المجاعة تطرق أبواب السودانيين!

تقرير: سوسن محجوب

أعلنت منظمات أممية ودولية، أن السودان بات على خطوة من المجاعة، بل وثقت تقارير لوفيات بسبب الجوع، وخصوصاً وسط الاطفال بمعسكرات النزوح في دارفور، يأتي ذلك في ظل تمدد الحرب إلى ولايات أخرى، مثل ولاية الجزيرة التي تضم أكبر مشروع زراعي واستقبلت ملايين النازحين من الخرطوم، وشكلت مقراً للمنظمات الدولية. 

(السوداني) استفسرت مختصين، كلاً في مجاله عن المعايير التي يستند عليها في إعلان المجاعة بمنطقة ما، ولماذا تقاعس المجتمع الدولي ومنظماته عن إنقاذ الضحايا في مخيمات النزوح داخل وخارج السودان؟!

 

اعترافٌ بالفشل الجماعي

ويقول المسؤولون في برنامج الأغذية العالمي، إن المجاعة هي “اعترافٌ بالفشل الجماعي، وإنّ وقت حدوثها ليس هو الوقت الذي يستدعي البدء في العمل، لأنّنا يجب أن نتحرّك قبل حدوث المجاعة، حتى لا يتضوّر الناس جوعاً، ولا يُصاب الأطفال بالهزال، ولا يموت الناس لأسباب تتعلّـق بالجوع”.

 

وضعٌ هشٌ

ويرى وزير الخارجية الأسبق السفير إبراهيم طه أيوب أنّ السودان ظل منذ سنوات عديدة يُعاني من نقص المواد الغذائية، رغم أنّ البعض يُصنِّفه بأنه سلة غذاء العالم، والسبب في ذلك سوء الإدارة وخذلان الأنظمة المتعاقبة للشعب الخاوية بطنه. ويضيف: “ظل برنامج الأغذية العالمي والمفوضية السامية لحقوق اللاجئين وكثير من المنظمات الغربية غير الحكومية وقليل من الدول العربية، تقدم العون الغذائي للسودان خاصةً في المناطق النائية بإقليم دارفور والجنوب والشرق. وفي تقديري، إنّ الأمر تغيّر إلى حد كبير هذه الأيام ومنذ اندلاع الحرب المشؤومة التي نعيش توازناً منذ ما يقارب العام. ومن الجانب الآخر أرى أنّ المجاعة التي تفتك بالمواطنين في الداخل وتُودي بحياة بعضهم الذين يعيشون في المنفى جـرّاء الفقر، ناتجة من القوى الثلاثة التي تدير الحرب ومن ورائهم مناصروهم، تتّخذ من إفقار المواطن سلاحاً فتّاكاً، وأداة من أدوات الحرب الجارية الآن”.

 

 كل قدر حجمه ولونه

ويقول الباحث في شؤون القرن الأفريقي محمد تورشين، إنّ المجتمع الدولي أو الغربي لديه ازدواجية في التعامل مع العالم، كل بقدر حجمه ولونه، ويضيف في حديثه لـ(السوداني): “بالنظر إلى التداعيات الإنسانية المُرتبطة بالحروب، وما قدمه الغرب مثلاً لأوكرانيا في حربها لم يقدمه لأحدٍ ــ وهذا مرده في رأيي إلى أن أوكرانيا جزء من المنظومة القيمية الثقافية والأيديولوجية الأوروبية”. ويضيف: “ما يحدث في تعامل الغرب وتعاطيه مع حرب السودان وأوكرانيا، يكشف وبكل بساطة أن العالم سَقَطَ في فخ الأخلاق، وفي فخ الشعارات ــ التي تتحدث أن الجميع متساوون، وأننا كلنا بشر، لكن في حقيقة الأمر نجد أن الذهنية التي تجعل الرجل الأبيض هو متفوق على بقية الشعوب؛ هو حقيقة لدى الغرب، لذلك نجد تبايناً كبيراً جداً في تعاطي المجتمعات الغربية مع الصراعات والنزاعات، وحتى في تقديم المُساعدات الإنسانية”.

