المواجهة بين مكونات السودان العسكرية.. الكل يرفضها لكن من يشعل زنادها؟

الخرطوم: الزين عثمان

يقول حاكم عام إقليم دارفور، رئيس حركة  تحرير السودان، أركو مناوي،  مخاطباً  “الجيش  والدعم السريع”  رجاءً  لا تشعلوا  الحرب  في أوساط   المدنيين من النساء والأطفال،  محذراً  من نقل النزاع لداخل الخرطوم العاصمة، مردفاً الخرطوم “نخرطما”   ورغم  أن مناوي حذر من  الحرب على طريقته المعروفة، لكن ذلك لم يمنع الكثيرين من وصف خطابه بالعقلاني والمطلوب في ظل ظروف البلاد الراهنة .

 

عدم حدوث مواجهة

وسبق  مناوي قائد ثاني الدعم السريع، الفريق عبد الرحيم دقلو،  الذي جزم بعدم حدوث حرب ومواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وفي عطبرة أشار عضو مجلس السيادة، الفريق أول ياسر العطا  لذات الأمر لكنه أكد في المقابل على قدرة القوات المسلحة على حسم أي تفلتات، الخلاصة هنا أن الجميع يرفض الحرب ويحذر من تبعاتها، بينما يبقي السؤال من الذي   يدق الطار في   انتظار  اشتعال الأوضاع ؟

الفلول متهم أول

في حديثه  الذي أكد فيه أركو مناوي على حقيقة النزاع بين الجيش والدعم السريع، أشار لنقطة رئيسية تتعلق بمن يستثمرون في هذا النزاع، وحدد  مكونات  داخلية وإقليمية مناوي لم يستبعد تورط بعض مكونات المجلس المركزي في هذا الأمر، لكنه أشار بوضوح  لضلوع الفلول من قيادات النظام المعزول فيما يجري الآن.

اتهامات الفلول  في هذا الأمر لم تقتصر على مناوي وحده  بل  تتابعت تصريحات قوى الحرية والتغيير  للتاكيد على هذه الفرضية، مثلما جاء في تصريحات منسوبة لعضو مجلس السيادة السابق، محمد الفكي،  ولجعفر حسن ولآخرين اعتبروا أن ما يجري الآن هو محاولة هدفها الرئيسي قطع الطريق أمام إكمال مشروع  التسوية السياسية والاتفاق السياسي المفضي لتشكيل حكومة مدنية في السودان تقطع طريق العودة تماماً أمام منسوبي النظام القديم ورغبتهم في العودة، أصحاب هذا الاتجاه يعززون فرضيتهم تلك بالاستناد لحالة العداء بين منسوبي النظام السابق وقائد الدعم السريع، وتحميله مسؤولية سقوط نظامهم في الحادي  عشر من أبريل،  وبالطبع رغبتهم في إعادة عقارب ساعة السودان لزمان ما قبل سقوطهم.

الاتفاق الإطاري

في  وقت سابق وفي ثنايا رفضهم للتوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي”، حذرت تصريحات لقيادات من الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، وعلى رأسهم مبارك أردول أن التوقيع على الاتفاق الإطاري بشكله   القائم على الإقصاء  لتيارات عريضة من شأنه أن يشعل الحرب في البلاد، وهو أمر يرتبط أيضاً وبشكل كبير من الموقف شبه المتباين  للمكون العسكري من الاتفاق، ففي الوقت الذي يرى فيه الدعم الضوء في آخر النفق لعلاج أزمات البلاد، لا يبدو موقف    الجيش  متماهياً معه  وللحد البعيد، أو أن الأمر يحتاج لمزيد من  الحسابات،  وهي الحسابات التي يقول عنها  المعارضون لخطوات الجيش أنها تأتي في سياق رغبته في إغراق العملية السياسية بمجموعات  لا علاقة لها بالثورة وبمجموعات النظام البائد الذي كان يمثل المكون العسكري له اللجنة الأمنية.

ويمضي كثيرون في تحليلهم بأن الاستمرار في  الاتفاق الإطاري من شأنه أن يشعل الحرب من خلال  العمل الذي يمكن أن يقوم به الفلول لقطع الطريق عليه، بينما تؤكد قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي استمرارها في العملية السياسية حتى  الوصول لخواتيمها كما يشير البعض، إلا أن ما يجري هو محاولة من أجل قطع الطريق أمام قيام ورشة هيكلة القوات الأمنية  كأحد مطلوبات الاتفاق الإطاري.

