تفاصيل سقوط سنجة.. ثم ماذا بعد؟!

كتب: عطاف محمد مختار

بعد أن تفقّد القائد العام للجيش، الفريق أول البرهان، الخطوط الأمامية بمنطقة سنار، وتناول الفطور مع جنوده، (تلقى تنويراً بقيادة والي سنار، محمد علي عبد الله وقادة القوات النظامية، حول الموقف العملياتي بالقطاع واستعداد جميع القوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى والمُستنفرين من المقاومة الشعبية لصد أي محاولات من قِبل العدو لزعزعة أمن واستقرار ولاية سنار) – ما بين القوسين تصريح رسمي.

أثناء ذاك وعلى بُعد (70) كيلومتراً فقط من مكان وجود البرهان، كانت المليشيا تتّجه نحو مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار – خلي بالك الوالي وقيادة الجيش نوّروا البرهان بالجاهزية الكاملة – حينها كان معظم جنود وضباط الفرقة (17) مشاة بسنجة خارج المدينة، وتم سحبهم إلى سنار، لماذا؟ لا نعلم. هل من أجل محاصرة المليشيا في جبل مويه؟ لا، فهذا لم يحدث. هل من أجل تأمين زيارة البرهان إلى سنار؟ البعض يقول ذلك.!

عندما وصلت المليشيا حدود سنجة، تعاملت معها الدفاعات المتقدمة للجيش والقوة المتبقية بكل قوة وبسالة، لكن هل يكفي ذلك لردع الآلاف من المليشيا؟!

قبل المغرب بساعة، اجتاحت المليشيا سنجة، ووجدتها على طبق من ذهب، بسيناريو شبيه نوعاً ما بليلة سقوط مدني – والتي أعلن الجيش حينها؛ عن تشكيل لجنة تحقيق حول الأمر، ولم يتم الكشف عن تفاصيله حتى الآن.!

سنجة دخلتها المليشيا وهي متأكدة تماماً من استلامها دون عناء، حيث ظهر كل من جنرالي الخلا (كيكل والبيشي) في كامل هندامهما وأناقتهما، بصورة لا تشي أنهما قادمان من معركة طاحنة، ونزلا من التاتشر المصفح الذي يقوده كيكل بنفسه أمام قيادة الفرقة. ومن ثم سجلا فيديو من داخل مكتب الوالي، قال فيه كيكل بكل استفزاز للوالي (حضرنا ولم نجدك). وهو ذات الوالي الذي رفع جاهزية ولايته للبرهان.

بعد ذلك رجعت قوات الجيش في عملية التفاف، ودخلت سنجة، وقامت بعمليات لاسترداد المدينة، واشتبكت مع الميليشيا – وباتت الان المعارك على طريقة حرب المدن.

مشكلة انسحابات الجيش المتكررة بصورة غير مدروسة – الانسحابات تُدرس في العلوم العسكرية – من المدن، تجعل السكان وجهاً لوجه مع المليشيا عرضةً للموت والتنكيل والنهب والاغتصاب والدمار والتشريد والنزوح.

في الحد الأدنى؛ إذا قرّر الجيش الانسحاب، يجب عليه إجلاء السكان وإخطارهم بالخطر القادم، لا أن يتم ترك السكان عُرضةً لأولئك التتار، الذين لا يسلم منهم زرعٌ ولا ضرعٌ.!

المُشكلة ليست في الأخطاء التي حدثت، فالأخطاء في كل عمل أمرٌ واردٌ، لكن المُشكلة أنّ هذه الأخطاء تتكرر؛ وقع الحافر على الحافر بالكربون. لا نتائج تحقيق تظهر، ولا حتى تلافي تكرار الأخطاء، وهذا ينم على أنّ الأخطاء الكارثية لم تتم دراستها لإيجاد معالجة لها – انظر رعاك الله، لتصريح هيئة الأركان أمس، التي نفى صدور أي تعليق لرئيسها بشأن العمليات في سنجة. حيث راجت في الأسافير أنّ رئيس الأركان أمر بالتحقيق بشأن انسحاب الجيش من سنجة. وهذا إن دل إنّما يدل على أنّ رئيس الأركان كان يعلم أمر سحب الجنود إلى سنار. وهُنا تكون الكارثة، كيف تسحب قوات من عاصمة ولاية، والمُتمرِّدون يتمركزون على بُـعد (50) كيلومتراً منها؟!

