الغوث الإنساني في السودان.. هل يتم استخدامه في ميادين القتال؟!

تقرير: سوسن محجوب

مرة أخرى يجد المشتغلون في مجال الغوث الإنساني، إن عليهم التوجه نحو السودان، نداءات متكررة وبيانات وأرقام هي حياة الملايين الذين وجدوا أنفسهم فجأةً بلا أي شئ.. تقول أرقام الأمم المتحدة إن نصف تعداد السكان في السودان ـــ نحو 25 مليون نسمة يحتاجون للمساعدات الإنسانية وبصورة عاجلة، لكن ثمة مخاوف وشكوك حكومية من إعادة تجارب تقول إنها “غير حميدة” تتسلل خلالها وخلسة بين “مواعين الغذاء” ما يضر بأمنها، وتقول الحكومة إن لديها تجربة سابقة وموثقة في عملية (شريان الحياة) إبان حرب جنوب السودان. فهل تلك المخاوف حقيقة؟، وهل تم إدخال المساعدات الإنسانية إلى ميادين القتال. 

 

مخاوف بلا تسبيب

يفند رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف المحامي الصادق علي حسن تلك الدعاوى، ويقول لـ(السوداني) بأنها مخاوف لا تنبني على تسبيب موضوعي، فمثلاً؛ المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع حالياً وبصورة تكاد تكون تامة ولايات دارفور الأربع وهي غرب ووسط وجنوب وشرق دارفور، كما والولاية الخامسة شمال دارفور وعاصمتها الفاشر فعلياَ محاصرة منذ مدة، كذلك تضع قوات الدعم السريع يدها على ولاية الجزيرة وغالبية ولاية الخرطوم بخلاف تمدد ارتكازاتها في غالبية الطرق المؤدية إلى ولايات البلاد الأخرى.

 

عملية إحياء قرنق

ممثل السودان في عملية شريان الحياة ــــ وكيل وزارة الخارجية الاسبق السفير عبد الله الأزرق يؤكد في حديثه لـ(السوداني) حدوث تجاوزات كان شاهدها، ووصفها بأنها كانت عملية (خبيثة)، حيث كانت رئاسة عملياتها في نيروبي. ويقول: “كنت دبلوماسياً وأتاحت لي تلك التجربة الاطلاع عن كثب على مرامي تلك العملية والتي أضرت بالسودان.. كان جوهر أهداف تلك العملية إحياء حركة قرنق، بل تقويتها في مقابل الجيش السوداني؛ وكانت عملية متحيزة، بعيدة عن الطهر، رغم الادعاء أنها عملية إنسانية. كانت الأمم المتحدة والدول العربية تعتبرها وقتها كأكبر عملية إغاثة إنسانية في العالم، ميزانيتها نحو 225 مليون دولار في العام ويرجح انها ارتفعت في مراحل أخيرة إلى المليار من الدولارات، وتضم عشرات المنظمات؛ هذا غير المنظمات التي كانت تعمل (كِيري)”.

 

حدود مفتوحة لتشوين الدعم السريع

ويواصل رئيس هيئة محامي دارفور الصادق في حديثه لـ(السوداني)، إنّ قوات الدعم السريع ليست لديها عقبات في جلب السلاح؛ سواء عن طريق الحدود مع تشاد أو أفريقيا الوسطى أو ليبيا التي منها تتدفق السلاح، كما أن المحاور الإقليمية الداعمة للدعم السريع تستطيع حتى إدخال السلاح عبر الطيران إلى دارفور من خلال المطارات للأغراض الحربية وإدخال المؤن وإجلاء الجرحى. ويمضي: “لذلك هذا التبرير ليس له ما يسنده، البرهان وأعوانه قد تكون لديهم رسائل وأغراض أخرى من خلال المنع والتمسك به حتى تم إرغامه مؤخراَ على التخلي عن الممانعة”.

