول إلى حلول ناجعة للقضية التي وُضعت ضمن خمس قضايا رئيسية في الاتفاق الإطاري السياسي الموقع مؤخرًا، فيما انتقلت الأوضاع على الأرض من مرحلة تهديد البعض بالإغلاق وتقرير المصير إلى إعلان الحرب حسب (التغيير الإلكترونية)، ما يدعو للتساؤل حول تأثير ذلك على الاتفاق؟!

 

مشهد ترك.. مدلول الدانات والقنابل

مثّل مشهد ناظر قبائل الهدندوة، نائب رئيس الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية الناظر محمد الأمين ترك بالقرب من دانات وقنابل وأسلحة، تطورًا دراماتيكيًا في تهديدات الناظر المستمرة للحكومة، التي وصلت في خطابه أول أيام العام الجديد إلى إعلان الحرب!

وخاطب ترك مجموعة من الموالين في منطقة جبل مويته بولاية كسلا، معلنًا رفضه للاتفاق الإطاري الموقع بين المكونين العسكري والمدني، ومهددًا بالانفصال، في خطاب مملوء بالتناقضات.

 

لعب على حبال متقاطعة

ففي الوقت الذي أعلن فيه ناظر الهدندوة الحرب على الحكومة التي يسيطر عليها الجيش حتى الآن، أعلن تأييده للقوات المسلحة، وسط هتافات متصاعدة من الجمهور الذي يستمع إليه تقول: «جيش واحد شعب واحد»!.

 

وتمتد التناقضات في مسيرة الزعيم القبلي لقبوله منصب نائب رئيس الكتلة الديمقراطية، التي تضم قيادات الحركات المسلحة المناهضة بقوة لمراجعة اتفاق سلام جوبا، في الوقت الذي يطالب فيه ترك بإلغاء مسار الشرق في الاتفاقية، كشرط جوهري لبدء حوار جاد مع الخرطوم.

وبينما أعلن ترك نيته فصل الإقليم وتقرير المصير، تنفيذًا لمقررات مؤتمر سنكات، قال في خطابه إنه يسعى لعمل تحالف مع وسط السودان وشماله وكردفان، لتحقيق حكم كونفيدرالي لتلك الأقاليم، لا تخضع لسيطرة حكومة مركزية «بعد 66 سنة إذا في زول عاوز يحكمنا من الخرطوم ده واهم أو زول في سكرة»!.

 

 

الحرية والتغيير .. كيف تنظر للموقف؟

من جهته، نظر الناطق الرسمي باسم المجلس المركزي للحرية والتغيير شريف محمد عثمان، إلى جانب إيجابي في تناقض مواقف ترك بانضمامه للكتلة الديمقراطية، معتبرًا وجوده في صف تحالف يضم رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم كأقوى الرافضين لمراجعة اتفاق جوبا، فرصة لإدارة حوار جاد بين «حلفاء» تجد مخرجًا لتعديل الاتفاق باعتباره مطلبًا رئيسًا لناظر الهدندوة.

وقال عثمان لـ«التغيير»، إن إقليم الشرق عانى من انقسامات عميقة منذ توقيع اتفاق سلام جوبا، مشيرًا إلى تجدد الانقسامات بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 والتي لم يسلم منها المجلس الأعلى لنظارات البجا نفسه!

وعمليًا حدث انقسام حاد وسط (البجا)  على خلفية بروز خلافات بين قادة المجلس وخروجها إلى العلن، عقب اعتصام أقيم أمام مقر حكومة البحر الأحمر انتهى باستقالة الوالي على أدروب في يونيو الماضي، وهو أمر لم يلق وقتها قبولًا من محمد الأمين ترك الذي دفع هو الآخر باستقالته من منصبه قبل أن يتراجع عنها عقب وساطات قادتها جماعات أهلية لكن ترك عقد ملتقى في ذات الشهر بدعم من مكونات أهلية وأصدر قرارًا بتجميد عمل المجلس إلى حين عقد مؤتمر يحدد هياكله.

