(العراريق ولبسات على الله) يونيفورم ملائم لحملات النظافة

على الورق… إبراهيم الصافي

شارك الخبر

 

حملات النظافة التي دأبت ولاية الخرطوم على تنظيمها تدخل ضمن مشروعات التربية الوطنية الخالصة، ولذا يجب أن تتفادى التركيز على مسؤول تتبعه بطانته، وتلاحقهم الكاميرات وهم يحملون أكياس قمامة خفيفة المحتوى، وعلى (مقشات) أو مكانس سيدات وفتيات في كامل زينتهن وأناقتهن لا تتعدى مساحة حركتهن عدة أمتار في شارع عام، أليس الأولى بفلاشات الكاميرات أولئك الذين يتحدَّر العرق على جباههم وجوههم جراء الانهماك في العمل بهمة عالية؛ لاستجابتهم الفورية لنداء: هلموا إلى تجميل مدينتكم.

قد يتساءل المواطن العادي: ما المانع من حضور المسؤولين والموظفين إلى مواقع الحملات بـ (العراريق أو لبسات على الله) للتأكيد على صدقهم في التعامل مع تلال القمامة وركام النفايات، وعلى أن يوم الأربعاء ليس مجرد مناسبة رسمية، ولا نزهة قصيرة للتسكع والتسلية و (البريستيدج).

من سجلات الولاية نتبين أنها ظلت تواصل تنظيم هذه الحملات دون توقيت زمني مُحدَّد؛ لكن ها هي الآن تستدعي أنموذج (أومجاندا الرواندية)، وبعد تدجينه عمدت إلى تهجينه وتخصيبه، فكان المخاض أربع مرات في الشهر بدلاً من واحدة كما في كيغالي، وبدأ تطبيق التجربة باستخدام مرايا مُكبِّرة لإعلام المواطنين بالأهمية القصوى لهذا النشاط (الإيماني) الذي يُجسِّد ثقافة وطنية ونهجًا حضاريًّا يعتمد النظافة ديدناً وأسلوب حياة.

وتستهدف الحملة تنبيه سكان العاصمة إلى أن النظافة خارج السور لا تقل في أهميتها عمَّا بداخله، ولا عن الأناقة الذاتية والمظهر الشخصي، بل يجب أن تنسجم عمليات تجميل الداخل وتزيينه مع الشكل الخارجي العام بحسبان الخارج مرايا عاكسة للداخل، فالمنزل والشارع صنوان مكملان لبعضهما، لا كما يفهم أهل السودان الذين يُطبِّقون شعار: (أناقتي شأني، وخارج سور بيتي شأن الدولة).

ما حظيت به هذه الحملة من مشاركات رسمية وعسكرية وأمنية وشعبية في بدء انطلاقتها؛ أكسبتها زخماً هائلاً يُبشِّر بإمكانية استمراريتها وفق جدولها الزمني المُعلن، وإن أبدى بعض المشفقين تحفظهم على هذا الاندفاع الذي صاحبها خشية أن يكون مجرد فورة، سرعان ما تنخفض حرارتها بمرور شهرين أو ثلاثة إلى تحت الصفر، أي إلى (حالة ثلجية). بقي التنبيه إلى أن تحديد أربع مرات في الشهر لحملات النظافة مُعدَّلٌ عالٍ جدًّا، ومدعاة لتعطيل أو إبطاء دورة الإنجاز والإنتاج وتقديم الخدمات سواء في الدواوين الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص، ما قد يصيب التجربة بالفتور والتراجع ثم السكون، ولذا فمن الأحرى اختزال عدد المرات إلى واحدة في الشهر ضماناً لاستمراريتها بذات الحماس، وبالطبع فإن المسؤول يكذب أن أعلن تفرغه التام أسبوعيًّا أو حتى شهريًّا للمشاركة في هذا النشاط؛ لأن واجباته الرسمية ستحول بينه وبين التضحية بحصيلة أربعة أيام عمل إنتاجي أو ربحي أو خدمي في كل شهر، وما قد يترتب على ذلك من خسائر.

وأخيراً فإن تلاحم المواطنين مع الجهات الرسمية والعسكرية والأمنية في هذه الحملات يمثل لوحة وطنية زاهية منسجمة الخطوط والألوان، ويؤدي إلى تقوية أواصر الترابط والتعاضد والتضامن بين مكونات الشعب السوداني على اختلاف جبهاته وثغوره ومواقعه.

 

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.