للأسف الآن صار النزوح مهولاً، معظم سكان مدن وقرى ولاية سنار إما نزحوا أو في مسيرتهم نحو النزوح أو يستعدون له مشياً على الأقدام، يخوضون النهر، منهم مَن يحمل أطفاله على درداقة، ومنهم مَن يحمل والده الكبير على ظهره، ومنهم مَن يدفعه على كرسي متحرك. نساء حوامل وأطفال رُضّع وكبار سن فيهم المريض، والبعض مِمَّنْ نجا من رصاص الجنجويد مات بالحسرة أو المرض. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

سمعنا كثيراً عن اقتراب استرداد الخرطوم ومدني، من البرهان وجميع أعضاء مجلس السيادة – (هم ذات نفس قادة الجيش) – لكن نسمَعُ جَعجَعَة ولا نرى طحناً، لتتساقط كل شهر المدن والولايات والفرق كأوراق الخريف.. وللأسف تحقّقت نبوءة عقار، عندما قال إن لم تذهبوا إليهم في الجزيرة ومدني، سيأتون إليكم في سنار وسنجة والدمازين.. والحبل على الجرار!

في ذات الوقت، لا يريد مجلس السيادة الدخول في سلام ولا يريد خوض المعركة ضد التمرد الغاشم.. والشعب يموت بين ذلك.. يبعثون بكباشي إلى المنامة، ومن ثَمّ يتم قطع الطريق أمام هذه الخطوة.

هذا الوضع من الصعب أن يستمر طويلاً بهذه الكيفية، وإن لم يتم حسمه، فجميع السيناريوهات مفتوحةٌ، فالتململ والغضب وسط الشعب المطحون والضباط والجنود وصل مرحلة الغليان.!

أعضاء مجلس السيادة يدعون للاستنفار، وفتح أبواب المعسكرات، ومن ثَمّ يتم سحب السلاح من المستنفرين، وكباشي يُوجِّه انتقادات حادّة للاستنفار، إرضاءً للخارج.. ولا يهمّه أن تُستباح الأعراض وتُسفك الدماء، ويُدفن الناس أحياءً.. والمليشيا إمدادها مفتوحٌ تسليحاً وتجنيداً من داخل وخارج السودان، وتحتل المُدن، وتضيق الخناق على الشعب والبلد.

السياسة هي فن الممكن وفن صناعة الصفقات وإجادة تقديم بعض التنازلات.

حربٌ مفتوحةٌ على البلد بِدَعْــمٍ إقليمي ودولي، لن تجدي معها مُناورَة “مسك العصا من الوسط” نفعاً، ومن يطالبك بمسك العصا من المنتصف هو في الواقع “يريد منك ان ترقص”.

قالت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، مارغريت ثاتشر، حينما طُلب منها أن تتخذ موقفا وسطيا في قضية مهمة: “الوقوف في منتصف الطريق يعرضك للخطر. سوف تدهسُك العرباتُ السائرة في كلا الاتجاهين”!

إما السلم أو الحرب، لا خِيَــارٌ ثَــالِثٌ بينهما!.

الآن اقتربت مشاورات المائدة المستديرة في مصر لكل الأحزاب السياسية المدنية.. وهناك منبر جدة بين الجيش والمليشيا.. مازالت الفرصة قائمة لتحقيق السلام، فلا تجهضوها.

إن لم تستطيعوا أن تكونوا أبطالاً في الحرب، فلا عَيْـبَ أن تكونوا أبطالاً للسَّـلام، لا عَيْـبٌ البَتّــة، (… وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً).

هذا أو تنحوا، وافسحوا المجال لغيركم.. فالوطن فوق الجميع.

 

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.