 

موسم العجاف

وقال ممثل برنامج الأغذية العالمي ومديره القطري في السودان إيدي روي، إنهم بحاجة إلى أن تصل المُساعدات باستمرار إلى المجتمعات التي مزّقتها الحرب عبر كل الطرق الممكنة، ورجّح أن يزداد الجوع في السودان مع بدء موسم العجاف في غضون أسابيع، وأبدى المسؤول الأممي خشيته ـــ وخلال أسابيع قليلة من أن يشهد مستويات غير مسبوقة من المجاعة وسوء التغذية التي تجتاح السودان خلال موسم العجاف هذا العام.

 

أوزارنا للآخرين

لكن السفير يوب لا يتفق مع تورشين فيما ذهب إليه ويقول في حديثه لـ(السوداني)، إنّه لا يرى أي تقاعس من الآخرين في (إغاثتنا) وما يحدث هو جرمٌ، لكن لا يجب أن نُحمِّل الدول الأخرى وزره، ومَـن يتحمّل ذلك هو الذي يقتل الشعب جوعاً وحرباً ويفتك بالعاملين في المنظمات التي تعمل في المجال الإنساني أو يمنع الإغاثة من الوصول إلى مستفيديها أو يقفل الطريق امام وصول هذه الإغاثات إلى الأقاليم المُتضرِّرة أو يقوم ببيع ما يصل إليهم منها في السوق السوداء، ويواصل في حديثه: “المجتمع الدولي يهتم بمحاربة الجوع ويسعى جاهداً إلى محو العوز والفقر، ويفرح عندما تصل المعونات التي يبعث بها إلى مستحقيها ويتوقف عن التبرع عندما يحدث العكس”، ويلفت أيوب إلى أنّ الذي يقتل شعبه ويسعى لتجويعه وسلب الحياة منه، هو مَـن نطلب منه أن يعمل على تأمين حياة كريمة إنسانية.

 

ثلاثة أسباب لإعلان المجاعة

يعرِّف الخبراء، المجاعة من خلال ظهور ثلاثة مؤشرات أو شروط عندما تجتمع في منطقة جغرافية محددة، سواء كانت بلدة أو قرية أو مدينة أو حتى دولة، وهي أنّ  20% على الأقل من السكان في تلك المنطقة يُواجهون مستويات شديدة من الجوع، 30% من الأطفال في نفس المكان يعانون من الهزال أو النحافة الشديدة بالنسبة لأطوالهم، تضاعف معدل الوفيات مُقارنةً بالمتوسط ـــ هذا المُعدّل بالنسبة للبالغين هو حالة وفاة واحدة لكل 10,000 يومياً، وبالنسبة للأطفال، حالتا وفاة لكل 10,000 يومياً.

 

صُنّاع المجاعة

ويُشكِّك وزير الخارجية الأسبق، السفير إبراهيم طه أيوب، عن حدوث مجاعة في السودان، ويضيف: “في حال حدوثها فهي من صناعة هؤلاء القادة الذين يتقاتلون، إنّ الذي يسعد بقتل الجماهير الآمنة في دُورها أو يغتصب الحرائر في خدورها، لن يغمض له جفن أو تتحرك داخله ذرة شفقة أن ينظر للجوع الذي يفتك بالناس، إنّه سلاحٌ لا يقل عن الراجمات والدانات والمُسيّرات والمقاتلات التي تعمل في الميدان”.

