تقرير: سوسن محجوب
أقرَّ اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في اجتماعه يوم الجمعة، إنشاء آلية رئاسية رفيعة المستوى بقيادة الرئيس اليوغندى ـــ رئيس المجلس لشهر يونيو يوري موسيفيني، وعضوية كل منطقة من مناطق القارة الأفريقية الخمس، بهدف ترتيب اجتماع مباشر بين قيادتي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للتفاوض على وقف عاجل لإطلاق النار.
خطوة المجلس تأتي بعد فشل جميع الجهود الأفريقية فى إيجاد حل ينهي الحرب في السودان.. إذن ما الجديد الذي تملكه آلية موسيفيني لإقناع الرجلين بالجلوس وإنهاء الحرب؟.
ديكتاتور أفريقيا والديمقراطية:
يقول الباحث في شؤون القرن الأفريقي محمد تورشين لـ(السوداني)، إن اجتماع الجمعة وما تلاه من خطوات، على رأسها تسمية آلية بقيادة الرئيس اليوغندي يورى موسيفيني، مجرد “خطوة سياسية وشغل إعلامي”، إذ أنه لا يمكن لرئيس يعتبر ثاني أقدم ديكتاتور حاكم في أفريقيا أن يكون مؤهلاً للحديث عن مطلوبات الشعب السوداني في إنهاء الحرب وتحقيق التحول الديمقراطي المدني والسلام في السودان بأي حال من الأحوال.
ويضيف: “في تقديري اختيار موسيفيني في حد ذاته سوف يُعقِّد المشهد أكثر مما هو حاصل، ولا يتوقع أحد أن يمتلك الرجل اي مزايا أو امتيازات يقنع بها طرفي الحرب لقبول ما يعرضه عليها”.
ليس عدواً ولكنه:
لطالما أسهمت العلاقة ما بين الرئيس موسيفيني وقائد قوات الدعم السريع حميدتي، من جانب وعلاقة موسيفيني واستقبال مطارات بلاده ـــ وفق تقارير إعلام غربية لطائرات إماراتية، أظهرت حركة تتبع للملاحة الجوية خط سيرها إلى قاعدة أم جرس العسكرية في تشاد، حيث تبدأ عمليات إمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة، اسهم كل ذلك في حالة من الشك وعدم اليقين من اي دور يمكن أن يلعبه موسيفيني في اي مشروع تسوية مستقبلاَ، وعلى الرغم من أن يوغندا تعد أول الدول التي زارها البرهان في سبتمبر 2023 فور خروجه من الخرطوم، لكن الجيش لا. يرى أن ديكتاتور أفريقيا الذي يجيد للعبة السمسار السياسي الناجح ـــ صديق لهم لكنه بالمقابل ليس عدوا، فكما استقبل موسيفيني البرهان بعد خروجه من مخبئه، استقبل حميدتي بعد اختفائه لأشهر، والأهم من ذلك هو علاقته مع الإمارات ـــ الدولة التي يلاحقها السودان في مجلس الأمن الدولي بسبب مزاعم عن تورطه في دعم وتمويل قوات الدعم السريع، إذ يلاحظ أنه وبعد أقل من ساعات على توقيع اتفاق بين يوغندا و الإمارات لبناء ثالث مطار من نوعه، عقد مجلس الأمن برئاسة موسيفيني اجتماعه وخلص إلى تلك اللجنة.
موسيفيني تاريخٌ من التآمر:
ويرى وزير الخارجية السابق السفير إبراهيم طه أيوب أنّ الرئيس يورى موسيفيني أحد عمداء القادة الأفارقة الذى يحكم بلاده منذ يناير 1976 وهو بهذا الفهم عاصر كل المشاكل التي عانت منها الشعوب الأفريقية المغلوب على أمرها، وأنه “شارك بنفسه” في خلق بعض من المتاعب منها ما يعانيه الشعب الكونغولي من المآسي واحتلاله بعضاً من أقاليم بلادهم، ومنها تآمره على وحدة الكونغو بالتآمر مع نظيره حاكم رواندا بول كاقامي، ومنها وقوفه “سداً منيعاً” أمام تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول شرق أفريقيا لإيمانه أنّ زعامة هذا الاتحاد في حال قيامه ستؤول إلى كينيا وهو لا يرضى أن يعيش في جلباب زعيم آخر غيره.
الأفارقة وحرب السودان
قاد الاتحاد الأفريقي ومنذ الأسابيع الأولى من الحرب، مساعٍ وقف خلفها وموّلها المجتمع الدولي لإيقاف حرب السودان، لكن لم تُكلّل تلك المساعي بالنجاح حتى الآن، إذ أنّه وفي مايو 2023 أعلن الاتحاد تبنيه خطة لحل الأزمة تتكوّن من 6 نقاط، تشمل وقف إطلاق النار الدائم وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح وإخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومتراً عن العاصمة، ونشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية، إضافةً إلى معالجة الأزمة الإنسانية والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي. وفي 12 يونيو 2023 عقد رؤساء الدول الأعضاء في “إيغاد” قمة استثنائية في العاصمة الجيبوتية، خلصت لتشكيل لجنة رباعية ضمت كينيا وجيبوتي وإثيوبيا وجنوب السودان، وقطعاً لم يحالفها “الحظ” في إنهاء الحرب.
