دمج الجيوش في واحد.. هل تعرقلها العقيدة العسكرية؟

الخرطوم: سارة إبراهيم

جدل كثيف متعاظم ومخاوف جمة تكتنف الخرطوم إزاء تعدد الجيوش، ونوايا قادتها في ظل التعقيد السياسي الماثل بين رافض للتسوية والاتفاق الإطاري، وبين المؤيدين له والموافقين عليه والمدافعين عنه.. الجدل ارتكز على هوية عقيدة الجيوش التي تمتلئ بها الخرطوم.

 

سؤال المفاهيم.. جدل التعريفات والمصطلحات

خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الإستراتيجية، دكتور أمين إسماعيل مجذوب، يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى إن هناك خلطاً كبيراً في تعريف مصطلح العقيدة العسكرية، منوهاً إلى ضرورة تعريفها لأنها نوعان، فهناك عقيدة عسكرية متمحورة في لماذا نقاتل؟! وأضاف: “الإجابة هي العقيدة، فإذا كان الغرض التوسع ونأخذ أراضي أو نسترد أراضي من دول مجاورة تصبح عقيدة عسكرية هجومية، وإذا كنا ندافع عن أراضينا فقط فهي عقيدة عسكرية دفاعية”.

وكشف مجذوب عن أن هناك عقيدة قتالية، وهي تعني كيف نقاتل؟ وهي تحدد العقيدة القتالية، وطريقة القتال سواء كان بفرق أو أفواج أو نظام خطوط دفاعية، أم باستخدام الطيران، وهي العقيدة القتالية. وزاد أن ما يتحدث عنه الجميع عقب ثورة ديسمبر المجيدة، هو معني بأيدولويجيا التوجيه المعنوي الموجودة لدى الجيوش، وهي التوجه العقائدي للجيش المعين، مثلاً نظرية الجيش الثوري الإيراني، حزب الله، الجيش الإسرائيلي، عقيدة يهودية ودينية فارسية وهكذا، وإذا كانت هناك جيوش آيدولوجية في السودان.

وأضاف مجذوب من الضروري إجراء تدريب ومحاضرات لتغيير الآيدولوجيا الخاصة بالتوجيه المعنوي الموجودة في أي واحدة من القوات النظامية. ونفى وجود جيوش متعددة في السودان، مؤكداً وجود جيش واحد هو القوات المسلحة، بالإضافة إلى وجود مليشيات “الدعم السريع والحركات المسلحة”، مشيراً إلى أن الدعم السريع قوى أنشئت لأغراض محددة في مكان معين لمهمة محددة، وهي مقاتلة الحركات المسلحة في دارفور، والحركات المسلحة أنشئت ضد النظام السابق بسبب التهميش وغيره، مؤكداً أن “المليشات” ليس لها عقيدة قتالية وعسكرية كالجيوش، بل لديها منفستو يضم أدبيات الحركة، ولماذا أنشئت وأهدافها، وإلى ماذا تريد أن تصل؟ وهو يختلف عن الجيوش.

 

تجارب استيعاب سابقة.. جوبا في الميزان

وأشار أمين إلى التجربتين اللتين حظي بهما السودان لاستيعاب الجيوش خاصة بعد اتفاقية أديس أبابا في 1972م، حيث تم إدماج وإعادة تسريح “أنانيا ون”، وتم تكوين كتائب وقوات قابلة للتنقلات من وإلى، وتم دمج “انانيا ون” بصورة ممتازة، وتجربة نيفاشا بعد اتفاقية السلام 2005م تم دمج قوات الحركة الشعبية في وحدات تحت ما يعرف بالقيادة المشتركة المدمجة، وكان هذا نموذجاً ناجحاً للغاية ــ على حد وصفه. وزاد أنه من السهولة جداً دمج الملشيات في الجيش النظامي الموجود في الدولة، سواء كان في السودان أو أي دولة أخرى من السهولة جداً، لكن التعقيد الموجود الآن هو خطأ المفاوضات في جوبا، حيث لم يتم تحديد الأعداد، ولم يتم تحديد مكان التجميع، وبالتالي ظهر ما يسمى بالغش في التجنيد، والتجنيد العشوائي، وبالتالي زادت الأعداد، وما يزال رؤساء الميليشات والحركات المسلحة يعملون في مناصب عليا بالدولة، ويستلمون مرتباتهم من الدولة، واستدرك: “لكن العدد الصحيح غير معلوم وهو خطأ كبير من أخطاء اتفاقية جوبا، بجانب عدم تحديد أماكن التجميع وحصر القوات، مما أدى إلى دخول بعض القوات إلى المدن، وحدوث بعض التجاوزات واستخدام السلاح تجاه المواطنين هذه أمور أمنية أخرى.

