دينٌ ﻻ يمكن رده

همسة تربوية….د. عبدالله إبراهيم علي أحمد

شارك الخبر

 

 

بين الحب والتضحية أم واقية تضحي من أجل أبنائها، والذي لا يبر أمه فهو مسكين، ولنتصور لو قدر الله أن الأم ستموت الليلة، فبمجرد دفنها وعودتنا للمنزل، نجد سجادتها ومسباحها وثيابها ونعالها وقميصها، يا الله، بل قد نستيقظ على صوتها وهي تحت التراب في كل لحظة، حينها سنندم في كل دقيقة أضعناها ولم نخدمها ولم نكن بجوارها، فالأم بالذات تطارد صغيرها في كل أرجاء المنزل وفي كل مكان حتى في منامه.. لماذا؟

لأنها أم، فكل عطاء بمقابل إلا عطاء الأم فهو مجاني بدون مقابل، فلا أحد يبلغ درجة تضحية الأم، ويكفيها فخراً دون غيرها أنها باب من ابواب الجنة، لماذا لا نسعى لإرضائها قبل أن تموت وهي في الدنيا؟ قد نهدي لزوجاتنا أكثر من الأم، وبرغم ذلك هي راضية، وعند إهدائها شيئاً، تحتفظ به ولا تنساه، والحسن البصري لم يبكِ حين موت ابنه، ولكنه بكى عند موت أمه، ولما سُئِل لماذا بكيت عند موت أمك ولم نرك تبكي على ابنك، قال لقد انغلق بابٌ من أبواب الجنة عند موت أمي، ولكن لم يُغلق عند موت ابني، فعلينا أن نستثمر في الأم ونخدمها قبل أن تفارقنا، وقد ينسى غيرنا همومنا ولكن الأم لا تنسى، فهي تعرف همك من ملامح وجهك، وهي أولى الناس بالصحبة والأكل معها والتحدث إليها، وهي الأولى بالنفقة، ورضا الأم عماد التوفيق، فالأمومة أعظم هبة من الله التي خص بها الأنثى، وقال فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم:-

(الجنة تحت أقدام الأمهات)، فليس هناك وسادة أعظم من حضن الأم، وقال محمود درويش (أعشق عمري لأني إذا مِتُ أخجل من دمعِ أمي)، والله بعد موت أمي كنت أشم رائحة شعرها العالق بالمشط وأمعن النظر في ثيابها التي تركتها، وأستنشق عطرها وأنظر إلى سريرها، ونعالها وأتمنى لو ترجع لنا ولو لحينٍ واحد لنبرها أكثر، ولكن الموت حق وأجل الله إذا جاء لا يُؤخرُ ساعة، نعم هي أمي امرأة لا يكررها الزمن (أمي أسمع صوتك يملأُ الأرجاء، فلما يذوبُ البعدُ سنلتقي).

طلب ابنٌ من والدته مبلغاً من المال نظير مساعدته لها في تنظيف البيت وذهابه للسوق وحصوله على علامات جيدة في المدرسة، وقال لها: أعطني أجري قبل أن يجف عرقي، ابتسمت الأم وقالت له: حملتك تسعة أشهر في بطني وأرضعتك عشرين شهراً، وقمت بتنظيفك والاهتمام بملابسك وطعامك وشراء ألعابك لسنواتٍ ست، كم سهرت وكم تعبت من أجلك، وكل ذلك بلا مقابل، يا ابني: حين تحصي كل هذا فإن سعر حبي لك بلا مقابل وما خفي أعظم، فأغرقت عيناه بالدموع: نظر لأمه وقال:(أمي سامحيني أحبك كثيراً)، ثم أخذ القلم وكتب بخطٍ كبير:

(دين لا يُمكن رده)، هل تعلم ماذا يحدث بعد أن تتوفى أمك؟ بعد أن تتوفى الأم وتصعد روحها إلى السماء، تنادي الملائكة: يا ابن آدم لقد ماتت التى كنا نكرمك من أجلها فاعمل صالحاً نُكرِمُك من أجله.

أخيراً الأم تصنع الأمم، وهي شمعة مقدسة تضيء ليالي الحياة، وحتى إن عاقبت صغيرها فسرعان ما تأخذه بين أحضانها، فهي الأمل وهي الرجاء، قلبها كعود المسك كلما احترق فاح شذاهُ، وإذا صغُرَ العالم كله فالأم تبقى كبيرة، فهي غاية الحنان وغاية الروعة وغاية العطاء وفي قربها الدواء.

 

 

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.