حرب المعابر والجزيرة المنسية

تقرير: سوسن محجوب

أعلنت وزارة الخارجية اليوم الجمعة، أن قوات الدعم السريع احتجزت شاحنات مساعدات إنسانية تتبع لمنظمة اليونسيف كانت في طريقها إلى مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور – غرب السودان. الوزارة أوضحت أن الدعم شرع فعلياً في تنفيذ تهديده بعدم السماح لمرور المساعدات بالدبة، حيث حشدت قواتها بالقرب من مليط لقطع الطريق على قوافل المساعدات الإنسانية عبر مسار الدبة – مليط – الفاشر، والاستيلاء عليها.

تبديل الخصوم والميدان!
ما قاله بيان وزارة الخارجية وما قاله نائب القائد العام للجيش، الفريق أول شمس الدين كباشي أمس في ولاية القضارف ــ شرق السودان، إنّ “منظمات الإغاثة الدولية لم توفِ بالتزاماتها ولم ترسل حتى الآن أي طائرة إغاثة”، يؤكد ان أزمة المساعدات الإنسانية لا تزال قائمة بين الحكومة والمنظمات الدولية وحتى وكالات الأمم المتحدة، من جانب، وبين الحكومة وقوات الدعم السريع من جانب آخر والتي اتجهت الآن إلى فتح جبهة قتال جديدة بدلت فيها الخصوم والميدان.

مزيد من التلكؤ
وليس بعيداً عن ما قاله بيان الخارجية اليوم وما قاله كباشي أمس، فقد أشار المتحدث الرسمي باسم الحكومة د. جرهام عبد القادر، في وقت سابق عقب اجتماع اللجنة العليا للتعامل مع الأمم أن عددا من المنظمات تتقدم بمقترحات ولكن لم تلتزم بالمطلوبات وتقديمها في الوقت المطلوب وهو ما يتطلب المزيد من الدراسة. لكن الوضع على الأرض خاصة في ولايتي الجزيرة والخرطوم يتجه نحو الكارثة في ظل عدم دخول أي مساعدات، ومع استمرار الانتهاكات لنحو ثلاثة أشهر من قبل قوات الدعم السريع لعدد من قرى الجزيرة، ومع استمرار انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت بالولايتين ــ عدا بعض أجزاء ولاية الجزيرة، حيث عمدت ــ وفقاً لغرف طوارئ ود.مدني وللجان المقاومة على نهب جميع مدخرات المواطنين بما فيها المواد الغذائية والحبوب، بل وما أعده المواطنون استعداداً لشهر رمضان مثل “الحلو مر” نهبته قوات المليشيات وباعته في الأسواق.

حرب المعابر
وعلى الأرض، يواجه ملايين السودانيين أوضاعاً بالغة التعقيد والسوء معاً، خاصة في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، وبإعلان الخارجية اليوم تنفيذ قوات الدعم السريع تهديدها بعدم السماح لمرور قوافل المساعدات الإنسانية، تكون الحرب قد انتقلت إلى المعابر التي باتت ــ وعلى قلة ما يوصل عبرها ــ باتت أملاً للكثيرين الذين فقدوا كل شئ. حيث لا تزال منظمات الغوث تطلق تحذيراتها بأن السودانيين يقتربون بقوة نحو المجاعة، حيث توثق تقارير وفيات المئات بسبب الجوع في بعض مخيمات النزوح. وفي المقابل تعيش ولاية الجزيرة نكبتها بعيداً عن اعين المنظمات ومقدمي المساعدات الإنسانية وتواجه قراها واقعاً مُزرياً.

حكومة ود مدني
في ظل هذا الوضع ومع استمرار أعمال النهب والسرقة، أعلنت قوات الدعم السريع تكوين إدارة مدنية يتولى أمرها أحد قيادات حزب الأمة، وقالت لجان مقاومة ود مدني إنه وبعد نحو مائة يوم من اجتياح مليشيات الدعم السريع لولاية الجزيرة ــ التي انسحب منها الجيش مبكراً عقب استباحة كافة محليات الجزيرة ومدنها ــ عدا المناقل، طالعنا بغرابة ما أعلنته المليشيات الغاصبة وأسمته المجلس المدني لولاية الجزيرة. وأضافت في بيان لها: “إنّ سُلطة مدنية يمنحها القاتل والسارق والمغتصب والغازي وينادي بقيام هذه الإدارة لحماية المدنيين من أنفسهم، كما هو معهود من مليشيات الجنجويد تهلك الحرث والنسل وتتوهم البطولة ونصرة المستضعفين وهي من أضعفتهم وشردتهم وسرقت كل ممتلكاتهم”!!!

