محيي الدين أحمد الهادي.. رحيل العُظماء

بقلم: العقيد الركن/ أحمد آدم عوض (د 35)

شارك الخبر

قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) الآية (155) سورة البقرة

 

جدلية الموت والحياة

* بين الموت والحياة جدلية عمرها من عمر الكائنات، رمزها التمسُّك بالحياة، ومحورها الموت المحسوم والمحسوب على الحياة التي بدورها محسوبة على الموت، الحياة تنتظر الموت والموت ينتظر الأمر، والأمر هو الوقت المحدد، والحياة هي الوقت الضائع.

 

* الحياة وقود الموت والموت حياة أخرى، ونحن حكاية في حياة ينتظرها الموت المحتوم، والموت جدار الحياة وسرها، والحياة تمارس الموت في سبات الليل، والموت سراب في حياة حلمها الهروب من الموت دون جدوى.

يوم الأربعاء 17 يناير 2024 ليس كسائر الأيام، جاءنا الخبر في الصباح الباكر، محيي الدين أحمد الهادي مات، يا الله قلبي كاد أن يقفز من صدري، بكيتك يا محيو الجميل دمعاً سخيناً، إرادة الله هي الغالبة، نال منك المرض ما نال من جسدك، ولكنه لم ينل من روحك الطيبة، محيو الجميل نقطة مضيئة في فضاء حالك السواد، قرابة الستين عاماً مرت ما بين المولد والممات، الصرخة الأولى في القضارف (أبايو)، والإغماضة الأخيرة كانت في القضارف، التقينا قبل قرابة الأربعين عاماً، منذ تلك اللحظة عرفنا محيي الدين الإنسان، يمزج ما بين الجد والهزل، ما بين الصرامة والمرح، كان تقياً نقياً ورعاً باراً بوالدته، فقد توفي والده باكراً، كرّس حياته لوالدته حتى ماتت وهي ترقد على حجره، محيو الجميل قصة وحكاية ورواية، لن نستطيع أن نُعدِّد محاسنه وسجاياه الطيبة ولو امتلكنا ناصية الشعر والنثر، الكلمات تتقافز والعبرة تخنق الحلق والدموع تنسكب مدراراً، محيو الجميل شخصية يندر أن تجد لها مثيلاً، قهر المرض وقهر الظلم وداس عليهما، لا نريد أن نقول مات مقهوراً أو مظلوماً ولكنه مات راضياً مرضياً بأقدار الله وتسطيره، ارتقت روحه وترك سيرة عطرة تسابق الجميع لتسطيرها، نعاك الجميع، الكل يعزي ويواسي، فالفقد جلل والمصاب عظيم.

 

* نحن راضون بقضاء الله وقدره، سنفتقد الإنسان طيب القلب، نقي السريرة، دائماً يلقاك هاشاً باشاً، يهتم بالآخرين وبقضاء حاجاتهم على حساب نفسه، كنت ترتب لكي تسافر إلى القاهرة لتكملة العلاج، لكن أرض القضارف التي شهدت ميلادك لم تَرضَ إلا أن تحتضن جسدك الطاهر، فاذهب إلى ربك راضياً مرضياً. قال تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) سورة الفجر الآيات 27 _30.

*  تغمدك الله بواسع رحمته، وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وجعل الفردوس الأعلى منزلتك.

(إنا لله وإنا إليه راجعون)

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.