د. عبد المنعم محمد حامد *

إلى متى يموت أطفال السودان جراء تدهور الخدمات الطبية؟

شارك الخبر

 

لا أظنني أحتاج أن أوضح أن التدهور في الخدمات الطبية في السودان وصل درجة غير مسبوقة منذ استقلال السودان. فكلكم قد عشتم ذلك واقعا عندما اضطرتكم الظروف لزيارة المشافي الحكومية أنتم أو أبناؤكم أو أقاربكم كمرضى. شاهدتم النقص المريع في المعينات والأجهزة الطبية والطوارئ والأدوية المنقذة للحياة وأسرة الدخول. شاهدتم تكدس المرضى في نقالات الطوارئ وسمعتم أنينهم في مسرحية لا يليق عرضها في القرن العشرين في دولة غنية بالموارد والعقول. كنتم تدفعون تذاكرها بأسعار فلكية ويموت الكثيرون وهم يبيعون الغالي والنفيس لحجز مقعد خلفي في المسرحية فلا يسعفهم الزمن. لم ينجح أحد أبدا بإقناعكم بجمال تلك المسرحية رغم محاولة وزير صحة ولاية الخرطوم السابق لطمس الحقائق مستغلا الإعلام القومي وإعلامه الخاص، ورغم محاولة الرئيس المخلوع إيهامكم بتطور الخدمات الطبية. لقد ردت عليه جماهير الثورة في الشارع بجملة واحدة معبرة (الحكومة دي كضابة).

أخصص هذه المساحة لاستعراض معاناة المرضى من أطفال السودان؛ إذ أنهم يمثلون 50% من المجتمع؛ وهم شريحة ضعيفة كثيرا ما يتم تجاهلها رغم أنهم هم المستقبل وحمايتهم ورعايتهم واجبنا جميعا. السودان من الدول ذات النسبة العالية جداً في وفيات الأطفال والأطفال حديثي الولادة. وقد دعمت هيئة الصحة العالمية السودان والدول النامية في برنامج لتحقيق هدف الألفية الرابع بخفض وفيات الأطفال بنسبة ثلثين بحلول عام 2015. لقد حققت غالبية هذه الدول ومنها من يصغرنا شأنا وتاريخا هذا الهدف وجز السودان ضمن 9 دول عن تحقيق الهدف!
ونحن على أعتاب عهد جديد؛ ومستقبل أفضل إن شاء الله بسواعد قبيلة أطباء الأطفال وروح الثورة ينتظرنا الكثير من العمل لتصحيح أخطاء الماضي ووضع برنامج إسعافي وخارطة طريق لتطوير الخدمات الصحية للأطفال في السودان. لقد طال زمن تكوين الحكومة المدنية. وحرصا على التدخل العاجل والذي لا يقبل التأجيل، نبه استشاريو الأطفال في تخصص السكري والغدد الصماء والمخ والأعصاب إلى نقص وانعدام أدوية السكر والتشنجات والصرع. واستجاب لهذه المبادرة الطيبة الكثيرون من الأخيار من أطباء الأطفال داخل وخارج السودان بمساهمات مادية عاجلة. جزاهم الله جميعا خيرا فيما قدموا. رأيي أن تستمر تلك المبادرات العاجلة وتوسع لتغطي النقص في كل تخصصات الأطفال وتكون تحت رعاية جمعية اختصاصيي الأطفال تحت مسمى صندوق دعم الخدمات الصحية للأطفال، ويمكن أن تشرك في هذا الصندوق منظمات المجتمع المدني.
أما عن التصحيح العاجل لأخطاء الماضي فهي تتمثل في قرارات كثيرة خطيرة ساهمت في تحطيم الخدمات الصحية أصدرها وزير الصحة السابق مأمون حميدة وسط معارضة السواد الأعظم لأطباء الأطفال. لقد أعلنوها في اجتماعاتهم العديدة وفي مجالسهم وقد كتبنا في أكثر من موقع نقدا لتلك القرارات الجائرة. لكن الوزير وحكومة الإنقاذ كانوا صما بكما عميا وما أعارونا التفاتا. أرى أيضا أن تقوم جمعية اختصاصيي الأطفال السودانية؛ وبدعم من جمعيات الأطفال السودانية بالخليج وأوروبا وأمريكا، وبالتنسيق مع وزير الصحة الجديد وإدارته بالآتي:
• الدعم الكامل لمجانية علاج الأطفال.
• إعادة تأهيل مستشفى جعفر بن عوف باعتباره أكبر مستشفى أطفال في السودان، وإعادة فتح الحوادث.
• أيلولة مستشفى جعفر بن عوف وكل مستشفيات الأطفال التعليمية في العاصمة لوزارة الصحة الاتحادية.
• إعادة تأهيل كل مستشفيات وأقسام الأطفال والطوارئ في العاصمة والأقاليم.
• فتح أقسام الأطفال التي أغلقت في مستشفى بحري وحاج الصافي.
• إعادة تأهيل مراكز الرعاية الصحية الأولية للأطفال في العاصمة والأقاليم.
• سد النقص العاجل لأدوية الأطفال وضمان إمدادها.
على المدى المتوسط والبعيد، اقترح أن تتبنى الجمعية (ورشة عمل لخارطة الطريق لتطوير الخدمات الصحية)، يشارك فيها استشاريو الأطفال من داخل وخارج السودان مع خبراء وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية. وتشمل الورشة خطة لبناء القدرات ومعينات التدريب للكوادر الطبية والمساعدة والتمريض وصولا إلى نظام صحي حديث.
بالطبع يمكن للتخصصات الأخرى حذو تخصص الأطفال للخروج بنظام صحي متكامل للسودان يحقق أهداف الثورة نحو سودان جديد.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.