هالة يوسف

قِوى الحُرية والتّغيير.. تمثلني

شارك الخبر

في أثناء تجوالي ما بين القنوات الفضائية السُّودانية، عبر نشرة الأخبار، تمّت إذاعة خبر مفاده أنّ هنالك عدداً من الأحزاب السِّياسيَّة والشخصيات التي شكّلت تَكتُّلاً، وهي تتحدّث عن إقصاء قِوى الحُرية والتّغيير لهم، وتتحدث هذه القِوى باسم الشعب السوداني، ذاكرةً بأنّ هذه القِوى لا تمثل الشعب السوداني، وأنتم مَن أعطاكم الحق لتتحدّثوا بالإنابة عني أو عن بقية الشعب السوداني؟ وأنتم فقط عددٌ قليلٌ جداً من السِّياسيين أصحاب المصالح، ومع تقديري لكل من شارك هذه القِوى السِّياسيَّة وهي التي شاركت في النظام السَّابق وغضّت الطَرف عن مُمارساته ضد الشعب السوداني واستسلمت للأمر الواقع، بل دَعمت سياسات التمييز الحزبي والطائفي والقبلي والتي مُورست ضد الشعب السوداني، وعلى رأسهم الشّباب بأن تمّ إقصاؤهم خارج مُؤسّسات الدولة ومُؤسّسات الخدمة المدنية لأنّهم لا ينتمون إلى المؤتمر الوطني أو الحركة الإسلامية، والبعض الآخر تمّ زجّه في المُعتقلات والسجون، ومنهم من هاجر خارج السودان تَاركاً خلفه آماله وطُمُوحاته في العيش الكريم بوطنه.
أولاً: من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته تلك القِوى السياسية وهي وجوهٌ مُتكرِّرةٌ، لم تقدم للسودان خلال الفترة السابقة أيِّ جديدٍ ولم تسهم في تَحقيق التّنمية أو السّلام أو التّقدُّم الذي ننشده، بَل ظَلّت قَابعةً على تحقيق مَصالحها ومَصالح أحزابها أو كياناتها، نفس الوجوه شاركت الحكومة السَّابقة، وفي إطار توزيع السلطة والثروة تَغافلت عن تَجَاوُزات حكومة الإنقاذ وعن الانتهاكات التي فعلتها في حق الشعب السوداني أطفالاً ونساءً ورجالاً.
ثانياً: لقد أعطيتم النظام السَّابق فُرصة (30) عاماً ليحكم بدون تفويضٍ من الشعب، فلماذا لا تعطوا هذه القِوى فُرصة فقط (3) سنوات وبتفويضٍ من الشعب ليقدِّموا تجربتهم ويُنفِّذوا برامجهم لعلها تكون الحل الجذري لمشاكل السودان، وبعدها هُنالك انتخابات يُمكن لكم المُشاركة بها، تمعّنوا جيِّداً هذا الرقم (3) إنّه ثلاثة وليس ثلاثين، فقط ثلاث سنوات، هذه الفترة تُسمّى فترة انتقالية، بمعنى ليست حكومة مُستدامة، هي فترة تُمهِّد للانتقال السلمي لحكومة ديمقراطية وبتدرُّجٍ، وبعدها لديكم فُرص للمُشاركة في الحكم.
ثالثاً: لماذا لم نحتج نحن الذين تمّ إقصاؤنا منذ نشأتنا، تم إقصاؤنا ومُعاملتنا مثل الأجانب، أو كأنّه ليس لدينا حَقٌ مثلهم في هذا البلد.
