أسامة بيكلو طوع آلته على طريقة السحرة الهنود فبزهم

بقلم السفير/ عادل إبراهيم مصطفى

غيب الموت بمدينة ود مدني الموسيقار المبدع حد الإدهاش أسامة بابكر التوم؛ الشهير باسم “أسامة بيكلو” لارتباطه العميق والكبير بآلة البيكلو التي اجاد وابدع في العزف عليها حتى صارت له إسماً.. وقد اهلته براعته في العزف لأن يجعل آله البيكلو من الآلات الاساسية في الفرق الموسيقية المصاحبة لعمالقة الإبداع والطرب مثل محمد وردي ومحمد الامين؛ رحمهما الله تعالى ورحم بيكلو؛ بقدر عطائهم وأضعافا مضاعفة لا يحصى لها عددا.

المؤسف حقاً والمحزن أن المبدع أسامة بيكلو مات متأثراً بداء القلب بعد أن عجزت أسرته ومحبوه عن نقله إلى حيث يتوفر العلاج لحالته، وذلك بسبب هذه الحرب المدمرة اللعينة، لعن الله من أشعلها ويعمل على حرق ما تبقى من البلاد وأهلها بإصراره على أن لا تتوقف.

تذكرت يوم أن وقف أسامة بيكلو شامخا بمسرح قاعة الصداقة ليقدم عزفاً منفرداً على آلة البيكلو لقصيدة “لي غرام وأماني.. في سموك ومجدك.. عشت يا سوداني” للشاعر المرهف علي حامد البدوي، وتنغيم وأداء سلطان الطرب أحمد المصطفى، فأبهر الحضور الكبير الذي وقف مردداً كلمات القصيدة بحماس عال وإحساس يفوق حد الوصف بجمال الوطن وسموه ومجده، ما خلق إحساساً من التأثر والرهبة في حضرة الوطن، دفعني لأن أطرح على نفسي سؤالاً، ربما أنيق الشكل كما يقول درويش، هو لماذا لا نتخذ من هذه القصيدة بلحنها الجميل نشيداً وطنياً؟؟!! خاصة وهي قصيدة مشحونة بمعاني حب الوطن والرغبة في سموه ومجده ورفعته، كما من جهة أخرى تعبر كلمات نشيدنا الوطني الحالي عن مكون واحد من مكونات الوطن، هو الجيش: “نحن جند الله.. جند الوطن”.. وقد اختيرت اساساً هذه القصيدة من بين قصائد أخرى شاركت في مسابقة عامة حول أعمال شعرية تمجد قوة دفاع السودان (نواة الجيش الحالي) عند تأسيسها في عام 1955، وحين خروج المستعمر الأجنبي من الوطن في 1956 تم اختيار الابيات الأربعة الأولى من القصيدة، وهي لشاعرنا الفحل أحمد محمد صالح، ووضع لحنها على طريقة المارشات العسكرية الموسيقار الفذ أحمد مرجان بمصاحبة فرقة سلاح الموسيقى، تم اختيارها لتكون نشيداً وطنياً. ومما يدلل على أن القصيدة نظمت اساساً للجيش، بقية ابياتها التي نذكر منها على سبيل المثال “نحن أسود الغاب.. أبناء الحروب.. لا نهاب الموت.. أو نخشى الخطوب.. نفتدي السودان شمالاً وجنوب..”.
عليه من الواضح ان نشيدنا الوطني هو أصلاً وضع لتمجيد الجيش والإشادة بشجاعة وإقدام منسوبيه في الدفاع عن الوطن، شعباً وارضاً وسيادة.. ولذلك تم اعتماده كنشيد للوطن لأن الجيش ظل حاكماً لفترة تجاوزت الـ58 عاماً منذ خروج المستعمر الاجنبي.

تأسيساً على أعلاه أقول، انه من المناسب ان يعود نشيدنا الوطني الحالي للجيش، فيكون نشيداً يعزف ويغني في المناسبات العسكرية كيوم الجيش والاحتفال بتخريج الطلاب الحربيين وغير ذلك، وأن نفكر بصورة جادة، في إطار ترتيبات إعادة بناء وتأسيس سودان ما بعد الحرب، السودان الجديد، في اختيار نشيد وطني جديد يعبر عن الشعب والأرض، ويعكس التنوع، ويعزز الوجدان المشترك بإثراء روح الانتماء، ويرفع من معاني الإخلاص للوطن ورفعته والذود عن سيادته وأرضه ودستوره، وذلك من بين القصائد والاعمال الموسيقية التي تعكس مثل هذه المعاني، مثل لي غرام وأماني، عازة في هواك في الفؤاد ترعاهو العناية، وطن الجدود، أنا سوداني، بلادي يا سنا الفجر، أعز مكان وطني السودان، وغيرها.

وأخيراً، أكرر الدعاء بأن يتقبل الله مبدعنا الجميل أسامة بيكلو قبولا حسنا، في زمرة الأخيار، ويحسن عزاء أهله وذويه وزملائه أهل الإبداع وجميع معجبيه، وان يرحم كل المبدعين والابرياء الذين راحوا ضحية لهذه الحرب المدمرة، وأن يجعلها الله آخر الحروب ويلهم كل أهل السودان الاستفادة من دروسها وعبرها في إعادة بناء وتأسيس الوطن على ركائز وأسس تحترم التنوع والتعدد وتقوم على الحرية والعدل والمساواة والسلام.

شارك الخبر

Comments are closed.