400 شهيد في ثلاثة أشهر
ومضى بيان لجان المقاومة في القول: “لم يتناسوا قرية إلا وسلبوها أموالها وسياراتها وقُوُتَها مخلفين وراءهم أرتالاً من الضحايا ما يقارب الـ400 شهيد أو يزيد، وأكثر من 500 جريح بحسب التقارير المرصودة منذ 18 ديسمبر الماضي، وبعد أن عاثوا ما عاثوا من فساد في البلاد والعباد تذكروا الدقلوقراطية التي جاءوا من أجلها”!!!

نرفضها!
على ذات الصعيد، اعلنت لجان مقاومة مدني، رفضها القاطع للتمثيل المباشر وغير المباشر العسكري والمدني وكل أشكال ودهاليز وتبعيات ومعاوني مليشيات الدعم السريع في الولاية. وقالت: “نعتبرها في المقام الأول مليشيات إراهابية اعتدت على أهلنا ومنازلنا وممتلكاتنا في استهداف واضح وصريح لمواطن وبنية وسماحة وتسامح ولاية الجزيرة، سيظل بيننا وبينهم قصاص ومظالم لن نغفرها أبد الدهر”.
ولفت البيان: “ظللنا متربصين بكل المُرجفين الداعمين لحوكمة القتلة من جميع التنظيمات السياسية والإدارات الأهلية والمستنفعين حاشية كل حكومة، أنتم لستم آمنون، ننذركم ولا عُذر لمن أنذر، ولا عاقبة أسوأ لمن خان أهله وبلاده وقومه، ستزول الغمة ويبقى بيننا الحساب وشر العقاب”.

عزلة مجتمعية
الباحث في الشؤون السياسية د. الحاج حمد يقول في حديثه لـ(السودانى)، إنّ قوات الدعم السريع تعاني من عزلة من كافة فئات المجتمع، وذلك بسبب الانتهاكات الفظة التي ترتكبها في حق المدنيين. وتسببت في وقف عجلة الحياة، ويضيف أنه وعلى الرغم من إعلان قيادة الدعم بأنهم شكلوا محاكم لمن يسمونهم “متفلتين” إلا أن ذلك لم يحدث.

28 قرية في أسبوعين
وقالت وزارة الخارجية، إنّ مليشيات الدعم السريع هاجمت في ولاية الجزيرة وحدها 28 قرية خلال الأسبوعين الماضيين وقتلت 43 من المدنيين، ونهبت ممتلكات مواطني هذه القرى ومحصولاتهم الغذائية، وحوّلت أعداداً كبيرة منهم لنازحين ومشردين.

البحث عن المفقود
ويواصل الحاج حمد في حديثه حول إعلان قوات الدعم السريع تكوين إدارة مدينة بولاية الجزيرة: “إزاء هذا الوضع الذي يقع على المدنيين في كافة مناحي الحياة، قامت لجان شعبية في القرى والمدن وتعاملت مع الأمر الواقع لضمان حرية التنقل في أمان، ومن ذلك قامت الإدارة المدنية في مدني. وتواصلت مع قوات الدعم السريع والذين يمنون أنفسهم بأي اعتراف مدني، لكن أعلن أحد اعضاء المكتب الاستشاري للدعم ــ أنهم فقط اعتمدوا الإدارة وأنهم لم يعينوها.

أنقذوا الجزيرة
وفي وقت سابق، ناشد تحالف أبناء الجزيرة والمناقل، وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والصحية بسرعة التدخل لإنقاذ المواطنين بقرى الجزيرة وعلاج المصابين، والعمل على إيقاف القتل والنهب الذي مازال يجتاح كل قرى الجزيرة، ونوه إلى أن مليشيات الدعم السريع مازالت تمارس أبشع أنواع المجازر من قتل ونهب الأسواق، وتمنع عبر ارتكازاتها وصول السلع الاستهلاكية للمدنيين.

جبهةٌ مدنية
وحمل التحالف في بيان له، الجيش مسؤولية ما تم من مجازر وذلك “لهروبه من مواجهة مليشيات الدعم السريع”، واضاف أن “الحل هو وحدة القرى في تكوين جبهة مدنية جماهيرية عريضة ضد طرفي القتال من أجل رفض الحرب وإعادة واستكمال ثورة ديسمبر، التحالف دان بشدة الجرائم والمجازر التي تدور رحاها في قرى الجزيرة، وحذر المليشيات من الاستمرار في هذه الجرائم ودعاهم للخروج الفوري من “قرانا وأرضنا وعرضنا” وفقاً للبيان.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.