رابعاً: لقد أخذتم فُرصتكم كاملةً وأهدرتم تلك الفُرص ولم تقدِّموا للسودانيين ما يتمنّونه كبشر أو كمُواطنين، بل ركّزتم كل جُهدكم في كيفية تمكين أنفسكم وتنظيماتكم وتحقيق مَصالحكم الخَاصّة، حتى إنّ بعض القضايا التي نَاديتم بها من تنميةٍ مُتوازنةٍ، وتهميشٍ، وانعدام الخدمات الأساسية في المَناطق الطَرفية وانعدام العدالة الاجتماعية جميعها اختفت مُجرّد أن تمّ تقسيم السُّلطة والثروة بينكم وبين الحزب الحاكم. لقد شاركتم في إقصاء الجميع، بل تَنَاسيتم المَشاكل والأزمات الداخليّة والخارجيّة التي يُعاني منها السودان وأصبح جُل اهتمامكم كيفية تَمكين أحزابكم في السّلطة وزيادة نسب مُشاركتكم في الحكومة، وتتحدّثون الآن عن الإقصاء!!
شُكراً لقِوى الحُرية والتّغيير والتي جَعلت القِوى السِّياسيَّة تتّفق لأول مرّة في تاريخ السُّودان، لأوّل مرّة أجد أن هنالك فقط قوتين سياسيتين فقط، قِوى إعلان الحُرية والتّغيير، والقِوى الأخرى التي ظَهرت فجأةً بعد تَوقُّف عمليات التفاوض، وهي تُعتبر – من وجهة نظري – قِوى مُضادة للثورة.
كذلك تحدّث البعض عن أهمية الرجوع إلى الحوار الوطني، والآن تتحدّثون عن مَخرجات الحِوار الوطني والذي تمّ فيه إهدار المليارات، تمّ فيه إهدار الوقت والجهد والذي لا يُقدّر بثمنٍ، عَكَفَ الخُبراء يَعملون ويُفكِّرون ويقدِّمون مُقترحاتهم وتوصياتهم، إلا أنّها ظلّت حبراً على ورقٍ، ولم تضغطوا على النظام الحاكم آنذاك على تنفيذ مخرجاتها، والآن تتحدّثون عن حوارٍ وطني؟ إذا كُنتم فعلاً حَريصين عليه لِمَ تجاهلتم تنفيذ توصياته، سواء في مجال السياسة الداخلية أو السياسة الخارجية؟
خامساً: إنّ قِوى إعلان الحُرية والتّغيير تمثل الأغلبية العُظمى من الشّعب السُّوداني، كل الشعب السوداني يكن لها التقدير والاحترام والشكر والامتنان لقيادتهم للثورة بطريقةٍ مُنظّمةٍ وسلميةٍ ولإسقاطهم للنظام، وقيادة أشرف ثُوّار والذين مثلوا الشرف والأخلاق والعِزّة والنزاهة والذين بيّنوا فعلاً أنّ “الدين المعاملة”، وهم بذلك قد شكّلوا لوحةً فنيةً فريدةً من نوعها يعجز أيِّ فنان عن تصميمها أو وصفها، لم أشاهد الشعب السوداني في وُحدةٍ مثل الذي عليه، فعلاً إنّ في الوحدة قوةً وعلينا أن نُواصل في الحفاظ على هذه القوة والوحدة وهي سلاح سلمي قوي.
سادساً: هؤلاء العُقُول النَّيِّرة من تحالُف قِوى الحُرية والتّغيير يملكون العديد من الرُّؤى البنّاءة والمُقترحات العلمية، رجاءً أعطوهم فُرصة، وأنتم في هذ الفترة قيّموا تجارب أحزابكم وحَلِّلوا مَواطن الضعف لديكم ومَواطن القُوة وكيفية الاستفادة منها بعد (3) سنوات ويُمكن أن تعملوا كمُراقبين وتقيِّموا هذه الفترة، كما سيكون لديكم الوقت الكافي لإعادة بناء جُسُور الثقة بينكم وبين المُواطن وتعملوا على إعادة بناء أحزابكم وتقويتها وتدريب كوادرها.
