بعد هجوم المليشيات على المنطقة ونهبها.. قصة معاناة وتشريد ونزوح أهالي (جبل مويه) إلى المجهول

تقرير: محاسن أحمد عبد الله 

لم يخطر على بالهم أنهم سيكونوا يوماً عُرضةً للسلب والنهب والتشريد من مليشيات الدعم السريع التي عاثت فساداً في أغلب مدن وأقاليم وقرى السودان، ما جعل أغلب أبنائها من نازحي الخرطوم ومدني وقرى الجزيرة يلجأون إليها بحثاً عن الأمن والأمان.

كانت الأمور وقتها تسير بصورة طبيعية في منطقة (فنقوقة الجبل) التي تبعد عن مدينة سنار حوالي 25 كيلو متراً وتقع شمال السلسلة الجبلية لجبل (مويه) وشرق السلسلة الجبلية منطقة الكبيشاب و(البليحاب) آخر السلسلة الجبلية، يمتهن أهلها الزراعة والتجارة وبعضهم الرعي.

 

 هجومٌ مُفاجئٌ

شاءت الأقدار أن تفاجأ أهل (فنقوقة) مساءً بصوت السلاح والدانات التي كانت تُقذف من كل الاتّجاهات دون مقدمات ليختلط الحابل بالنابل، بعدها اقتحمت عربات مليشيات الدعم السريع تلك المنطقة الوادعة الآمنة ليذهب الأمن ويحل مكانه الخوْف والذعر.

لمعرفة ما حدث بالتفصيل، يوصف أهالي المنطقة في حديثهم لـ(السوداني) دون ذكر للأسماء حفاظاً على سلامتهم خاصّةً أنّ بعضهم لم يغادر المنطقة.

 

 نهب تحت التهديد

ابتدر الحديث عددٌ منهم لـ(السوداني): “تفاجأنا باقتحام قوات من الدعم السريع للقرية بعرباتهم المُدججة بالسلاح، خاصّةً أنّ المنطقة ليس بها أي مظاهر عسكرية ولا حتى وجود للجيش السوداني على امتداد الطريق، في لحظات نشروا ارتكازاتهم شرق القرية وبالقرب من المقابر والمدرسة الثانوية، أصاب الهلع الأطفال وكبار السن خاصّةً عند دخولهم لنا في المنازل وهم يحملون السلاح بيد والسياط بيد أخرى، تحت التهديد نهبوا التلفونات أولاً مع الضرب الشديد نساءً ورجالاً؛ ثم بدأوا في نهب السيارات الموجودة وهي كثيرة، حيث لا يخلو منزل من سيارتين أو ثلاث، لأن أغلب أهل المنطقة أصحاب مشاريع زراعية كبيرة وتجار ويعتبرون من الأثرياء، قام بعضنا بالفرار بسيارتهم، حيث نزحوا والبعض الآخر لم يستطع”.

 

التهديد وطلب الفتيات

عدد من النساء أكدن لـ(السوداني) بعد مغادرتهن المنطقة ونزوحهن إلى (…)، وأضفن: “نزحنا وأطفالنا من الخرطوم بعد الحرب اللعينة إلى قرية (فنقوقة)، فهي أرض أجدادنا وفيها ولدنا بِاعتبارها أمانا، ولكن عند دخول الدعم السريع فيها أمس الأول ضاع الأمان، داهموا منازلنا وهدّدونا مع السؤال (ما عندكم بنات؟) فكانت إجابتنا (لا) فكان السؤال (يعني جيتو من الخرطوم من غير بنات؟) فكانت الإجابة (ما عندنا بنات) ثم يغادرون ويتوعدون بالمجئ مرةً أخرى، وكنا قبل مجيئهم قمنا بتخبئة بناتنا تحت الأسِرّة واستمر اختباؤهم لمدة عشر ساعات متواصلة حتى حلول الظلام ثم الهروب من القرية”.

 

أوضح البعض أن عناصر قوات الدعم السريع التي اقتحمت المنازل كانت تحمل ورقة عبارة عن (لستة) فيها أسماء الذين يمتلكون عربات في القرية ويتم الذهاب إلى الشخص المقصود ومطالبته بتسليم مفاتيح سيارته ومن كان غير موجود وذهب بسيارته يهددون أفراد أسرته بالعودة مرةً أخرى، مؤكدين تعاون عدد من أبناء المنطقة مع الدعم السريع ومدِّهم بالمعلومات.

 

النزوح إلى المجهول

أكد أغلب سكان (فنقوقة) والقرى المجاورة التي شقت طريقها عبرهم، نزوحهم ناحية جبل (سريج) الذي يقع جنوب (فنقوقة) عبر المشاريع الزراعية شارعي (الهوا والأربعين) وهناك كل مجموعة تفرّقت شرقاً وغرباً وجنوباً إلى المجهول، فيما غادر البعض الآخر ليلاً من الاتجاه الجنوبي باللواري وبعضهم سيراً على الأقدام مُتجهين ناحية مدينة سنار عن طريق قرية (النورانية).

 

 ظروفٌ قاسيةٌ 

أكد أغلبية من غادروا القرية، معاناتهم في طريق النزوح إلى ربك سيراً على الأقدام، وذلك عندما هطلت الأمطار على رؤوسهم وبرفقتهم الأطفال وكبار السن والمرضى، ليقوم بعض من كانوا يقودون التراكتور الزراعي برفعهم ومساعدتهم ولكن واجهتهم مشكلة أخرى وهي نفاد الوقود، ليستمر النزوح سيراً على الأقدام في ظل ظروف طبيعية ونفسية صعبة للغاية، موضحين لـ(السوداني):”بعد معاناة كبيرة وصلنا أطراف مدينة ربك وكان يوجد عددٌ من عناصر الجيش منعوا دخولنا إلّا بعد اتصالات وموافقات، ليقوم بعض السكان بمنحنا مساحة مهجورة شيّدنا فيها رواكيب وخياماً من المشمعات والمطر من فوق رؤوسنا ولا نعلم ما هو السيناريو القادم.

 

في الوقت ذاته، رَفَضَ عددٌ من سكان المنطقة مغادرتها لأسبابٍ، من بينها أنهم لا يستطيعون ترك ماشيتهم التي تعتبر مصدر دخلهم ولا محاصيلهم الموجودة كما العادة في (مطامير) تحت الأرض، موضحين لـ(السوداني): (إتوكلنا على الله موت موت.. حياة حياة).

 

الجدير ذكره أنّ منطقة (فنقوقة الجبل) من أكبر مناطق جبل موية التي نزح إليها عددٌ كبيرٌ من الفارين من جحيم الحرب في الخرطوم وقرى الجزيرة المُختلفة، توجد بها الخدمات الصحية والمدارس والأندية الرياضية وسوق كبير، بعد الهجوم عليها والتدوين العشوائي بالدانات تضرّر عدد من المنازل مع وجود عدد من الوفيات والإصابات ومازال أهلها مهددين بالتشريد والنهب والقتل من قِبل عناصر قوات الدعم السريع.

 

يُذكر أن عدداً كبيراً من أبناء وبنات المنطقة بدول المهجر قاموا بجمع تبرعات مادية وإرسالها لشراء المواد الغذائية لمساعدة أهاليهم في محنتهم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.