وفد سوداني في سان بطرسبورغ.. هل يتحقّق حلم الدب الروسي بإنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان؟

تقرير: سوسن محجوب

أمس الاثنين، غادر نائب رئيس مجلس السيادة، مالك عقار، إلى مدينة “سان بطرسبورغ” الروسية في زيارة رسمية تستغرق عدة أيام، للمشاركة في فعاليات الدورة السابعة والعشرين للمنتدى الاقتصادي الدولي بسان بطرسبورغ. ووفقاً لإعلام مجلس السيادة، فإنّ عقار سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيسلمه رسالة من رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان.

زيارة عقار تأتي بعد نحو شهر من زيارة وفد روسي رفيع بقيادة المبعوث الروسي ميخائيل بوغدانوف، أواخر أبريل الماضي إلى العاصمة المؤقتة بورتسودان. بوغدانوف قدم دعماً غير محدود لحكومة البرهان وأعلن تأييد موسكو لها، وبدأ مؤكداً أن بوتين يسعى لإعادة تموضعه مجدداً في السودان مستغلاً حوجة الجيش إلى السلاح الروسي.

النقيضان

ما بدا لافتاً في توجهات حكومة السودان الخارجية ــ وبعيداً عن تصريحات السفير السوداني في موسكو مؤخراً، إنها لم تعد تبرر كثيراً تقاربها مع طرفي الحرب روسيا ــ أوكرانيا، بل لم يعد خافياً وجود الدولتين ضمن أدوات حربها ضد قوات الدعم السريع، إذ التقى البرهان العام المُنصرم وفي طريق عودته من اجتماعات الأمم المتحدة بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وحتى الآن لم يسعَ مجلس السيادة في إزالة حالة الالتباس في علاقاته مع موسكو وكييف في آنٍ واحدٍ، حيث إنه ومنذ وقت مبكر من بدء الغزو الروسي على أوكرانيا، أعلنت الحكومة السودانية أنها على الحياد من حربهما، رغم زيارة غامضة قام بها نائب رئيس مجلس السيادة وقتذاك “حميدتي” فجر يوم اندلاع الحرب إلى موسكو عام 2022.

ذات الطريق

ويرى وزير الخارجية السابق السفير إبراهيم طه أيوب، أن محاولة حكومة البرهان، الاتجاه نحو روسيا أمر ليس بالجديد، إذ سبقه إليها الرئيس المخلوع البشير في أواخر حكمه، وفي آخر لقاء جمعه مع الرئيس الروسي بوتين، عندما طلب منه حمايته من مخططات الولايات المتحدة للانقلاب عليه مقابل السماح لروسيا إقامة قاعدة عسكرية على شواطئ البحر الأحمر على الجانب الأفريقي وعلى مقربة من مضيق باب المندب الذي يتحكّم في التجارة الدولية العابرة من وإلى البحر الأبيض المتوسط. ويعتبر أيوب في حديثه لـ(السوداني)، أن التوجه الجديد للنظام العسكري لا ينبع من “ذكاء العسكريين” سواء استراتيجياً أو أمنياً أو سياسياً؛ ولكنه نابع من أن ليس أمامهم غير الاتجاه نحو روسيا والصين وإيران وتركيا وقطر، إذ أنّ الظروف لم تترك لهم فرصة لاختبارات أخرى، وهذا يعني بالقول الواحد إنهم لا يملكون أي خيار غير الارتماء في أحضان الدول المذكورة والسعي إلى التودد لها وتلبية مطالبها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

 

سقوط علاقة

وفي المقابل، يرى خبراء أنّه وبسقوط طائرة زعيم مجموعة “فاغنر” الروسية الخاصة يفغيني بريغوجين، أواخر أغسطس من العام 2023، انتهت علاقة فاغنر مع “حميدتي”، إذ تتّهم تقارير غربية بريغوجين بتدريب وتأهيل قوات الدعم السريع وتقديم العتاد العسكري لها مقابل السماح لـ”فاغنر”، بالتعدين في مجال الذهب السوداني بصورة غير قانونية.

 

إعادة علاقات

ويقول الباحث في شؤون القرن الأفريقي، محمد تورشين، إنه وبعد مضي عام من الحرب، يلاحظ أن الحكومة عادت مجدداً لذات تحالفاتها السابقة مع روسيا والصين وإيران، وهذا يعني ان الحكومة لم تجن ثمار دعمها لأوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي، وكذلك موقفها مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وفي رأيه أن ذلك مرده إلى الحرب بينها وقوات الدعم السريع، ما جعلها في حاجة مستمرة للأسلحة والذخيرة.

