محمد عثمان (دبايوا)

هل يشهد صيف الخليج الساخن حرباً رابعة؟
سيناريو أمريكي ضد إيران مُطابق لما سبق غزو العراق
هل للتصعيد علاقة بمُخطّط الشرق الأوسط الجديد، ومَن اللاعب الخفي؟

شارك الخبر

مياه الخليج العربي الهادئة التي تبحر عباب مضايقها ناقلات بطُونها مُتخمة بشحنات حيوية إلى عالم ينتظرها بلهفةٍ لتزوده بمعينات تشغيل وسائل الطاقة، ماجت وهاجت فجأةً وتلبّدت سماؤها بالغُيُوم السوداء وتدافعت أساطيل مشرعة المدافع والصواريخ تُنبئ بحربٍ ضروسٍ ودمارٍ هائلٍ. ولكن ما الهدف ومن المُستفيد من هذا الوضع وما يُنذر من عواقب كارثية؟
بداية المُشكلة هو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني الذي توصّلت إليه معها الدول الأوروبية وإصرار الولايات المتحدة على إعادة التّفاوُض حوله بدعوى منع إيران من تطوير قُدراتها النووية. ورفضت إيران الأمر وكذلك الدول الأوروبية المُوقّعة على الاتفاق. ومنذ ذلك الوقت لاحظ المراقبون تصعيداً مُمنهجاً مُتزايداً للمُواجهة، ففرضت الولايات المتحدة عُقُوبات أحادية على إيران تستهدف منعها من الاستفادة من النفط سلعتها الرئيسية، وكذلك بنوكها، والحرس الثوري، وأرسلت مزيداً من التعزيزات العسكرية البحرية والجوية والبرية لمنطقة الخليج مُدعيةً حرصها على حُرية الملاحة في الممر المائي.
استحضار السيناريو العراقي
وتناقلت الأنباء هجوماً على بواخرتجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وبعدها حدث الهجوم على ناقلتين أخريين بعد أن عبرتا مضيق هُرمز. النار التي اشتعلت في الباخرتين زادت سخونة الأجواء وصعدت من حِدّة المُواجهة. الولايات المتحدة في سيناريو مُطابق لمُجريات ما قبل غزو العراق، اتّخذت من حادث السفينة ذريعة لتبث فيديو باهتاً تتّهم فيه الحرس الثوري الإيراني بالهجوم على الباخرتين. وقد شكّك الكثير من الدول وأعضاء في الكونغرس، في مصداقية الشريط، بالإضافة لبعض حلفاء أمريكا في المنطقة. ولم تكتفِ الولايات المتحدة بذلك الاتهام، بل ادّعت أنّ لها معلومات استخبارية لم تكشف عنها مصحوبة بلغة التّهديد والوعيد وبثّت صُوراً إضافية لتدعم اتّهامها وأخذت تدفع بمزيدٍ من الجُنُود والعتاد إلى المنطقة. كما أسلفت هي نفس خطوات وأجواء ما قبل غزوالعراق. ففي حرب العراق كانت الخطوة الأخيرة هي تكوين تحالُف دولي وقد نجحت الولايات المتحدة في ذلك بادعاءات زائفة عن قُدرات العراق النووية، وقادت التحالُف لغزو ذلك البلد من أجل هدفين، الاستيلاء على موارده البترولية وتدمير قُوته العسكرية.
الولايات المتحدة تسعى اليوم جَاهدةً من أجل خلق رأي عام عالمي وتكوين تحالُف دولي ضد إيران، وربما تلجأ لتطبيق الخطوة الأخيرة بعد تهيئة الجو لتدمير قُدرات البلد العسكرية أولاً، ثُمّ البترولية ثانياً بحرب خاطفةٍ أو محسوبةٍ، خَاصّةً وأنّها قد أضعفته اقتصادياً.
وفيما يَختص بهدف تجميع تحالُف دولي هذه المرة، فأعتقد أنّ الولايات المتحدة ستُواجه صُعُوبة في ذلك، فكما ذكرنا فإنّ من المؤكّد أنّ الدول المُوقّعة على الاتفاق النووي مع إيران لن تنضم لهذا التحالُف، بل في واقع الأمر هي تُعارض انسحاب الولايات المتحدة من الاتّحاد والعُقُوبات الأحادية على إيران التي تضر بمصالحها الاقتصادية الحيوية، بل سعت هذه الدول إلى إصدار تَشريعات لالتفاف شركاتها على العقوبات للتعامُل مع إيران.
