الخبير الدبلوماسي السفير عبد المحمود عبد الحليم يكتب: قراءة في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار غزة

في أعقاب أربع جولات تصويت فاشلة بمجلس الأمن بشأن غزة وعجز بين ظللته سياسات ازدواج المعايير انتقل الحراك الدبلوماسى للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعوزها القوة الإلزامية حيث كان عليها إتخاذ قرار حول مشروع قرار قدمته الأردن التى تتولى حاليا رئاسة المجموعة العربية وكان السودان مع أكثر من أربعين دولة تبنت المشروع co -sponsors والذي تدعو أهم فقراته إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة تؤدى إلى وقف الاعمال العدائية.

بدأت عملية التصويت بطلب كندى لإدخال فقرة تتضمن إدانة مباشرة “لهجوم حماس فى ٧ أكتوبر والإفراج الفورى وغير المشروط عن الرهائن المحتجزين”، وقد فشل التعديل فى الحصول على أغلبية الثلثين المطلوبة حيث نال ٨٨ صوتا مع معارضة ٥٣ وامتناع ٢٣ وفدا عن التصويت.

بإجراء التصويت على مشروع قرار الأردن العربى نال القرار تأييد ١٢٠ صوتا ومعارضة ١٢ وامتناع ٤٥ عن التصويت من بينهم العراق الذى عدل موقفه الى تأييد لاحقا وتونس.

ولئن عكس تصويت الذين صوتوا ضد المشروع عزلة الولايات المتحدة وإسرائيل حيث لم تساندهما في الرفض إلا بعض وفود ومجموعة جزر درجت على التصويت مع واشنطن في مشروعات مماثلة كقرار رفض الحصار الامريكى ضد كوبا الذى ينال عادة أصوات مايقارب الجمعية العامة بكاملها فقد تلاحظ كبر عدد الدول الممتنعة عن التصويت (٤٥) ومن بينها مجموعة دول مؤثرة.

وربما توقع البعض أن يكون عدد الدول المؤيدة للمشروع أكثر من ال ١٢٠ التي نالها حيث كانت الجمعية العامة قد صوتت باكثر من هذا العدد على مشروعات القرارات الغربية المنددة بالعملية الروسية في أوكرانيا، على أنه قد لفت النظر تصويت فرنسا وبلجيكا وأيرلندا وسويسرا والنرويج وإسبانيا لمصلحة القرار فى الوقت الذى استمر فيه تراجع الهند التي امتنعت عن التصويت (كانت الهند قد امتنعت عن التصويت أيضا ولم تساند السودان في مشروع القرار البريطاني بمجلس حقوق الإنسان) ويأتي الموقف الهندي إزاء مشروع قرار غزة ضمن سلسلة من التراجعات الهندية التي شهدتها فترة حكم حزب الشعب الهندي بهارتيا جناتا الحالية.

لفهم التصويت العراقي وتعديله لابد من الرجوع لقرار مجلس وزراء الخارجية العرب الطارئ بالقاهرة والذي سجل العراق تحفظه عليه لوجود فقرات قال الوفد العراقي أنها تساوي بين الضحية والجلاد وربما كان العراق ينتوي الاحتفاظ بذات التحفظ في نيويورك أيضا فامتنع عن التصويت إلا انه قرأ سريعا أن الدول التي كان لها تحفظات مماثلة بالقاهرة مثل الجزائر قد أيدت مشروع القرار العربي رغم تحفظات كان منطلقها تقوية النص فأعلن تعديل التصويت إلى تأييد، ومسألة تعديل التصويت على النتيجة التي تظهر باللوحة الإلكترونية ممارسة عادية وتتكرر كثيرا، أما تونس فقد تمسكت بتحفظها المماثل في القاهرة والذي أصدره رئيس الجمهورية شخصيا.

خمس دول أفريقية امتنعت عن التصويت وهي جنوب السودان وإثيوبيا والكاميرون والرأس الأخضر وزامبيا، هذه أخبار غير سارة للقمة العربية الأفريقية التي ستعقد بعد أيام قلائل بالمملكة العربية السعودية وسوف يكون موضوع غزة أحد قضاياها، حيث يشكل التأييد الأفريقي للقضية العربية أحد مرتكزات التعاون الرئيسية.

صيغة التعديل الكندي كانت حادة في اشارتها لما أسمته بحماس الإرهابية وواضح أن كندا كان يهمها إظهار دعمها لإسرائيل أكثر من حرصها عل تقديم تعديل متوازن يحظى بالقبول حيث كان من الممكن تخفيف صيغة التعديل بالتركيز على سلامة المدنيين من الجانبين وهو ماورد بالفعل في قرار مجلس الجامعة العربية بالقاهرة وكان يمكن لتعديل مخفف أن يجد القبول من الجمعية العامة، ولكن كندا عودتنا في سياساتها الشرق أوسطية وفي ترشيحها المتكرر وغير الموفق للحصول على العضوية غير الدائمة بمجلس الامن أنها تأتي متأخرة دائما في قطار الثامنة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.