عثمان الدقير يكتب بالحبر الأسود عن رحيل المريخي الجميل والرياضي الأصيل والقريب والحبيب للنفس مصطفى توفيق… للقصة بقية

 

* نزلت علينا كتاباً جميلاً.. ولكننا لا نجيد القراءة.. وسافرت فينا لأرض البراءة ولكننا ما قلنا الرحيلا.. لماذا قبلت المجئ إلينا؟ فمثلك كان كثيراً علينا.. لماذا ظهرت بأرض النفاق لماذا ظهرت؟ فنحن شعوب من الجاهلية.. ونحن التقلب ونحن التذبذب والباطنية.. نبايع أربابنا في الصباح ونأكلهم حين تأتي العشية.. قتلناك.. يا جبل الكبرياء.. وآخر قنديل زيت يضئ لنا في ليالي الشتاء.. نفضت غبار الدراويش عنا.. أعدت إلينا صبانا.. وسافرت فينا إلى المستحيل.. وعلمتنا الزهو والعنفوانا.. ولكننا حين طال المسير وطالت أظافرنا ولحانا.. قتلنا الحصان.. فتبت يدانا.. أتينا إليك بعاهاتنا وأحقادنا.. وانحرافاتنا إلى أن ذبحناك ذبحاً بسيف أسانا.. فليتك في أرضنا ما ظهرت.. وليتك كنت نبئ سوانا.

غيب الموت بالأمس القريب رجلاً ولا كل الرجال أدباً وأخلاقاً وتواضعاً، عاش حياته كلها متوسط الجماهير بمختلف الألوان والانتماءات رغم عشقه للأحمر الوهاج إلا أن الفقيد يملك قلبا كبيرا يسع الجميع، عرفناه متواضعاً، شديد التواصل مع المنتمين للوسط الرياضي لا يتأخّر من أداء الواجب في وقته وحينه ولهذا سطع نجمه بين العمالقة الذين تعاقبوا على إدارة المريخ التنفيذية، ففيها تقلد منصب المدير الإداري ومدير الكرة والمدير التنفيذي لدورات ودورات، قدّم من خلالها عطاءً وافراً سيبقى حاضراً في وجدان المجتمع المريخي.. يا للفواجع التي أضحت معنا ترافقنا كالظل، فقد طاب لها المقام.. نصبح بوجع ونغفو بدموع بللت الوسادة وها هم العظماء يمرون من هنا، وددنا لو أنّ المجتمع المريخي كله قد شد السواق وساروا سوياً بقلوب صافية لملامسة أشواق وآمال وتطلعات شعبي المريخي الأسمر.. ولكن ما هممنا للنهوض أناختنا الفواجع وعطّلت تقدمنا.. ما لهذه الجروح تتسع ولكنها ستندمل يوماً من الأيام يرونه بعيداً ونراه قريباً.. وددنا لو عاش معنا وبيننا حيناً من الدهر، لأننا أحببناه، التقينا معه في حب المريخ الوطن ولكنه اختار حياة الخلود.. هي إرادة المولى ولا راد لقضائه.. رحل العزيز مصطفى توفيق الإنسان البسيط والعفيف الظريف في وقت وددت أن يبقى معي ليحمل معي الدنيا بحرفه الندي وطاقته الإيجابية وعشقه اللا محدود لإنجاز كل المهام التي تُوكل إليه بحب نادر لا يعرف كلمة اسمها المستحيل، قادر على الدوام على طرق كل الأبواب الموصدة بشجاعة لإنجاز الملفات المريخية.. بقول غنوات وفي الولد البال ضرعاتو في العرضة ويطير في الدارة صقرية ولو السمحة تلت ايد مدت جيد يقوم شايلاه هاشمية.. سألتك بالذي ركز الأرض معبدا وسوي الناس عليها مقاما.. سألتك بي حجا الأمات ودعواتنا.. سألتك بي كبيداتن.. ودمعاتنا.. مصطفى ويييين راااح.

اجتهدت من أجل التقرب إليه في تلك الأعوام السمان نضارة وأناقة وصولجاناً حتى ننهل من علمه وخبرته الطويلة وحبه للأحمر الوهّاج.. ولكنه للأسف غادرنا خلسةً، ودّعته عبر الهاتف قبل السفر براً إلى القاهرة وقبل الوصول إليها وتحديداً عند تواجده بأسوان على أمل لقاء قريب بعد الوصول.. فكان رده على شن عندي ليك أنا يا وطن غير القصيدة الشابي فزعها في الشموخ.. هادي الحروف الغنتك وكتين تناهد روحي بين همي العليك.. وان توقفت أناملي وجف حبر القلم سيبقى الفقيد الحاني مصطفى توفيق فينا أبداً ما حيينا بوجهه الصبوح بسمة صافية كصفاء قلبه والنيل والجروف.. نعم ودعنا ليلة أمس الأول مصطفى الإنسان الذي لقب بجرش وصفصف، بعد صراع مع المرض ورغم الآلام التي حاصرته إلّا أنّ الفقيد مصطفى توفيق ابن النيل ظل صابراً وصامداً كنخيل الشمال كعادته إلى أن لقي ربه راضياً مرضياً.