غير محايد:
ويمضى تورشين مؤكداً الى انه لا يرى أي جدوى أو امل للجنة موسيفيني، لأن تأثيره وتأثير بلاده بالحرب اقل من دول الجوار الأفريقي للسودان، لذلك كان الافضل اختيار دول مثل إريتريا أو إثيوبيا. وفي تقديري جهود الاتحاد الأفريقي لن تكلل بالنجاح لاعتبارات عديدة؛ أهمها وجود عوامل خارجية تؤثر على عمل الاتحاد، لذا سيكون دوره دائماً محدوداً سواء في أزمة السودان الآن أو الأزمات الأفريقية بصورة عامة، كما أن موسيفيني نفسه غير محايد، استناداً للكثير من التقارير الاعلامية التي تتحدث عن استقبال مطارات يوغندا الطيران القادم من الإمارات، وهو يحمل الإمداد إلى قوات الدعم السريع، لذلك ـ في تقديري فإن لجنة موسيفيني هي مجرد محاولة من الاتحاد الأفريقي للقول بأنه موجودٌ، خاصةً أنّ الاتحاد يعلم تماماً أن موسيفيني لا يملك ما يقدمه لقادة الحرب حتى ينخرطوا في تسوية أو عملية سياسية جادة، إذ أن منبر جدة الذي ترعاه كل من السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وــ البلدان لديهما ما يقدمانه ــ فشلا حتى الآن في توفير أي ضمانات تقنع طرفي الحرب الانخراط في مفاوضات جادة، كما أن السؤال المهم هل سيقبل الجيش بوساطة موسيفيني؟.
كثير من المبادرات وكثير من الفشل:
وبالنظر إلى جهود مؤسسات الدول الأفريقية في إنهاء الحرب في السودان، فإنه وعلى كثرتها إلا أن نتيجتها “لا شئ”، إذ أنه وفي يوليو 2023 دعت اللجنة الرباعية طرفي القتال لاجتماع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لكن وفد الجيش قاطع الاجتماع احتجاجاً على رئاسة كينيا للجنة الرباعية، وعلى الرغم من انعقاد الاجتماع لكنه لم ينجح، و9 ديسمبر 2023 عقدت إيغاد قمة استثنائية ثانية في جيبوتي بطلب من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان. وشهدت القمة حضوراً دولياً كبيراً، وأعلنت في بيانها الختامي مُوافقة البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو على اللقاء مُباشر لمناقشة مقترح الوقف الدائم لإطلاق النار بدون شروطٍ مسبقة وحلِّ النزاع من خلال الحوار السياسي، لكنه لم يتم حتى الآن، إذ أنه وفي 10 ديسمبر 2023 بعد ساعات من صدور البيان الختامي لقمة جيبوتي؛ أعلنت وزارة الخارجية السودانية أنها غير معنية بما ورد في البيان.
مهندس الانفصالات غير مؤهل:
ويمضى وزير الخارجية السفير أيوب وهو يعيد للاذهان سعي الرئيس اليوغندى يوري موسيفيني ومنذ بداية الحرب السودانية بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق في العمل على انفصال الجنوب وكان له ولغيره ولشعب جنوب السودان ما أرادوه وهو انشطار السودان، كما يجب الا نغفر للرجل اتخاذه جمهورية جنوب السودان “مخلب قط لتعكير العلاقة بين جنوب السودان وشماله خدمة لأغراضه القومية”، ويواصل لذلك فإن موسيفيني غير مؤهل للعب أي دور وليس له القدرة أو الرغبة في ان يسود الأمن السودان ويتطور لانه مثله وغالب رؤساء الدول المجاورة يخشون من “السودان المستقر”، ونقطة أخرى هامة وهي ان الرجل لا يملك قدرة التأثير على الرجلين المتحاربين واللذين لا يرغبان من الأساس إيقاف النزاع العسكري لإيمانها انهما الخاسران عند استتباب الأمر لان الجماهير التي انتفضت ضد حكم الطغاة لن تغفر لهما الجرائم التي ارتكبوها في حق الوطن والدماء التي سالت دون مبرر والأرواح التى زهقت، وفي تقديري حتى مؤتمر القمة الاستثنائي الذي يدعون له لن يحل “مآسينا التي نعيشها والتي يمكن القضاء عليها بالقضاء على القوى العسكرية المتناحرة جميعها”.
المزيد من المبادرات:
لكن جهود القارة لم تتوقف، إذ انه وفي 17 يناير 2024 شكل الاتحاد آلية رفيعة المستوى برئاسة محمد شمباس الممثل السامي للاتحاد، وكلفت اللجنة بالعمل مع جميع الأطراف من أجل استعادة السلام عبر الخطة الأفريقية، لكن البرهان وفي 3 مارس 2024 أبلغ وفد الآلية الأفريقية رفيعة المستوى في اول لقاء معه أن عودة عضوية السودان المجمدة في الاتحاد الأفريقي هي شرط للانخراط في الحلول الأفريقية، وعلق الاتحاد الأفريقي في السابع والعشرين من أكتوبر 2021 عضوية السودان احتجاجاَ على الانقلاب الذي اطاح بالحكومة المدنية، لكنه ظل منخرطاً في الجهود التي هدفت لإنهاء الأزمة السودانية وكثف من تلك الجهود في أعقاب اندلاع الحرب في منتصف أبريل، وفي 20 يناير 202، جمد السودان عضويته في “إيغاد”، وذلك بعد ساعات من القمة التي عقدتها الهيئة في العاصمة الأوغندية كمبالا والتي حددت أسبوعين لعقد لقاء مباشر بين قائدي الجيش والدعم السريع لوضع حد للحرب.
Comments are closed.