مصالح أبي أحمد.. الورقة الأخيرة بيد البيت الأبيض

نظراً للتفاعل المعقد بين المصالح الأمنية والجغرافية والسياسية والاقتصادية والتاريخية والعرقية بين السودان وإثيوبيا، فإن الصراع السوداني له أهمية كبيرة بالنسبة لإثيوبيا. ومن الجوانب الحاسمة في هذه العلاقة هو ترسيم الحدود بين البلدين، خاصة في منطقتي الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى. وقد استعادت القوات المسلحة السودانية 90% من هذه المناطق في الصراع الأخير، لكن ترسيم الحدود لا يزال دون حل، مما يجعلها قضية حاسمة. وما يزيد الأمور تعقيدًا هو تورط أطراف دولية متعددة في الصراع السوداني والتحالفات الدولية المتباينة بين إثيوبيا والسودان. في ضوء هذه التوترات المتصاعدة، تتجه الأنظار إلى كيفية تفاعل القوى الإقليمية والدولية مع هذه الأزمة المعقدة وتأثيرها على استقرار المنطقة.

المصالح الأمريكية تحت تهديد روسي
في هذا السياق، ووفقًا لبعض الخبراء والمراقبين، فإن الولايات المتحدة والدول الغربية تستخدم جميع أدواتها في السودان لمقاومة النفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا. تسعى واشنطن بكل جهد لاستثمار أدواتها في السودان ودول المنطقة لتحقيق مصالحها.

في الوقت نفسه يؤكد الخبراء، إن فشل رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، ممثل الغرب وواشنطن في السودان، في تحقيق تغيير سياسي يتماشى مع المصالح الأمريكية خلال السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى التقارب الأخير بين مجلس السيادة بقيادة الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، وروسيا، واتجاه الجيش السوداني شرقًا للتحالف مع موسكو، دفع واشنطن للتفكير في خطة بديلة لإزاحة البرهان عن المشهد ودفع شخصية أخرى لسدة الحكم تمثل مصالحها وتحد من نمو النفوذ الروسي.
وبحسب مصادر إعلامية، فقد تصاعدت المخاوف الأمريكية بشكل كبير من التقارب الروسي-السوداني، حيث أجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اتصالاً هاتفياً مع قائد الجيش السوداني منذ مطلع يونيو، طالباً منه الذهاب إلى منبر جدة واستئناف المفاوضات، حسب ما كشف المكتب الإعلامي لمالك عقار نائب البرهان، لكن عقار رفض الذهاب. كما أن نائب قائد الجيش ياسر العطا أيّد عقار معتبراً أن ما قاله يمثل رأي القيادة.

ويقول خبراء أن تصريحات المسؤولين السودانيين حول التزام السودان ببناء قاعدة بحرية روسية على البحر الأحمر، زادت من المخاوف الأمريكية، حيث تعتبر واشنطن ذلك تهديدًا لها
المصالح الأثيوبية والاستثمار الأمريكي لها

وفقاً لدراسة للدكتور أحمد كامل البحيري، الباحث بمركز الأهرام للدراسات، فإن اعتماد واشنطن على إثيوبيا لتحقيق أهدافها في السودان هو الخيار الأكثر ترجيحاً، حيث تعتبر إثيوبيا حليفًاً استراتيجياً للولايات المتحدة. تستفيد واشنطن من الأطماع الإثيوبية والمنافع التي ستحققها إثيوبيا من خلال تنفيذ الخطة الأمريكية.

ووفقاً للبحيري، فإن الرئيس الإثيوبي الطموح آبي أحمد سيقبل بسرعة بالخطة الأمريكية، نظراً للمصالح الكبيرة التي يمكن أن تحققها إثيوبيا من خلال هذه الاتفاقية. يأتي في مقدمة هذه المصالح اعتراف واشنطن بانفصال إقليم أرض الصومال، الذي يحتل موقعاً استراتيجياً مهماً، وهو ما سعت إليه إثيوبيا طويلاً بهدف السيطرة عليه والحصول على ميناء زيلع الهام كمنفذ بحري لها. بالإضافة إلى ذلك، اطماع إثيوبيا في الحصول على مساحات أكبر من نهر النيل.
ووفقا للمراقبين فإن التقارير الإعلامية التي نشرت في وقت سابق نقلاً عن مصادر دبلوماسية، تؤكد صحة المعلومات المتداولة حول الخطة الأمريكية – الإثيوبية للإطاحة بالبرهان والحد من النفوذ الروسي في السودان. ووفقاً لهذه التقارير، قدم آبي أحمد عرضاً لواشنطن بشأن استعداده لمواجهة الحوثيين في اليمن انطلاقاً من إثيوبيا، وحتى إرسال قوات لقتالهم وحماية الملاحة الإسرائيلية، مقابل حصوله على اعتراف أمريكي ودولي رسمي بسيطرة إثيوبيا على ميناء زيلع وإقليم أرض الصومال.

وأكد المراقبون أن الخطة الأمريكية الإثيوبية وطموحات آبي أحمد من الصعب تحقيقها عسكرياً وسياسياً، نظراً للعوائق الكثيرة التي ستواجهها، سواء كانت سياسية أو ميدانية أو جغرافية.

تزايد النفوذ الروسي على مرمى العين الأمريكية
في سياق متصل، أكد عدد من الخبراء والباحثين أن المخاوف الرئيسية لواشنطن تتمحور حول القاعدة العسكرية الروسية المزمع إنشاؤها في البحر الأحمر بين السودان وروسيا. هذا المشروع يعني ضم السودان إلى قائمة الدول الأفريقية التي فقدت واشنطن وباريس السيطرة عليها في السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى الأهمية الاستراتيجية الخاصة للبحر الأحمر بالنسبة للولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، أكد السفير السوداني لدى روسيا، محمد سراج، في تصريحات صحفية لوكالة “سبوتنيك” الروسية، التزام السودان ببناء القاعدة البحرية الروسية على البحر الأحمر، موضحاً أن المشكلة التي تواجه المشروع “إجرائية فقط” وأن من واجب الطرفين تنفيذه. وأوضح سراج أن الخرطوم لن تتخلى عن التزاماتها ببناء القاعدة البحرية الروسية في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن القاعدة ستوفر “نقطة دعم لوجستي في البحر الأحمر”، وأن البلدين وقّعا على الاتفاقية التي سيتم بناء القاعدة بموجبها، مما يعني أن من واجبهما تنفيذ المشروع، معرباً عن أمله في “تعزيز العلاقات بين البلدين”.

وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أكد عقب زيارة للسودان أن الاتفاق بين موسكو والخرطوم بشأن إنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية في السودان، يقع حالياً في مرحلة التصديق.
ومن الجدير بالذكر أن الجانبين الروسي والسوداني وقّعا عام 2019 اتفاقية لإنشاء مركز للدعم اللوجستي للبحرية الروسية في بورتسودان، والذي من المفترض أن يستضيف ما يصل إلى 300 جندي روسي ويزوّد سفناً تابعة له بالوقود.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.