إعدام في الشارع .. ابراهيم مجذوب ليس الأول

الخرطوم: مهند عبادي

لن يكون إبراهيم مجذوب الذي ارتقى أمس الأول شهيداً آخر ضحايا آلة الغدر والعنف ضد الثوار السلميين، طالما لم تتغير العقلية المتحكمة في مقاليد السلطة بالبلاد، والوعي بضرورة محاسبة كل المسؤوليين عن جرائم القتل لشهداء الثورة المجيدة، وإنهاء استمرار حالة الإفلات من العقاب واستمرار القتل والسحل ضد السلميين، وفشل كل لجان التحقيق التي سبق وأن تم تشكيلها في تقديم نتائج أو محاسبة شخص عن سقوط الضحايا ، وسبق وأن طالب قانونيون وخبراء بوضع آلية مساءلة مستقلة فعّالة ومزودة بموارد كافية من شأنها معالجة الانتهاكات الجسيمة المبلغ عنها فيما يتعلق بقمع الاحتجاجات السلمية منذ الانقلاب العسكري، محذرين من أن الاستخدام المتكرر للأساليب القمعية ضد المتظاهرين السلميين يؤكد بقوة على الحاجة إلى المساءلة وإصلاح قطاع الأمن وتحقيق العدالة، بما في ذلك التعويضات لضمان ممارسة الناس حقوقهم الأساسية والمشاركة بفعالية في التحوّل الديمقراطي للبلد.

 

ماذا قال بيان الشرطة؟

الشرطة وكعادتها حاولت عبر بيان ليلة سقوط مجذوب أن تنأى بنفسها عغن المسؤولية المباشرة وأرجعت الأمر إلى تصرفات فردية من الضابط الذي أردى إبراهيم قتيلاً، لتنقل بذلك خطوة من النفي القاطع وتحميل المسؤولية الى طرف ثالث، التي كانت مبرراً جاهزاً تدفع به كلما سقط شهيد في مظاهرات الثورة الظافرة، وفي الأثناء طالبت قوى إعلان الحرية والتغيير في بيان مختلف، على “ضرورة تقديم الضابط القاتل للمحاكمة العلنية المفتوحة أمام القضاء الطبيعي، وليس أي قضاء خاص، وأضافت بحسب بيان أن الحادث يعزز قناعة الحرية والتغيير بضرورة الإصلاح الأمني والعسكري للقوات النظامية، وعلى رأسها الشرطة، وتأسيسها على عقيدة جديدة تقوم على احترام القانون وحماية المواطن وخدمته، ومن جهته أدان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بالسودان، فولكر بيرتيس، حادثة مقتل متظاهر، أمس الثلاثاء، بالخرطوم على يد أحد ضباط الشرطة السودانية، أثناء احتجاجات مناهضة لحكم العسكر، وذكر بيان صادر عن بيرتيس، الأربعاء، أنّ استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين أمر غير مقبول، ويتعارض مع التزامات السودان المتعلقة بحقوق الإنسان، وحثّ السلطات السودانية على إجراء تحقيق سريع وشفاف في تلك الوفاة، وجميع انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى التي وقعت في سياق الاحتجاجات منذ 25 أكتوبر ومحاسبة المسؤولين عنها، كما دعا الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السلطات إلى اتخاذ تدابير عاجلة لوقف الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين، وبدوره دعا لاتحاد الأوربي السلطات السودانية إلى إجراء تحقيق مستقل في هذه القضية وفي الوفيات الأخرى منذ 25 أكتوبر 2021، وتقديم الجناة إلى العدالة. ومن جهته استنكر رئيس الحركة الشعبية “لتحرير السودان”، ياسر عرمان، جريمة قتل الشاب، وندد في تغريدة له قائلًا “الجريمة لا تسقط بالتقادم وتُباعد بين شعبنا والحلول، هذه الجرائم ستستمر طالما هناك من يصدق بالذخيرة الحية، ومن يُعطي الأوامر، المجد للشهداء والشعب سينتصر”.

 

من أمن العقاب .. أساء الأدب

القانوني حاتم الياس يرى أن الواقع الذي تمر به البلاد حاليا مأزوم بمسألة انعدام المساءلة والإفلات من العقاب، وأن هذا الواقع مستمر بعد الانقلاب، وهو أمر قديم وموجود منذ حكومة الإنقاذ، ويقول حاتم لـ” السوداني” إن هذه النقطة تم تكريسها بشكل كبير وأصبحت موجودة نتيجة لتغييب الأدلة وطمس الحقائق وتباطؤ العدالة ولجان التحقيق، ويضيف حاتم أن الجناة والقتلة يستغلون هذه الأوضاع ويتحركون على نطاق واسع في تنفيذ الجرائم آمنين ومطمئنين بأن لا محاسبة، ويشير حاتم إلى عامل آخر مؤثر وهو غياب دولة القانون التي إن تم الوصول اليها سوف يكون الناس عامة مسؤولين عن تصرفاتهم وسواسية أمام القانون، وبالتالي سوف يتحقق السلم والأمن الاجتماعي، ووقتها سوف يكون القانون هو المرجع وليس السلطة أو القبلية أو الجهة التي يحتمي بها الجناة أياً ما تكن تلك الجهة، ويرى الياس أن الواقع الحالي توفرت معه تربة خصبة للجناة لممارسة أفعالهم من منطلق شرعية مطلقة يتمتعون بها تجعلهم خارج المساءلة، وذلك نتيجة لفشل لجان التحقيق في الوصول إلى نتائج أو تحديد الجناة، ويقول: إذا كانت لجنة التحقيق في فض الاعتصام قد توصلت إلى تحدي الجناة والنتائج لما تجرأ شخص مرة أخرى على ممارسة القتل وكأنه يلعب “بلاي ستيشن”، لافتاً إلى أن المسألة مستمرة وتم التكريس لها منذ سنوات بالنظر إلى عدم محاسبة مرتكبي الجرائم في دارفور وغيرها من مناطق البلاد، وأضاف حتى البشير المسؤول عن ذلك لم تتم محاسبته وهو الآن يتلقى الرعاية الصحية في أفخم المستشفيات.

