العطور في الأغنية السودانية

تقرير: سعيد عباس

وبما أن الأغنية السودانية مليئة بالعطور والروائح الحسية والمعنوية التي أعطتها عبقاً وأنفاساً تميزها عن غيرها إلا أن ثقافة العطور ومسمياتها الرسمية والشعبية كانت حاضرة في عدد كبير من أبيات الأغاني السودانية مما يدلل على أننا كنا نستمع لجيل يتمتع بثقافة عطرية مميزة وآخاذة فمعرفة العطور بأسمائها الحقيقية يعكس مدى التطور المدني والذوقي لعبق وأريحية ذلك الجيل الجميل .
شاعرنا الكبير ود الرضي كان من أروع الشعراء الذين نثروا عطراً حقيقياً في الأغنية السودانية، وذلك عندما تنسم عطراً من إحدى جميلات قريته فأنشد فيها تلك الأبيات التي يسميها أهل الحقيبة بالرمية التي تكون كمقدمة للأغنية ومدخل متناهي الألق والجمال، فقال (فاح لي كَبريتا -وكبدي كالبنزين قادحا ِكبريتا – اصلو هالكاني وعني مانجيتا ويا جرح غور انشاء الله مابريتا- فعبق الكبريت السوداني الأصيل فعل في دواخله مافعله البنزين مع الكبريت وأصبح عدد من معجبي ود الرضي يتسامرون مع معجبي الجاغريو ويقولون الجاغريو يقول (تجرحني ليه وأنا كلي جراح) وود الرضي عندما تنسم الكبريت قال (ياجرح غور إن شاء الله مابريتا) وإذا عرجنا لمحطة الرائع عبيد عبدالرحمن وفي منتصف الخمسينيات ظهر عطر إنجليزي جديد اسمه (الرفدور) الذي كان لا يستطيع شراؤه إلا خاصة القوم وأثرياؤهم فوصف عبيد محبوبته وكأنها نفحة من ذلك العطر في رائعته (صفوة جمالك صاف في الماء على البلور) إلى أن يقول (ويفوح نشيدي الفيك ذي نفحة الرفدور) وتأكيداً على أن ذلك الجيل يتمتع بثقافة عطرية عالية عندما جاء العطر الفرنسي الجديد والذي تسيد بنفحته وعبقه كل العطور الموجودة في الأسواق وكان الرقم الأول وقتها غنت أم بلينة السنوسي أغنية (سهر المنام لي وحدي) إلى أن يتغزل في عطر الفرير دامور ويقول (يافريردامور المسخ الأرياح ياقسيم الريد الريد فوقك النبي) إلا أن وردي جمع عطرين معاً ليسأل فتاته عن عبق جيدها الرائع ونفسها الجميل ويقول لها في أغنية (القمر بوبا) (إنتِ ريحتك دمور فرير ولا بت السودان أصيل القمر بوبا عليك تقيل) في الوقت الذي كان العطران يتسيدان الموقف بصورة أكبر أما الفنان الأروع أحمد شاويش يعتبر أن الصندل هو طيب وعبق نفحة محبوبته بطبيعتها دون أن تضعه عليها فقال (ست العينين عطر الصدل – لوشفتها يوم عمرك يطول – يمتد سنين) إلا أن صلاح بن البادية بعد أن قال (عايز أكون تاجر عطور) نجده ملأ الجو عبقاً ونداوة بعطور لم يأتي بها أحد من قبله في عددها وكمها وذلك عندما سير الشيخ في رائعته (الشيخ سيروا) وقال عشرة قدور محلبية وعشرة قدور سرتية وعشرة قدور صندلية وعشرة قدور ريحة نية ) وبعد كل ذلك الترف العطري (نسيبتو قالت شوية حرمان مابدخلن عليَّ).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.