مستقبل الدولة السودانية في ظل الأوضاع الراهنة ومهددات البقاء

 

 

 

الخرطوم – مهند عبادي

تشكل العملية السياسية طوق نجاة سوف يقود البلاد نحو بر الأمان بحسب مؤيديها بينما تعتبر لدى بعض الرافضين شكلًا جديًدا للاستعمار ولدى آخرين فإنها تكرس السلطة في أيدي مجموعة صغيرة تعمل على إقصاء بقية المكونات والهيمنة على السلطة وغيرها من الاتهامات التي توجه صوب القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري، ومع وصول العملية السياسية إلى خواتيمها ، جاء تصعيد الرافضين بإطلاق التهديدات والتحذيرات من مغبة ما ستؤول إليه البلاد في حال التوقيع النهائي على الاتفاق وتشكيل الحكومة المتوقع وفقًا لمصفوفة العملية السياسية، وهي تحذيرات فتحت الباب أمام سيل من الأسئلة المتعلقة بمصير البلاد ومستقبل الدولة السودانية في ظل الأوضاع التي تعانيها حاليًا والمهددات الكبيرة فضلًا عن عوامل ومؤشرات فناء وبقاء البلاد، ويدعو مراقبون إلى أهمية استغلال الطاقة المهدرة في التشفي والتشظي لبناء أسس القيادة الجماعية التي تقود المجتمع السوداني نحو التحول والانتقال الذي يفتح تاريخًا جديدًا لهذا البلد ويحدد بوضوح أجندة ومطلوبات الانتقال وأن تكون القيادة عبر منصة يوفرها تحالف سياسي عريض قائم على أجندة وطنية خالصة تحمي مصالح الشعب ويعمل على إنفاذ مهام الانتقال ومطلوباته.

البروفيسور صلاح الدين الدومة المحلل السياسي يؤكد أن الاتفاق النهائي المنتظر توقيعه يعد مفتاحًا لتشكيل مستقبل السودان، والذي سوف يتشكل بما يحقق تطلعات الشعب السوداني رغم وجود الرافضين للاتفاق، واستبعد الدولمة في حديثه لـ” السوداني ” حدوث مواجهة عسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع وقال إن اشتعال الحرب أمر غير وارد وأن كل ما يثار حول الصدام مجرد تخويف، وأضاف لن تحدث لأسباب عدة أهمها أن من تبقى الآن من فلول ودولة عميقة لا يقاتلون وتابع هم “أجبن ناس” ومن كانوا يقاتلون بالإنابة عنهم قد انفضوا من حولهم. وأشار الدومة إلى أن الفلول كانوا خلال الفترة الانتقالية يستخدمون الدعم السريع، والوضع حاليًا اختلف فقد تم طلاق بائن بينونة كبرى بين الدعم السريع والفلول، وبذلك فقد فقدوا ذراعهم القوي في تخويف الناس، ولا توجد فرص عودة مرة أخرى للعلاقات بينهما، وأردف انطبق عليهم القول” من أعان ظالمًا سلطه الله عليه”. ويرى بروفيسور الدومة أن رفضة الاتفاق الإطاري لا وزن لهم جميعًا، وقال هنا علينا التأكيد على أن كل الرافضين يتحركون من مركز قرار موحد، فالحركات المسلحة والفلول وغيرهم تحركهم جهة واحدة، وأطراف السلام الرافضين أصبحوا مخلب قط في أيدي الفلول حاليًا. وشدد الدومة على أن كل هؤلاء لا وزن لهم وليس لديهم سند عسكري أو جماهيري أو ثوري أو قانوني أو اقتصادي أو محلي ولا إقليمي ودولي، وهم فقط يستمرون في التهويش والتخويف لا أكثر، ويستمرون في الجلبة والضوضاء، منذ فترة طويلة وهو أسلوب ربما قد نجح في وقت مضى ولكنه لن ينجح هذه المرة خاصة وأن حقيقتهم قد بانت وألاعيبهم لن تنطلي مرة أخرى بفكرة الشراكة الخداعية، ونبه إلى أن التهديدات التي أطلقوها مؤخرًا بحدوث الحرب والفوضى وإغلاق للشرق وغيرها من التهديدات مجرد تهويش وتخويف، ولفت الدومة إلى أن انسحاب الجيش من ختام ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، لن يؤثر والدليل أنهم سرعان ما أصدروا بيانات تؤكد التزامهم وعدم وجود خلاف مع الدعم السريع الذي فعل نفس الشيء وأصدر بيانًا أيضًا نفى فيه الخلافات، وأكد الدومة أن الحديث عن خلافات وعدم قبول البرهان بحميدتي وغيره لا صحة له وأنه في وقت سابق من الشهر الماضي اشترط بيان عن القوات المسلحة سحب قوة من الدعم السريع الى خارج العاصمة ولكن صبيحة اليوم التالي اجتمع البرهان وحميدتي بشكل طبيعي، وقطع الدومة بأن تصريحات قادة الجيش وواجهاته والدعم السريع الاثنين كثيرًا ما أشارت إلى أنهما وقعا على الاتفاق الإطاري باعتباره حلا للأزمة وبعد ضغوط مما يدلل على وجود جهة تتحكم في المشهد.