 

عقيدة تحريم دم الإنسان عند أخيه الإنسان

مراقبون يؤكدون أن الأمر يتعدى اعتراف قوات الشرطة بالجريمة الى فضاء أكبر ينبغي أن تكون فيه للإنسان قيمة والابتعاد عن استرخاص الدم وقتل الشباب بكل سهولة لمجرد خروجهم في تظاهره سلمية ظلوا مواظبين عليها رغم ادعاءات الشرطة بوجود عنف ضدها من الثوار، عشرات القتلى سقطوا ضحايا في مواكب الثورة، ولا تزال العقلية الأمنية المتحكمة ترى أن العنف هو السبيل الأوحد لوأد آمال الشباب ومشروع التغيير ، ويشدد البعض على أن هؤلاء لم يفهموا حتى اليوم بأن الثورة أكبر من تقتل أو تنهزم وأنها سوف تستمر حتى تحقق غاياتها بفضل شباب وثوار مؤمنين بقضيتهم ويزدادون مع سقوط كل شهيد قوة ومنعة لمواصلة الثورة وتحقيق أهدافها، الأمر الذي يحتم على قادة الأجهزة الأمنية والشرطية والعسكرية المختلفة إجراء مراجعات جذرية في تعاملهم مع المواكب والتظاهرات واحترام المواثيق والقوانيين التي تنص على الحق في التظاهر، وعدم تسليح القوات بالرصاص، وعدم السماح لهم بالقنص، وترصد الشباب بعبوات الغز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية.

 

النظام البائد.. إعادة إنتاج عبر القوانين

وفي السياق يقول محمد البوشي الناشط السياسي في تدوينه له على فيسبوك، إن المشكلة الأساسية تتلخص في استمرار العمل بالقوانين التي صاغتها وأعدتها حكومة الإنقاذ التي صممت على إفلات المجرمين من العقاب، وتساءل بوشي ” منذ العام 1989 هل تمت محاسبة أي قاتل من الأجهزة الأمنية وإعدامه بسبب جريمة قتل ارتكبها ضد مواطن ” ودعا لإحصاء كل المواطنيين الذي قتلوا خلال الأعوام الثلاثة والثلاثين الماضية ومعرفة من تمت محاسبتهم من النظاميين، وشدد بوشي على أن الرئيس السابق عمر البشير يعتبر هو المسؤول بشكل مباشر عن أي نظامي و عن كل عمليات القتل التي حدثت في عهده، ولكنه لم يحاسب ولم توجه إليه التهم أساساً، وقال بوشي دعك من كل ذلك حتى من تمت محاكمتهم بالإعدام من النظاميين قتلة الأستاذ أحمد الخير لم تنفذ العقوبة حتى الان، وهذه أدلة كافية على أن القتل سوف يستمر بكل قوة عين، وأن بيانات الشرطة سوف تكون بنفس هذه السذاجة وافتراض الجهل في المواطن، وشدد بوشي على أن القوانين الموجودة حالياً لن تحقق محاسبة لأي قاتل.

من جانبه استنكر رئيس الحركة الشعبية “لتحرير السودان” ياسر عرمان جريمة قتل الشاب، وندد في تغريدة له قائلًا “الجريمة لا تسقط بالتقادم وتُباعد بين شعبنا والحلول، هذه الجرائم ستستمر طالما هناك من يصدق بالذخيرة الحية ومن يُعطي الأوامر، المجد للشهداء والشعب سينتصر”. وعبّرت الصحفية داليا الطاهر عن غضبها من بيان الشرطة، وأضافت عبر تويتر “حتى بعد اعترافهم بالجرم المشهود والموثق وإيقافهم للقاتل لم يكتفوا من الكذب والتدليس، فختموا بيانهم الهزيل بتجريم الثوار” وتساءلت “هل صعب عليكم الاعتراف بأن وسطكم قتلة؟”.

وقال المعلم زهير هشام طه: فاجعة الفواجع أن أرى صورة الطالب الذي أدرسه جثة هامدة على صفحات الفيس. وليس أفجع من مقتل الطالب إبراهيم مجذوب إلا الطريقة البشعة التي فارق بها الحياة! فإطلاق ضابط النار على صبية متظاهرين لا يتجاوزون العشرة ليس فقط مخالفة لقواعد الاشتباك بل مخالفة للقانون وكل الشرائع الدينية والإنسانية”.

واعتبر طه أن استفزاز المتظاهرين لأعوان الشرطة لا يبرر إطلاق النار، فالضابط سمّي ضابطا لأنه يضبط جنوده ويضبط نفسه .

 

 

 

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.