أيضاً نَمَا إلى علمي أنّ هنالك مجموعةً من الشباب، قد كوّنوا تنظيماً جديداً مُتحدِّثين عن أحقية مُشاركتهم في السُّلطة، يا أعزائي الشباب الثُّوّار، هنالك الملايين من شاركوا في هذه الثورة من كل ولايات السودان وفي خارج السودان، هل يعني ذلك أنّهم لا بُدّ أن يشاركوا في إدارة الفترة الانتقالية؟ هنالك شبابٌ ترفّعوا وتَواضعوا وقدّموا الكثير وكان هدفهم هو بناء سُودانٍ جديدٍ تسوده العَدالة والحُرية والسَّلام ولم يظهروا في أيِّ تنظيمٍ سياسي، ولم يظهروا حتى في المَنابر الإعلاميّة، ولم يكن هدفهم السُّلطة أو المُشاركة السِّياسيَّة بقدرِ ما كان ومازال هَدفهم هُو بناء سُودان يَسُوده الاستقرار والعَدالة الاجتماعيّة وبناء السَّلام وتَحقيق الرَّفاه والعيش الكريم لشعبه، هؤلاء الملايين الذين فجّروا الثورة وقادوها حتى اعتصام القيادة العامّة، منهم من قدّم نفسه شهيداً من أجل هذا الوطن، ومنهم ما زال ثَائراً على الظُلم وما زال يعمل بكل تَواضُعٍ.
أدعو كل شباب السودان، كل من يُريد أن يُشارك في بناء هذا الوطن بصدقٍ فلديه العديد من الفُرص والطرق سواء كانت الطرق السِّياسيَّة وبعيداً عن البحث عن السُّلطة والثروة، أو غيرها من خلال الانخراط في العمل الطوعي، في ظل افتقادنا لمُؤسّسات مُجتمع مدني مُستقلة، خَاصّةً وأنّ مُعظم مُؤسّساتنا الطوعية كانت مُسيّسَة، لماذا لا تُوجِّهون جُهُودكم نحو العمل الطوعي، لماذا لا تُؤسِّسوا لمبادئ العَمل الطوعي من خلال مُؤسّسات مُجتمع مدني تقود المُجتمع والدولة وتُشارك من خلاله في تنمية السودان. ومن أراد المُشاركة السِّياسيَّة فهنالك المئات من الأحزاب السِّياسيَّة يُمكنه الانضمام إليها، فالسُّودان لا يحتاج لمزيدٍ من تلك الأحزاب، فمعظم الدول المُتقدِّمة لا تضم كل هذا الكم الهائل من التتنظيمات السِّياسيَّة، فنجد أنّ مُعظم الدول لديها ما بين (5) أو (10) أحزاب وأغلبها فقط (3) أحزاب، الحزب الحاكم، (حزب اليمين) والحزب المُعارض (اليسار) والحزب المُعتدل (وهو المُحافظ أو المُستقل) بقاعدة جماهيرية عريضة، فأيِّ حزبٍ إما أن يكون مع النظام مُؤيِّداً له، أو معارضاً لسياساته، أو مُستقلاً أو مُحايداً، وحتى الحزب المُعارض يعمل على مُراقبة الحزب الحاكم وتوجيهه ومُحاسبته إذا انحرف أو أخطأ في حق الشعب.
إنّ الشَّارع السُّوداني قد فوّض تلقائياً قِوى الحُرية والتّغيير وهذا التّفويض لا يحتاج لإبرام عقدٍ أو صناديق اقتراع، أبسط مثال أنظروا إلى كل ولايات السودان الملايين الملايييين، قد استجابوا لكل توجيهاتهم فيما يخص الحفاظ على استمرارية الثورة السَّلميَّة، أنظر إلى هذه الحُشُود التي خَرَجَت من كل ربوع السُّودان وفقاً لقيادة حراكهم، أنظر إلى مَقر الاعتصام، القيادة العامة قبل مَجزرة التاسع والعشرين من رمضان والتي كانت تمثل سُوداناً مُصغّراً وكلهم يعملون تحت مظلة وقيادة قِوى إعلان الحُرية والتّغيير، هذه حقائق لا يُمكن إنكارها، أرجو أن تحترموا إرادة غالبية الشعب وخياره ولا تصنعوا مَزيداً من الثورات المُضادة.. كفانا انقساماً وتخاذلاً.. أكرِّر إنّني لم أشاهد السودان في وحدة مثل الذي عليه الآن، فعلاً إن في الوحدة قُوةً.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.