 

قوس قزح

ويقول السفير الأزرق إنه وبسبب فشل حكومة الصادق المهدي في إطعام الجيش وتموينه، قام وزير الخارجية الأمريكي، جورج برات شولتز بتهديد الصادق أن أمريكا ستتدخل بإنزال الأغذية من الجو دون موافقة حكومة السودان، فقبل الصادق صاغراً بعملية شريان الحياة، التي نصت اتفاقيتها على أنها عملية إنسانية ترعاها الأمم المتحدة وتقدم الطعام لطرفي الصراع “بحَيْدَة ودون تَحَيُّز”؛ وتقوم على إمداد الطعام عبر “ممرات آمنة”، وبحسب الأزرق، فإن الصادق أُخضع لضغوط هائلة للقبول بها، بعد رفضه للعملية السابقة المُسماة عملية “قوس قزح” Operation Rainbow في 1986، ويعتبر الأزرق عملية شريان الحياة انها عقد إذعان ‏ويزيد: “أول انتهاك صريح لسيادة السودان، وهكذا قعدت النخبة المُمسكة بأزمة الأمور وقتها بكرامة شعب، بقبولهم بالعملية”.

 

سِـلاح الطحين 

ويخلص القانوني الصادق إلى أنّه وفي واقع الحال حياة الإنسان في كل السودان وخاصة في دارفور صارت “رخيصة ومستسهلة”، ويضيف: “أعتقد الممانعة قد تكون من ضمن أسبابها محاولة إبراز وجود سيادة للدولة نفسها، والباحث قد يجد أنّ أجهزة الدولة تكاد تكون قد انهارت ولم يتبق سوى الهياكل الصورية.. الحرب الدائرة في السودان خرجت عن دائرة الطرفين المتحاربين، كما أنّ أدوات الحرب نفسها لم تعد محلية صرفة، المساعدات الإنسانية صارت من أدوات الحرب والحقيقة التي لا جدال حولها بأنّ الإنسان السوداني لا يكتوي بنيران الحرب وآثارها الكارثية فقط، ولكن صار يتعرّض للعقاب الجماعي من خلال استخدام وصول الغذاء وتأمينه ضمن وسائل وأدوات الحرب.

خفايا الصراع حول السماح بوصول المساعدات الإنسانية تكشف بأنّ من يديرون الحرب يفتقرون للمسؤولية الأخلاقية”!!

 

أمراء الجُــوع

يقول الأزرق زنّه من المعلوم العلاقة الوثيقة بين هيئة المعونة الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية، والتي تمت منذ إنشاء الوكالة في 1960م. وتجرى السيطرة على المنظمات الإنسانية عبر التمويل الذي تخصصه المعونة لها.

وفي السنوات الماضية، برز اتجاهٌ لمزيد من تقوية العلاقة بين المعونة والاستخبارات وأفرع النخبة في الجيش الأمريكي، وسُمي هذا التوجُّه بـ”عسكرة المعونة” بغرض تسريع التغيير للحكومات التي ترغب الحكومة الأمريكية في “قلقلتها”، وكتب عن هذا بتفصيل المؤلف «William Blum». ولعل أجود ما كُتب عن استغلال ما يُسمى “العمليات الإنسانية” هو كتاب “أمراء الفقر” Lords of Poverty” الذي ألّفه غراهام هانكوك؛ والذي فضح تحيُّز وفساد المنظمات، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة التي كانت تعمل في هذا المجال بمنطقة شرق أفريقيا، وشمل ذلك فساد عملية شريان الحياة ومحاباتها لحركة التمرد ومعاداتها للجيش السوداني وللشمال!!

 

 السلاح بدلاً من الغذاء

ويرى الأزرق أنّ المخابرات وثّقت تهريب منظمات، بينها منظمة ويرلد ڤيچن World Vision ومنظمة Norwegian Church Aid ومنظمة Christian Solidarity للسلاح لمتمردي الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د. جون قرنق، ومدهم بالعتاد العسكري؛ هذا غير المنظمات غير المسجلة رسمياً في عملية شريان الحياة، والتي كانت تتسلّل للجنوب من كينيا ويوغندا. ويضيف الأزرق: “شهدت وعايشت بنفسي تحيُّز موظفي الأمم المتحدة المُشرفين على العملية ضد السُّـودان”!!

 

بلا نزاهة أو شفافية

ويمضي ممثل السودان في عملية شريان الحياة: إنّ إدارة عملية شريان الشمال لم تكن “شفافة ولا نزيهة”، وكانت “محاباة حركة التمرد لُحمتها”، فحين نطلب غذاءً عاجلاً للسكان في مناطق سيطرة الحكومة، “يدخلوننا في مماحكات بيروقراطية”؛ تبدأ بإرسال بعثة تقصي الحقائق، ثم تعقبها بعثة عد المحتاجين؛ وتمضي بضعة أسابيع ليرسلوا لنا ما يكفي لبضعة أسابيع.