عطاء الحبيب مصطفى لم ينحصر فقط بالمريخ، بل امتد ليشمل الاتحاد العام لكرة القدم، حيث حظي بدعم خرافي ومطلق من جميع الأندية وهو يتولى قيادة مكتب العلاقات العامة بالاتحاد العام لأعوام خلت، تشكّلت فيه شخصيته الإدارية، ولمع نجمه، وذاع صيته بين الكوادر البارعة في تطبيق المنهج التنظيمي العلمي المدروس القائم على المؤسسية، وبعد أن قدّم نفسه خرج من مقر الاتحاد القديم مرفوع الرأس، متوجهاً لعشقه الخرافي المريخ لأداء ضريبة الانتماء، وبالفعل قُوبل الفقيد بحفاوة بالغة من الجميع بلا استثناءٍ، لأنهم اتفقوا على براعته وكفاءته النادرة وطوال هذه الفترة النضرة التي أمضاها فقيدنا الغالي والحبيب مصطفى توفيق تمت أكبر وأضخم عملية تأهيل قائم على هيكلة المكتب التنفيذي.. من الصعب على إيفاء الراحل حقه وقدره، فقد كان هيِّناً، ليناً، أياديه امتدت بالخير العميم للأهل والأصدقاء والمعارف بلا استثناءٍ، ولهذا بكاه الرجال بمنزله العامر، رغم أنّ الوفاة كانت بعيداً عن وطنه وداره العامرة، والذين حضروا الرحيل ورافقوا الجثمان من المستشفى، حيث حُمل على الأعناق لمثواه الأخير بمقابر أسوان، كلهم جاءوا مُسرعين من أجل إلقاء نظرة الوداع ولسان حالهم يردد لن ننساك أبداً ستبقى فينا أبداً ما حيينا.. هناك جمال الوالي يجلس منفرداً يبكي أحد الأبناء الأبرار الذين عملوا معه بتجرد وصدق من أجل رفعة العشق المريخ.. وهناك كل الأعضاء الذين مروا على عضوية المجالس بالانتخاب والتعيين يحاولون مسح الدموع المنهمرة.. أما أنا أتضرّع للمولى و أسأله أن يتقبّل عبده الصالح مصطفى توفيق قبولاً حسناً مع الصديقين والشهداء والصالحين بقدر ما قدّم وأعطى.. شخصياً سأظل اعتز وافتخر بعلاقتي بالفقيد القريب إلى القلب.. عرفته عن قرب، وجدته إنساناً نظيف الدواخل، نقي السريرة، متسامحاً ومتصالحاً مع الجميع، تشاورنا وتزاورنا، أصبحنا بعدها أصدقاءً على مستوى الأسر، هو من أنهى الجدل الدائر في ذاك اليوم المشهود بمستشفى الأطباء عندما رُزقت بمولودة وعلت الأصوات وارتفعت الأنفاس داخل الغرفة، حضر حينها بكامل أناقته ووسامته والابتسامة تكسو وجهه الصبوح، وعندما علم أن الخلاف محتدمٌ حول اسم المولودة قال خلاص تسموها (لنا)، وبالفعل هدأت الأصوات تماماً وقبل الجميع بما جادت به قريحة درش الذي ارتبط بعد ذلك بعلاقة قائمة على روح الأب لابنتي لنا، وسنظل نحفظ تلك الكلمات التي كان يقولها عند زيارته لنا بفرح وبهجة وسرور لا مثيل له.. تقدل طفلة حلوة وبين إيديها كتابا.. والمحبوبة تمسح بالحنين أكوابا.. القمرية تصدح تستريح دبابة.. والقطر القبيل يمشي ويشق الغابة البالمبو يفتح للقلوب أبوابها.. والنقارة زي ام كيكي والربابة.. وطلع من بيتو كان مجبور بعد صبح خاطر الوطن مكسور.. هو ما لاجئ طلع من بيتو متفاجئ مرق من جلدو بس ناجي.. طقش بالغم وريحة دم.. دعا ربه يفرج الهم.. دعا ربه البلد تنجم.. خلا وراه ألف ندم والفين هم وشاف الأمن والعافية أهم نعم.. تاني قام واحد جميل من وطنا ماااات.

التعازي لعموم الأسرة المريخية التي أفجعها نبأ رحيل الدرة مصطفى توفيق الرطاني الحقاني.. وأعزي نفسي كذلك لأنّ فقدي للغالي مصطفى كبير وعزيز ولأسرته الصغيرة المكلومة والمصدومة في وفاة العميد والقلب النابض بالحب والحياة.. ورغم فقدهم الجلل سيصمدوا مقصدهم وغايتهم الأولى السير قُدماً في نفس الطريق الذي رسمه لهم والدهم طوال حياته العامرة بالتجرد والنبل والصدق من أجل تقديم كل ما يملكه من طاقة في خدمة الناس عموماً وبصفة أخص عشقه الأول والأخير مريخ الروعة و الجمال.. اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقِّه من الخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس، واجعل اللهمّ البركة في ذريته وألهمهم الصبر والثبات.. والتعازي موصولة لإخوانه وعموم أهل المريخ الذين فقدوا رجلاً ولا كل الرجال.. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين…

اتحكر فسيح أحزاني.. فسح عيدو.. كيف ما أريدو.. كيف ما أريدو….

 

* نائب رئيس المريخ الأسبق

الأربعاء ١٦ أغسطس ٢٠٢٣ القاهرة

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.