وأما بالنسبة للأستاذة إبتهال دبورة فهي ترى بأن ما يحدث الآن يحدد وبشكل كبير مستقبل الدولة السودانية بل وإمكانية ألا يكون هنالك مستقبل بالأساس؛ وتقول لـ” السوداني” إن المخاطر المحدقة بالدولة السودانية جسيمة، ولا يبدو في الأفق اتفاق أو تواطؤ على مشروع وطني يجنِّب البلاد خطر الانزلاق في هوة حروب أهلية أخرى، أو حتى نزاعات مسلحة تأكل مستقبل السودان.

وتشير إلى أنه ليس هنالك خيار سوى الذهاب إلى مشروع وطني، يجعل جميع السودانيين كافة تُعلي فيه المصلحة العامة على المصالح الشخصية أو الحزبية أو الأيديولوجية، ومن ثم تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة الدكتور عبدالله حمدوك تحديدًا، تعمل على إكمال المهمة الصعبة التي قطعها انقلاب ٢٥ أكتوبر والوصول إلى انتخابات شفافة ونزيهة بختام الفترة الانتقالية ثم بناء دستور يحفظ ويحمي حقوق الإنسان السوداني، وإصلاح مؤسسات الخدمة العامة ومواءمة كافة القوانين وفق الدستور الجديد.

والأستاذة سحرالجزولي المتحدث الرسمي والسابق وعضو لجان مقاومة الكلاكلة أبو آدم ترى أن ما تعيشه البلاد في الوقت الحالي من تعقيدات بالغة لا تنفصل عمَّا ورثته من قضايا شائكة وعالقة ولها جذور ظلت تعاني منها البلاد منذ الاستقلال، وتقول إن ثورة ديسمبر ورثت دولة مفككة واقتصادًا منهارًا وغيابًا تامًا للقانون وفسادًا مستشريًا بسبب ممارسات حزب المؤتمر الوطني الذي كان يعمل لنفسه فقط وبعيدًا عن مصالح الشعب والبلد. وشددت سحر على أن بناء الدولة يحتاج إلى سنوات طويلة وتوفر الإرادة الوطنية وهو ليس بالأمر اليسير الذي يمكن تحقيقه في عامين أو ثلاثة. وأضافت في 2019 كانت الأحلام كبيرة لبناء الدولة والروح كانت عالية بفضل الثورة وما أفرزته من واقع وتكاتف وبدأت “ح نبنيهو” وجميع الناس كانوا يأملون بالنجاح وبناء الوطن ولكن كل تلك الآمال اصطدمت بواقع مزرٍ واتضحت حقيقة واحدة مفادها أن البناء أمر كبير وأنه مسؤولية الشعب كاملًا ولا ينبغي أن تقتصر على الأحزاب أو الجيش أو الشباب والثوار فقط وللوصول إلى ذلك الهدف لا بد أن يعمل الجميع من أجله بمختلف فئاتهم وتصنيفاتهم وقطاعاتهم ولا بد أن يقوم أي شخص بدوره تجاه البلد. وأكدت سحر أن الشباب حاليًا ينظرون إلى الاتفاق الإطاري بأنه الحل المتاح أمامهم في ظل الضائقة التي تعيشها البلاد، ورغم وجود الهواجس والمخاوف من إمكانية تكرار الانقلاب إلا أن الإطاري يعتبر بداية جيدة للمضي نحو الديمقراطية وبناء الدولة. وقالت يسعى الشباب لدعمه والاستفادة منه رغم المخاوف الموجودة للمضي به للأمام خاصة وأن الناس كافة تنتظر الفرج في الوقت الراهن. وأشارت سحر إلى أن القضايا التي نوقشت في ورش عمل الاتفاق الإطاري تشكل فيها مسألة تعدد الجيوش أكبر مشكلة تواجه البلاد وأكدت إذا كان دمج الجيوش سوف يقود إلى تشكيل جيش وطني واحد فإن ذلك سيكون أكبر مكسب حققته العملية السياسية، ومساهمة كبيرة في بناء الدولة الذي يمكن أن يتحقق بعد خروج الجيش من الاقتصاد والسياسة وإتاحة الفرصة أمام الحكومة المدنية لبناء الدولة. وشددت سحر على ضرورة اتخاذ خطوات جادة من كل الأطراف المدنية والعسكرية لإزالة الهواجس وإتاحة الفرصة كاملة للحكومة المقبلة وتمكينها من قيادة البلد نحو الديمقراطية، ونوهت أن هناك مخاوف من إمكانية تكرار أخطاء القوى المدنية مرة أخرى بالحكم، وهو ما يعد واحدًا من التحديات التي تحتاج إلى جهد للتغلب عليها. وحذرت سحر من خطورة نشاط حزب المؤتمر الوطني المحلول، واستخدامه للقبلية والجهوية ومحاولاته المستمرة لإفشال العملية السياسية، وقالت هذا الحزب ليس لديه حدود ويمكن أن يفعل أي شيء لتعطيل العملية السياسية. وشددت سحر على أهمية تضافر جهود كل الشعب السوداني حتى تمضي البلاد إلى الأمام والعمل والوعي بأهمية تحقيق ذلك وتجاوز مرحلة الآحلام، مؤكدة أن الأمر ليس صعبًا ولكنه يحتاج الى إيمان بضرورته والبدء في بناء الفرد ثم المجتمع ومن ثم الدولة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك الخبر

Comments are closed.