وكانوا أحياناً يتحجّجون بالادعاء أن مدينة من مناطق سيطرة حكومتنا مجرد حامية عسكرية لا مواطنين، وهم يعلمون أن ذلك ليس صحيحاً، لكنها تكتيكات المراوغة. وكانت الاستجابة للخوارج فورية!! وعادةً يقوم الخوارج باستقدام مواطنين من على بُعد 25 كيلومتراً ليحشدوهم ويكثرون بهم سواد الناس يوم عد المحتاجين. ولذا كانت تصلهم من الإغاثات ما يفيض عن الحاجة. ويأخذون هذا الفائض ويبيعونه في مدينة قولو اليوغندية؛ والخواجات يعرفون ويغضون الطرف!!

 

نصف السُّكّـان جَــوعى

وفي وقت سابقٍ، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إنّ 25 مليون شخص على الأقل يعانون نتيجة ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية في السودان، في ظل الحرب الدائرة هناك منذ أكثر من عشرة أشهر.

وأوضح المدير الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي في شرق أفريقيا مايكل دانفورد، أنّهم يواجهون فجوة تمويلية تبلغ نحو 300 مليون دولار خلال الأشهر الستة المقبلة. وأضاف أن معدلات الجوع وسوء التغذية الحاد في السودان ارتفعت منذ اندلاع الصراع، إذ يُعاني 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلاد، بينما يُعاني نحو 3.8 مليون طفل سوداني دون الخامسة من سوء التغذية.

 

شِرْيَانٌ جديدٌ

يقول الأزرق: “إنه لمن السذاجة الاعتقاد أن ما يسمى بالعمليات الإنسانية هي بالفعل إنسانية؛ لأنّ الحقائق غير ذلك، وقد تابعت منذ أشهر الحرب الأولى، انطلاق حملة قامت بها منظمات تتحدث عن مجاعة كُبرى؛ وكتبت أن وراء هذه الحملة أمرٌ، وربما كان تهيئة لعملية شريان حياة ثانية”، ويتابع: “المؤسف أن تلك النبوءة قد تحققت، إذ أعلنت كليمنتين نكويتا سلامي المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة أمس، أن الحكومة السودانية وافقت على دخول المساعدات الإنسانية إلى دارفور من تشاد عبر معبر الطينة الحدودي، ومن جنوب السودان عبر معبر الرنك الحدودي إلى كوستي بولاية النيل الأبيض، وأسفت أيضاً لمسارعة وزارة الخارجية بالموافقة، وهي حتماً موافقة جاءتها ممن هو أعلى”، ويشدد بقوله: “كان ينبغي على الخارجية أن تصمد في موقف معارض لخلق عملية شريان حياة ثانية؛ خاصةً أن لديها تجربة في متابعة عملية شريان الحياة الأولى؛ ويعلم كل مُتابع أنّ حملة خلق عملية شريان حياة ثانية، نشطت بعد انكسارات مليشيا (أولاد دقلو)، فكما أنقذوا حركة قرنق بالعملية الأولى، فإنهم يسعون لإنقاذ مليشيا (أولاد دقلو) عبر عملية شريان حياة ثانية ليُمكِّنوهم من رقاب السودانيين كَرّة ثانية”.

 

مراقبة دقيقة

وينصح الأزرق، السلطات بأن تتبع حزمة تدابير لمراقبة دخول المساعدات الإنسانية، بواسطة فرق سودانية لكل شاحنات وطائرات الإغاثة قبل وصولها إلى السودان، ومرافقتها، بواسطة عدد كبير من الموظفين السودانيين يتم تعيينهم خصيصاً لهذا الغرض، يحملون جوازات سفر دبلوماسية لتحصينهم. وينبغي أن يكون هذا شرطاً لا تنازل عنه.

 

ثمانية منافذ

وأعلنت الحكومة رسمياً موافقتها، استخدام مسارات لإدخال المساعدات للمتضررين في السودان عبر بورتسودان – عطبرة – مليط – الفاشر، مسار من جمهورية مصر العربية عن طريق البحر الأحمر بورتسودان، معبر وادي حلفا – دنقلا، مسار من جمهورية جنوب السودان بواسطة النقل النهري والطريق البري من الرنك إلى كوستي، فضلاً عن الموافقة على استخدام مطارات الفاشر، كادُقلي والأبيض في حال تعثُّر الوصول عبر الطرق البرية.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.