في  الإعلام والأسافير

في وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض وسائل الإعلام تبدو الحرب وقد اشتعلت حقيقة أنباء عن حشد وحشد مضاد وترتيبات أمنية حول القيادة العامة   ورجال يمسكون بأصابعهم على الزناد في انتظار ساعة الصفر، في وقت شكت فيه مكونات سياسية ما قالت إنها غرف إعلامية الغرض الأساسي منها   زيادة  حدة المواجهة بين  القوات النظامية ونشر الهلع في أوساط السودانيين من خلال بث الإشاعات في وسائط التواصل الاجتماعي، وفي هذا الجانب  اضطرت أمانة الإعلام بجهاز المخابرات العامة    للتهديد بمقاضاة وسائل إعلامية نشرت خبراً عن مطالبة المخابرات قوات الدعم السريع بمغادرة مباني هئية  العمليات المحلولة التي اتخذها الدعم السريع مقاراً له في أعقاب إسقاط نظام البشير وبحسب تعميم من إعلام المخابرات  فإن الخبر  المنشور لا أساس له من الصحة، وأن الغرض منه خلق حالة من الربكة وحدة الهلع.

المفارقة أنه وفي ذات اليوم الذي تم فيه نشر خبر  المخابرات ومقار الدعم السريع كانت احتفالات باستخدام ألعاب نارية بمناسبة افتتاح إحدى الصالات بشارع النيل الخرطوم تثير المخاوف والهلع،    ويمضي الجميع في تحليلهم لأصوات دوي الألعاب بأن الحرب  اشتعلت،  وهي صورة توضح بجلاء حالة الخوف من القادم بالنسبة للشارع السوداني   وبالنسبة لبلاد لا تمتلك رفاهية اشتعال حرب في أوساط مدنيين لا تتوفر  في مشافيهم  قطع الشاش.

حقيقية وتلك أسبابها

يقول المحلل السياسي والمهتم والناشط في الشأن العام، شمس الدين ضو البيت، الخطر على كينونة الدولة والمجتمع حقيقي لا مناورة، حالة العسكرة والتجييش وصلت ذروتها حاليا، لا يمكن مواجهتها بأي طريق جانبي، زي مثلاً نقول نلتف حول السلام، لأنه  مختلف عليه وبين المدنيين، (مطالبات بإلغاء جوبا) ولا بالاتفاق الإطاري، لانه تم ترك أمر إصلاح المنظومة العسكرية للعسكريين، ولا تقدر عليها جهة بلا أداة ضغط جماهيري توازن قوة العسكريين، في تحليله لما يجري يمضي ضو البيت في إن الخطر الحقيقي الذي يقود للحرب هو غياب جبهة شعبية موحدة لتمدين الحياة والسياسة في السودان، بعد ما ظهرت، لكل ذي  بصر، مخاطر العسكرة والتجييش -المخطط لها من الثورة المضادة والمدعومة خارجياً- على كيان الدولة المجتمع، هي المدخل المناسب لوحدة قوى الثورة والقوى الديمقراطية، وفرصة أخيرة لإنقاذ ما تبقى من كيان الدولة والمجتمع في السودان.. فإن ما يقرب البلاد من الحرب هو غياب الجبهة المدنية الرافضة  لها وليس أصابع العسكريين القريبة من  فوهات البنادق.

خلاصة  الموضوع

نهاية الأمر تبدو المواجهة قريبة بين المكونات  العسكرية  رغم أن البعض  يشير الى أن ما يجري غير حقيقي وأنه محض تكتيك  من المكون العسكري بطرفيه من أجل الإمساك بأطراف العملية السياسية وتوجيهها بحسب تصريحات للحزب الشيوعي  ولحزب البعث العربي الاشتراكي، ورغم أن الكثيرين يستبعدون المواجهة لأن مصير المكون العسكري وقياداته  مرتبط ببعض،  وأن المجتمع الدولي من شأنه أن يوقف أي محاولة هدفها أن تؤدي بالأوضاع للانهيار المتسارع  في السودان وتأثيرات ذلك على مجمل المنطقة.

وفي تصريحات متتابعة يرفض العسكر في جانبيهم  المواجهة المرفوضة أيضاً من قبل مركزي الحرية والتغيير،  ويقدم  مناوي روشتة إبعاد شبح الحرب عن العاصمة السودانية، ويرفضها الشارع الذي خرجت فيه لجان المقاومة في موكب أمس اختارت له عنوان “نهاية المهزلة” لكن في المقابل أن كل من يرفضون الحرب الآن هم أنفسهم الذين يوفرون البيئة المناسبة لاشتعالها من خلال اهتمامهم بما هو تكتيكي على حساب ما هو إستراتيجي، ومن خلال استقواء المدنيين في معاركهم السياسية بحملة السلاح، ومن خلال  انتشار السلاح والكم الهائل من الحركات  التي وقعت اتفاقيات سلام دون ترتيبات أمنية، ومن خلال  انتهاج الأقاليم نهج تكوين المليشيات المسلحة من أجل الحصول على الحقوق أو مقاومة اتفاقيات السلام  التي انتجت حروباً على وشك الاشتعال، يقول مراقبون وبالطبع ينفتح الواقع على مجموعة من السيناريوهات.

 

شارك الخبر

Comments are closed.