واعتبر المجذوب أنه بالنسبة للدمج لا توجد مشكلة، ولكن يجب أن ينفذ بالطريقة المُثلى، يتم تجميع الأفراد في مناطق محددة ومراجعتهم وحسابهم بدقة، والتأكد من شخصياتهم، وحصرهم من ناحية أمنية، وليس كل شخص يمنح رتبة، وذكر أن هناك سبعة شروط خاصة بالاستيعاب بالقوات النظامية ككل، الرغبة، العمر، اللياقة البدنية، الحالة الذهنية والصحية والقراءة والكتابة وهكذا، وهي شروط لازمة للاستيعاب ومن يرغب بالتسريح يتم إعادة إخراجه للحياة المدنية وتمليكه وسائل إنتاج، وتنتهي هذه المسألة في غضون عام إلى ثلاثة أعوام، وليس هناك تعقيد في مسألة العقيدة والمنفستو، ولا وجود مفاهيم سابقة في أذهانهم، فطالما تم إدراجه ضمن القوات النظامية وتحت القانون العسكري أو الشرطة أو المخابرات العامة، ويتم التدريب من أول وجديد ويصبح عسكرياً موجوداً يعمل وفقاً للقانون الذي يتبع له في القوة، ومسألة ماذا كان يعتنق ليست بالخطورة ومسألة مقدور عليها، لأن الفرد لن يكون بمفرده ليمارس ما اعتاد تنفيذه سابقاً، وهي مسألة فنية دولية تسمى (الدي دي آر) تشرف عليها الأمم المتحدة والسودان لديه تجارب سابقة.

 

من رحم الجيش.. ماذا قال الناطق الرسمي؟

ومن ناحية فنية يرى الناطق الرسمي للقوات المسلحة، العقيد نبيل عبدالله، أن عملية دمج الدعم السريع أسهل، مبيناً أن قوات الدعم السريع بالأساس خرجت من رحم القوات المسلحة، ونشأت تحت إشراف ضباطها، ويضم الدعم عدداً كبيراً من الجنود السابقين في القوات المسلحة والشرطة، وبه كذلك عدد كبير جداً من ضباط الجيش الذين تم انتدابهم لهذه القوات.

وقال نبيل في حديثه لـ”السوداني” إن الجيش السوداني له تجارب سابقة مميزة وناجحة في هذا المجال مثال دمج قوات الأنانيا عقب اتفاقية 1976م. ومسألة الدمج هذه عملية لها أسس وقواعد معروفة تتقنها الجيوش الوطنية والتدريب ثم الاستيعاب أو الدمج يتم بطريقة منهجية يكتسب خلالها هؤلاء المقاتلون عقيدة الجيش السوداني بكل سلاسة؛ لأن التدريب نفسه يقود إلى ذلك، وأشار إلى أن عملية الترتيبات الأمنية تجري الآن للحركات الموقعة على اتفاقية سلام جوبا، وتم تخريج عدد من قوات الحركة الشعبية بعد اكتمال تدريبهم وتحولوا إلى جنود حقيقيين.

وفي السياق ذاته، قال الناطق العسكري لحركة العدل والمساواة، العميد جمال حامد، إن هنالك نصوصاً واضحة في برتوكول الترتيبات الأمنية توضح كيفية الوصول إلى جيش وطني موحد ذي عقيدة عسكرية وطنية تستطيع عبرها أن تحافظ على سيادة ووحدة السودان وحماية مكتسباتها.

 

ماذا قالت الحركات المسلحة؟

ويبدو أن هناك اتفاقاً حول الرؤى لدى الحركات الموقعة على اتفاقية سلام جوبا بضرورة وجود جيش موحد، حيث يقول الناطق العسكري لحركة جيش تحرير السودان، رائد أحمد حسين مصطفى، إن عملية دمج الحركات المسلحة مرتبطة ببرتوكول الترتيبات الأمنية الموقعة في اتفاقية جوبا لسلام السودان، مشيراً إلى أن عدم تنفيذ الاتفاق له تأثير على تنفيذ البرتكول بجداول واضحة بعد شهر من توقيع الاتفاق، وحسب نص البرتكول أن تكون قوى مشتركة لحفظ الأمن في دارفور، وهي معنية بحماية المدنيين، وقد تم تخريج الدفعة الأولى من معسكر جديد السيل بالفاشر، وهناك دفعة مكملة للدفع لأن الأولى قاربت على التخريج.

وأشار أحمد حسين إلى أن القوى مكونة من حركات الكفاح المسلحة والأجهزة الأمنية والعسكرية بالحكومة مناصفة بين القوتين، وزاد مصطفى أن القوى المدربة سيتم نشرها في القريب لتقوم بمهامها في حفظ الأمن وحماية المدنيين في إقليم دارفور، لافتاً إلى أن دمج القوى سيتم عبر مراحل منها تكوين القوى، وقطعت شوطاً كبيراً ثم إصلاح المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية منصوص عليها في البروتكول، ولفت إلى ضرورة أن تستوعب إدارة المطبخ العسكري كل مكونات الشعب السوداني، وأن تتم جراحة عميقة وبناء عقيدة عسكرية جديدة، وقال إن الحركة تهدف بنهاية المطاف لتكوين جيش وطني مهني قومي موحد يستطيع أن يحمي دستور البلد وسيادته ويحمي المواطن والحدود، نرغب في بناء جيش نساهم فيه جميعاً من أجل الحفاظ على أمن البلاد، وذكر أن هناك خللاً في المؤسسة العسكرية يجب أن يعالج، وأن العلاج غير ممكن إلا عبر تنفيذ برتكول الترتيبات الأمنية الموقع عليه، وهو لبنة لبناء جيش وطني موحد.