ويضيف تورشين في حديثه لـ(السوداني)، أن ملف التسليح لدى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية مرتبط دائماً بشروط قاسية، منها طبيعة النظام السياسي للدول واشتراطات أخرى ربما لا تستطيع الكثير من الدول الإيفاء بها، لذا نجد الكثير من الدول الأفريقية تلجأ دائماً إلى روسيا وإيران، وإلى حد ما إلى الصين، لحل مشكلة التسليح، في محاولة منها لتأمين أمنها القومي ومواجهة أي تهديدات، لذلك ولكل تلك الأسباب، اتجهت الحكومة السودانية لتلك الدول، وربما أيضاً وفي إطار وجود اتفاقيات ــ مثلاً مع روسيا مقابل اشتراطات بعينها، منها منح روسيا قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، لذلك أتوقع ان تمضي الأمور نحو تلك الاتجاهات، خاصةً وأن الجيش يسعى لتحقيق تفوق عسكري على قوات الدعم السريع، لذلك أتوقع أن تقوى تلك العلاقة والتعاون بين السودان وروسيا، دون أي عقبات.

 

النفوذ المفقود

واعتبر مراقبون أن روسيا سعت ومن خلال زيارة مبعوثها بوغدانوف إلى بورتسودان مؤخراً، استعادة نفوذها في السودان من خلال تقديم المزيد من عروض التعاون مع الحكومة مباشرةً، كما أنها أرادت التأكيد على انتهاء عهد فاغنر مع قوات الدعم السريع التي باتت تقترب من الغرب في تناقض غريب في توظيف استخدام السلاح مقابل من يدفع، إذ أنّ ذات دول الاتحاد الأوروبي هي مَن استخدمت قوات الدعم في مشروعها القاضى بإنهاء الهجرة غير الشرعية للأفارقة نحو دولها، ورغم الالتباس الذي صاحب هذا المشروع وحجم الأموال التي أنفقت فيه لتدريب قوات الدعم، لكن المراكب المتجهة نحو الشواطئ الأوروبية لم تتوقف.

 

ووفقاً لتصريحات الفريق أول ياسر العطا لقناة الحدث، أن البرهان سيوقع على اتفاقيات مع روسيا قريباً، كاشفاً أنّ روسيا طلبت “نقطة تزود” على البحر الأحمر مقابل إمداد السودان بالأسلحة والذخائر. وقال العطا: “ليس عيباً إعطاء قاعدة عسكرية لأي دولة على البحر الأحمر جمعتنا معها شراكات اقتصادية”.

وقالت مصادر (السوداني)، إنّ الوفد السوداني الذي وصل روسيا بقيادة عقار، سيضع النقاط على الحروف حول الاتفاقيات القادمة بين السودان وروسيا، حيث تمهد لزيارة مرتقبة للبرهان إلى موسكو، وهي الزيارة التي سيُوقِّع فيها الرئيسان السوداني والروسي على الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية المرتقبة.

 

ويقول الصحفي عبد القادر محمد علي، إن بعض الدراسات تذهب إلى أن رغبة موسكو في الحصول على موطئ قدم على شاطئ البحر الأحمر تمثل مظهراً من مظاهر رؤية روسيا لنفسها كقوة دولية، حيث مثّل ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014 مُنعطفاً في الانتقال خطوة إلى الأمام بسياستها الخارجية نحو إثبات حضورها كأحد اللاعبين الأساسيين على الساحة الدولية، تلا ذلك بعام تدخلها العسكري في سوريا الذي غيَّر مسار الحرب بالبلاد، وأبرز قوة روسيا في الشرق الأوسط.

من جانب آخر، تتزايد حساسية هذا البحر بالنسبة لموسكو مع توجهها للانفتاح الكبير على الأسواق الآسيوية لتجاوز آثار العقوبات التي فرضتها المنظومة الغربية عليها بعد اندلاع الحرب الأوكرانية، حيث يعد البحر الأحمر معبراً حيوياً لصادراتها من الطاقة، إذ شكل النفط الروسي 74% من حركة هذه المادة الحيوية المتجهة جنوباً عبر قناة السويس في النصف الأول من عام 2023 ارتفاعاً من 30% عام 2021.

شارك الخبر

Comments are closed.