 

آفاق إنتاج الغذاء في السودان “قاتمة” 

وقالت منظمة الزراعة الأغذية (الفاو) في تقريرها السنوي مؤخراً وتلقته (السوداني) ــ عرض خلاله تقييم المحاصيل والإمدادات الغذائية في السودان، وفحص إنتاج الغذاء في العام المنصرم، وقيم الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء ولايات السودان والمكونة من (18) ولاية، حيث أوضحت نتائج التقرير الأضرار التي سبّبها النزاع للإنتاج الزراعي، ومن بينها أن أداء موسم إنتاج الحبوب الرئيسي للعام 2023، كان التقرير أشار إلى أنه سيئٌ للغاية بسبب تأثير الصراع، حيث انخفض بنسبة 46% عن محصول العام السابق. ووصف آفاق إنتاج الغذاء في عام 2024 في السودان بـ”القاتمة”.

 

على الدول الأفريقية والعالم الثالث الانتباه

ويعتبر الباحث في شؤون القرن الأفريقي محمد تورشين، أن انتقائية الغرب ومنظماته في التعامل مع دول العالم الثالث والأفريقية، يجب أن يسترعي انتباه تلك البلدان ويُحفِّزها في البحث عن شراكات مع بعضها البعض من أجل أن تكون هي نفسها قوة حقيقية، اقتصادية وسياسية وقوة عسكرية وثقافية، حتى تتجاوز هذا الأمر، ويعيد تورشين ما قاله حول التباين الكبير جداً في تعاطي الغرب ومؤسسات تمويله ومنظماته، الحرب في أوكرانيا والسودان وفي أفريقيا بصورة عامة، فيما يتعلّق بالتعاطي والدعم وتقديم المساعدات سواء كانت غذائية أو إنسانية أو حتى المُـرتبطة باستقبال اللاجئين في بلدانهم. ويضيف: “هذا أمرٌ كارثيٌّ، وفضح الكثير من القيم الغربية والأوروبية وأسقطها في فخ المصداقية”.

 

تقني وليس سياسياً

الصحفي والباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية د. خالد التجاني يلفت في حديثه لـ(السوداني) إلى تعميم أمر المجاعة بصورة عشوائية، ربما بسبب برئ، وهو محاولة لاستقطاب دعم إنساني للمحتاجين، لكن من جانب آخر ليس بريئاً، إذ يختبئ خلفها هدفٌ سياسيٌّ، والأكثر أهميةً في الموضوع كله هو أنّ المجاعة ليس مصطلحاً مطلقاً يتم استخدامه دون ضوابط مُعيّنة، وبالتالي هناك أسسٌ متعارفٌ عليها لدى المنظمات الدولية ومتى يتم إعلان المجاعة، والحقيقة الأساسية الآن، أنّ الأمم المتحدة لم تعلن حتى الآن رسمياً أنّ السودان دخل فيما يُعرف بإعلان المجاعة،

لأنّ الإعلان لديه خطوات وبروتوكول معين، وفي رأيي ما تقوله المنظمات الدولية والأممية، هو مجرد تحذير من الوصول إلى هذه المرحلة، والمجاعة مصطلحٌ تقنيٌّ وليس سياسياً، وهناك طريقة معينة يتم من خلالها مراقبة انعدام الأمن الغذائي ويُطلق عليه نظام التتبع التفصيلي تستخدمه المنظمات الإنسانية، فضلاً عن استخدام التنصيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي ويتم عبر تجميع بيانات من 19 وكالة تتبع للأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية، اليونيسف، وأربعة بلدان مانحة، تجمع البيانات ويتم قياسها للأمن الغذائي، ومن ثَـمّ توجيه الاستجابات الفعّالة لهذا الإعلان، والمهم بعد توفر هذه البيانات يجمتع الخبراء لتحديد الأمن الغذائي عبر خمس مراحل، وكل مرحلة يتم التدخل فيها معترفٌ بها عالمياً، والأهم أن يكون هناك إجماعٌ وفي استقلالية.