وهو الأمر الذي رفضته المجموعة الأخرى أو ما تعرف بمجموعة بورتسودان ورفضت حل المجلس الأعلى لنظارات البجا في ما يعرف بمؤتمر أركويت. وقالت في بياناتها أن ما حدث في “أركويت” حشد أهلي لا علاقة له بالمجلس الأعلى وهو مؤتمر أُعلن عنه بقرار فردي بتخطيط من مستشارين لنائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو ” حميدتي” الذي يتولى ملف شرق السودان. وأكد البيان حينها أن لجنة “حميدتي” تسعى لإنهاء ملف الإقليم وتزوير القرارات المتعلقة بالقلد المرتبطة بقضية الأرض والحدود ومراجعة التجنيس وإلغاء المسار والقبض على قتلة شهداء البجا. وأعلن التمسك القاطع بمقررات مؤتمر سنكات التأريخي والتفويض الشعبي الممنوح لهم ورفض حل مجلس البجا وتسمية أي جسم آخر خلافه كما شدد على عدم الاعتراف بمقررات المؤتمر الذي عقد في “أركويت”.

 

تناقض المواقف وتعدد المعسكرات

في الوقت الذي ينصب ناظر الهدندوة نفسه متحدثًا باسم إقليم شرق السودان، تتخذ قيادات أهلية أخرى موقفًا مناقضًا له، وأصدر في 6 ديسمبر الماضي، بعد يوم من توقيع الاتفاق الإطاري، المجلس الأعلى للإدارات الأهلية بشرق السودان بيانًا ترحيبيًا بالاتفاق الإطاري، وأعرب عن أمله في تحقيق مدنية الدولة وخروج العسكر من المشهد السياسي.

وقبل توقيع الاتفاق بيومين، أصدر ذات المجلس بيانًا يرحب بزيارة السفير الأمريكي جون غودفري إلى ولاية كسلا، مطالبًا إياه بزيارة ولايات الشرق الأخرى، ودعم أكبر لإحداث اختراق في العملية السياسية الجارية والتحول الديمقراطي في البلاد.

 

في سياق متصل، التقت مجموعة النظار الـ(17) مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» في 19 ديسمبر الماضي، مؤكدة فيه دعمها للاتفاق الإطاري.

ومجموعة النظار الذين أصدروا بيانًا من قبل يتبرأون فيه من مواقف الناظر ترك الداعية لإغلاق الإقليم، تتبرأ اليوم من تصريحاته التي يعلن عبرها الحرب، وفق ناظر عموم الجميلاب، محمد طاهر أحمد حسين. «نرفض أي أسلوب للتصعيد اللفظي، والتهديد بالحرب وتقرير المصير».

ووصف ناظر عموم الجميلاب تصريحات ترك بـ«الجوفاء»، وأكد عدم وجود أنصار له في شرق السودان ولن يجد حديثه عن تقرير المصير أو الحرب أي استجابة. «تقرير المصير لا يمكن أن يعلنه شخص واحد»!.

وأكد الناظر وجود قضايا حقيقية في إقليم شرق السودان تحتاج للمعالجة والاهتمام من الحكومة، معربًا عن تفاؤله بإيجاد حلول عبر الورش والمؤتمرات التي سيتم عقدها مع القوى السياسية. وقال طاهر لـ«التغيير»، إن ترك يحاول أن يعطي انطباعًا للعالم الخارجي بأن له تأثير، وأكد عدم صحة هذا الأمر في الواقع بأقاليم الشرق. «عقد مؤتمرات متواضعة في ريفي خضرة وآخر في القاش، هو يعقد لقاءات مع مجموعات محددة لتنفيذ أجندة». وأضاف ناظر عموم الجميلاب ساخرًا: «من هو حتى يعلن الحرب على الخرطوم؟ الحرب لها أدوات واستعدادات لا تتوفر له».