 

أولوية الرغبة وصدق النوايا

ويمضي المقدم (م) الطيب حسن الزاكي (المالكابي)، إلى أن الفترة الزمنية تقارب الـ20 عاماً، التي مرَت بها قوات الدعم السريع لا تعد سبباً لاستحالة الدمج، ويرى أن عملية الدمج تسبقه إجراءات، وأنه يتعلق برغبة الأفراد كأولوية في الأمر، بعد صدور أمر قانوني بذلك، ويليه سلسلة أخرى من الإجراءات المتعلقة بالجيش والدعم السريع في آن واحد، واستطرد قائلاً فيما يتعلق بالدعم السريع يجب حصر عدد الأفراد والضباط وضباط الصف والجنود، ومن ثم إخضاعهم لتأهيل فني وتدريبي، وأشار إلى وجود إجراءات لوجستية أخرى ليست لها علاقة بالجيش ولا الدعم السريع.

ويذهب اللواء ركن متقاعد، دكتور عامر محمد الحسن، خبير عسكري، إلى أن عملية دمج الدعم السريع كقوات مدربة وجاهزة أسهل ما يكون إذا ما ابتعدت الطموحات العشائرية والسياسية عن القيادة، معتبراً أن هذه القوات لن تكلف خزينة الدولة الكثير من الأموال لإدماجها بعد إسقاط قانون القوات المسلحة ولوائحها في عملية الاستيعاب للأفراد والضباط وضباط الصف، وأضاف أن صدق النوايا وتغليب مصلحة الوطن وترتيب الأوضاع القابلة للانفجار لما لا يحمد عقباه يصبح القاسم المشترك فى تنفيذ هكذا دمج للدعم السريع، وهنا أعني قادة عسكريين وسياسين من الفاعلين في الساحة السياسية الراهنة لمن يستخدم هذه القوات شديدة الخطورة بوضعها الحالي كورقة لعب لتحقيق مصالحهم السياسية الضيقة، أما عملية الترتيبات الأمنية للحركات المسلحة أمر لا يقل أهمية لأمن البلاد من عملية الدمج للدعم السريع، وهو رهين فقط بتوفير القدرات والإمكانيات المادية كمتطلبات الفصل الأول من ميزانية القوات المسلحة بتعاون من وزارة المالية، بالإضافة لمتطلبات التدريب كاملة، وقال إنهم أبدوا كثيراً جاهزيتهم لهذه الترتيبات لضمان تفرغ قادتها لممارسة العمل السياسي، وحتى نضمن ألا تكون هذه القوات ورقة ضغط ومجالاً للمناورات السياسية، فسرعة اتخاذ القرار في أمر هذه التشظيات للقوات الرصيفة للقوات المسلحة من دعم سريع وحركات مسلحة وقوات حديثة الميلاد خرجت من رحم الراهن السياسية أمر بالغ الأهمية للاسقرار السياسي والأمني واستمرار السودان كعلم بين الأمم، وأن لا يحيق به ما حاق بكثير من دول الشرق الأوسط والأمثلة كثر.

 

عقائد مختلفة.. دور للمجتمع الدولي والولايات المتحدة

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، محمد السماني، صحيح هناك عقيدة مختلفة لقوات الحركات المسلحة والجيش السوداني، ولكن هذه العقلية يتم معالجتها بإعطائهم جرعات تدريبية وفق عقيدة الجيش السوداني، حتى تتمكن القوات من أن يعملوا معاً في صف واحد بطريقة موحدة، وأشار إلى أن برتكول الترتيبات الأمنية من أهم الملفات باتفاقية جوبا للسلام السودان، حيث فصل الترتيبات الأمنية بشكل شامل من جمع القوات في مناطق التجميع إلى عملية الدمج والتسريح، وهي عمليات وفق سلسلة تمر بكل المراحل العسكرية، وقال السماني لـ”السوداني” إن للمجتمع الدولي والولايات المتحدة دور كبير في عملية الدمج والتسريح ولفت إلى أن مسألة العقيدة القتالية يتم توحيدها من قادة القوات المسلحة وهناك تقدم في تنفيذ الترتيبات الأمنية بالمنطقتين بنسبة تصل إلى نحو 80% من عمليات الدمج والتسريح وتم توزيع القوات في وحدات القوات المسلحة وتعمل معها دون أن يكون هناك نوع من تمييز أو أي حالة من الفرضيات وكل المجموعات التي سيتم إدخالها المعسكرات سيتم دمجها بطريقة علمية وفقاً لأسس المؤسسة العسكرية سواء كان على نسق الاستاندر العالمي أو السوداني، وزاد: “أعتقد أن العملية ليس بها صعوبة دمج كبيرة بقدر ما هي عملية تحتاج للصبر والإرادة من كل الأطراف حتى تستطيع أن تحدد من هو داخل الجيش ومن يسرح.

 

 

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.