 

ضعف التمويل وليست الحرب وحدها

ويُنبِّه التجاني لوجود قضيتين أساسيتين وهما التأكيد بأنّ السودان يحتاج إلى مُساعدات إنسانية، لأنّ الحرب أثّرت على الإنتاج وأدت إلى انعدام الأمن، ومنع وصول الغذاء إلى المحتاجين، والأهم أيضاً، إذ توفر الغذاء قد لا تتوفر للقوة الشرائية لعدد كبير من المواطنين، كما أنّ الحرب تسبّبت في قطع سلاسل الإنتاج والتوزيع، ويضيف التجاني مُتسائلاً عن ما هو حجم المشكلة؟ ويعتبر أنّ ما تقوله وكالات الأمم المتحدة تحذيرات ليس بسبب الحرب فقط، ولكن لأسباب أخرى وهو عدم توفر التمويل من المانحين، إذ أنه وفي فبراير المنصرم، اطلقت الأمم المتحدة نداءً ــ وهو سنوي ــ لتوفير الاحتياجات الإنسانية في السودان، وطالبت بنحو أربعة مليارات دولار وخصّصت جُزءاً للنازحين بالداخل، وجُزءاً للاجئين، هذا المبلغ حتى الآن لم يتوفر منه سوى 5%، وبالتالي فإنّ المشكلة ليست في الحرب، بل في عدم جدية المانحين في توفير التمويل، وهذا ما أكّده منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث وأيضاً مندوبة واشنطن بالأمم المتحدة، لذلك جاءت دعوة مؤتمر المانحين في فرنسا منتصف أبريل الحالي.

 

آلية ضغط ضد الحكومة

ويعتبر د. التجاني أن تكرار البعض لوجود مجاعة في السودان مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو دول في المنطقة أو قوى سياسية مثل (تقدم)، هدفها وسيلة للضغط السياسي على الحكومة لإيقاف عملياتها العسكرية المتقدمة والوصول لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات، ويضيف بسؤاله عن لماذا لم تمارس أمريكا التي كانت راعية لاتفاق جدة، ومنذ الحادي عشر من مايو أي ــ وبعد ثلاثة أسابيع فقط من الحرب، وكان الغرض من مفاوضات جدة، بصورة أساسية حماية المدنيين، وهناك الكثير من الالتزامات المُتعلِّقة بالدعم السريع، لماذا لم تمارس أي ضغوط على الدعم لوقف إطلاق النار، خاصةً أنه هو من حوّل صراعه وحربه ضد الجيش إلى المدنيين، حيث عمل على نهب أموالهم ومُدّخراتهم، وحتى المواد الغذائية ونهب مخازن برنامج الغذاء في ولاية الجزيرة، وبالتالي المجتمع الدولي عندما يتحدث عن المجاعة ــ إذا افترضنا انه توجد مجاعة، لماذا لم يتدخّــل خلال الأشهر العشرة وأين كان؟!!

 

الهدف الجيش

ويرى د. التجاني أنّ كثرة الحديث في هذا الوقت عن مجاعة السودان، هو محاولة بقطع الطريق على تقدم الجيش ميدانياً، لأنه ــ إذا كانوا جادين ــ كان عليهم ممارسة ضغوط على الدعم السريع منذ وقت مبكر، وأضاف: “الآن عندما يتحدّث المبعوثون الدوليون عن مجاعة وينسبونها إلى استمرار الحرب في السودان ــ في ظل وجود نحو مليون سوداني لاجئ في تشاد، حيث لا توجد أي مشاكل أمنية تمنع الوصول إليهم وتقديم الغذاء.

الأسبوع المنصرم، قال برنامج الغذاء العالمي إنه سوف ينسحب ــ ليس بسبب الحرب، ولكن لأنه لا يملك أموالاً كافية لتوفير الاحتياجات الإنسانية في تشاد، إذا كان المجتمع الدولي حريصاً لمعالجة هذه الأوضاع، كان سعى لتوفير الأموال الازمة للاجئين خارج السودان، لكن الواضح هو أنه يسعى لتوظيف المجاعة سياسياً، ولديه الفرصة الآن لمعالجة أوضاع اللاجئين بالخارج، إذا كان داخل السودان توجد عوائق أمنية..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.