وإنْ كان الأمر كذلك لماذا تُغرِّد الولايات المتحدة خارج سَرب حلفائها وتتّخذ خطوات مُنفردة في تأجيج الصراع وتصعيد المُواجهة مع إيران؟
أمن أسرائيل أولاً
لا أعتقد بأنّ الولايات المتحدة تهتم كثيراً، في الوقت الراهن، في الدخول في حربٍ مع إيران من أجل حماية مصادر النفط وممرات انسيابه. فقد تغيّر الزمن الذي كَانت فيه الولايات المتحدة تعتمد استراتيجياً على إمدادات النفط الخليجية بعد إيجاد بدائل تسد بعضاً من حاجتها وهو أمرٌ أكّده الرئيس ترمب في تصريحات. فلذا قد يكون البترول هذه المرّة سبباً ثانوياً وليس رئيسياً كما كان الحال في حرب العراق.
هناك سببٌ قويٌّ دفع الولايات المتحدة في السابق ويدفعها الآن لتدمير إيران أو تقليص قُدراته العسكرية. وهو ليس من أجل حماية أصدقائها في الخليج كما تدعي. فوراء القصة الحرص على أمن إسرائيل من جانب اللوبي اليميني الانجيلي المُتطرِّف الذي وصل للبيت الأبيض وأحاط بالرئيس ترمب الجاهل بالسياسة. هذا اللوبي أو اليمين المُتطرِّف يُؤمن بالحرب في آخر الزمان أو الـ “ارماجدون” وانتصار المسيح في هذه الحرب واستتباب السلام في العالم. وأنّه مع ظُهُور الدجال، سيؤمن اليهود بالمسيح وسيُهاجر جميع اليهود إلى فلسطين في آخر الزمان.
ولذلك فأمن إسرائيل وتحقيق النبؤة يقتضيان القضاء على القوة العسكرية الإيرانية كما تم القضاء على قوة العراق، ومن ثم تخلو الساحة من وجود قوة مُنافسة لهذا الكيان في المنطقة.
الشرق الأوسط الجديد
ولا يَستبعد أن تكون للأمر كذلك علاقة بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سبقه الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إلى هناك، وكذلك الاعتراف بضم الجولان المُحتلة لإسرائيل، فربما يكون إضعاف أو تدمير إيران خطوة مكملة للمشروع.
وترتفع كل يوم نبرة اتّهامات وزير الدفاع الأمريكي، ومن خلفه صقور الإدارة الأمريكية، لإيران بأنّها وراء الهجوم على الناقلتين بغرض إغلاق مضيق هُرمز، وإيران تنفي باعتبار أنّ ذلك ليس من مصلحتها في شئ. ولكن إسقاط إيران للطائرة المسيرة الأمريكية زاد من سُخُونة لغة التّهديد من الطرفين لدرجة أنّ الرئيس الأمريكي أمر بضربة، ولكنه تراجع قبل عشر دقائق، ولكن هذا لا يعني نسيان الأمر والرغبة في الرد على إسقاط الطائرة. فالجمهوريون وصقور الإدارة يضغطون من أجل ضربة ولو محسوبة، بينما يعترض الديموقراطيون على الحرب إلا بالرجوع للكونغرس. الوضع يختلف الآن عن حرب الخليج الثالثة في أنّ أيِّ اشتعال لن يقتصر على المنطقة، بل ستصل ويلاته وإفرازاته لكل دول العالم.
وعلى إيقاع الشد والجذب وصيف الخَليج الحَار، يحبس العالم أنفاسه في انتظار مساعي الحكماء في اليابان والعراق وسلطنة عُمان ونداءات ضبط النفس العالمية، في تهدئة الأمور ونَزع فتيل حَرب قد تلتهم في أتونها كل منطقة الشرق الأوسط إلا إسرائيل، اللاعب الخفي، التي من أجل أمنها تَكون قد دوت أصوات المَدافع وانطلقت الصواريخ.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.