وقال طاهر إنه يريد أن يطمئن الشعب السوداني بعدم جدية حديث ترك، مشيرًا إلى أنه سينتهي خلال أسبوع!

 

خروج على القانون.. من يسائل ترك؟

وعلى الرغم من وصف ناظر عموم الجميلاب تهديدات ترك بالجوفاء، إلا أن الخبير العسكري اللواء أمين إسماعيل مجذوب يرى أنها تستوجب المحاسبة. «رفع زعيم قبلي لدانة في خطاب جماهيري سواء كانت حية أو مكذبة أمر خطير يستوجب المساءلة من الجهات الأمنية والعسكرية»، مشيرًا إلى أن هذا خروج على القانون. وقال مجذوب لـ«التغيير»، إن مثل هذه التصرفات يمكن أن تغري آخرين باستخدام السلاح والتحريض على العنف وإثارة الحرب والكراهية، واصفًا شرق السودان بالمنطقة الحيوية التي ترتبط بشواطئ مع دول إقليمية أخرى، ومنطقة حيوية من مناطق النفوذ العالمي لذلك لا يفكر الجميع بأنهم سيتركوا هكذا يفعلون ما يريدون!.

ودعا الخبير بمركز الدراسات والبحوث، القيادات السياسية في الشرق لتتصدر المشهد حتى لا يترك للإدارات الأهلية التي لا تعي ماذا تفعل وتنفعل أمام مؤيديها بخطابات العنف والكراهية.

«ظهور تنظيمات عسكرية ومليشيات يدل على غياب القيادات السياسية الراشدة والمتعلمة ليصبح الأمر في أيدي ما يعرف بالإدارات الأهلية»! وحول دور الجيش في التصدي لتهديدات ترك، أكد اللواء مجذوب أن الجيش لا يتحرك بمفرده، واتخاذ قرار حول خطابات ترك التهديدية يقع على السلطة العسكرية التي تحكم البلاد الآن، ووفق تقديرها للموقف يمكنها أن تمنح الأمر للجيش أو الشرطة للتدخل.

واتفق مع ناظر عموم الجميلاب، المتحدث باسم المجلس المركزي للحرية والتغيير شريف محمد عثمان الذي أكد على وجود قضايا مرتبطة بالتنمية والسلام والمشاركة في السلطة السياسية تستوجب المعالجة. وقال لـ«التغيير»، إن إدراك القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري بقضية الشرق جعلها تفرد لها بروتوكولًا خاصًا، ضمن «» بروتوكولات لقضايا مهمة. لكنه استدرك محذرًا من إقحام قضية الشرق ضمن الصراع الدائر حول السلطة، وأكد أنه لن يعالج مشاكل الإقليم. «التحول الديمقراطي والتنمية هما المدخل لمعالجة قضايا الشرق وكل قضايا السودان».

وكشف عثمان عن جهود مكثفة لإجراء مباحثات مع الجهات المدنية والسياسية والمجتمعية الفاعلة في شرق السودان تهدف لجبر الضرر ومعالجة قضايا الإقليم، مشيرًا إلى أن القضية تخص جميع الموقعين على الاتفاق الإطاري وليس الحرية والتغيير وحدها.

ولم يقطع بوجود آليات محددة لإحداث تلك المعالجات، معيدًا الأمر إلى نتائج الحوار الذي تجريه القوى السياسية حاليًا مع مكونات الإقليم. «لن نحمل حلًا جاهزًا للشرق من الخرطوم».

وحول إمكانية إعاقة مثل هذه التهديدات للعملية السياسية، أكد الناطق باسم المجلس المركزي، أن تصريحات ترك في الوقت الراهن قد لا يكون لها تأثير كبير، لكنه شدّد على الاهتمام بها للوصول إلى حلول متكاملة. وعلق: «النار تبدأ من مستصغر الشرر»!.

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.