مسارات محفوظ عابدين

المجلس العسكري يستبق النقابات
اتحاد عمال السودان ..الدور المنتظر في المتغيرات السياسية والاقتصادية

شارك الخبر

شهد السودان بداية هذا العام، والشهر الذي سبقه، تطورات سياسية واقتصادية، بدأت بحراك سياسي طابعه وجوهره اقتصادي ونجح هذا الحراك في إزالة حقبة سياسية ظلت في الحكم ثلاثين عاما، وهذا الحراك أخذ صيته الإعلامي والسياسي لأنه انطلق من مدينة العمال الأولى في السودان وهي مدينة عطبرة مقر رئاسة هيئة سكك حديد السودان، وبالتالي نجحت القاعدة العمالية في تلك المدينة التي تبعد أكثر من 300 كيلو متر شمال العاصمة الخرطوم، نجحت في أن تسبق قيادتها في المركز في إحداث التغيير، وأن تجعل لهذا الحراك حواضن إعلامية وسياسية، لتزيد بها الحناق على النظام السياسي القائم وقتها حيث فشلت كل محاولته في توفير معينات الحياة البسيطة للمواطنين، إلى أن سقط في الحادي عشر من شهر إبريل، وكانت عطبرة أيضاً حاضرة بعد ذلك من خلال (قطارها) الشهير الذي وصل إلى ميدان الاعتصام بالقيادة العامة، وحظي بتغطية إعلامية كبيرة خاصة من الفضائيات العالمية. وبالتالي إن هذه ثورة هي كسب عمالي في المقال الأول وليس من حق أي قوى سياسية أن تدعي أنها صاحبة الفضل في التغيير.
ويجيء امتداد هذه الثورة لدور العمال التاريخي والسياسي في السودان حيث إن أول مناهضة للاستعمار كانت من العمال في العام 1908م، وهذا التاريخ استبق استقلال السودان بحوالي نصف قرن من الزمان، وخلال تلك الفترة لم يكن حاضراً في وجه الاستعمار إلا العمال، حيث امتد هذا العمل السياسي والنضالي عبر تلك السنوات قبل مجيء الاستقلال في العام 1956م ، حيث استجاب المستعمر ووافق على قيام أندية العمال في العام 1934م وكانت منارة تثقيفية وتوعوية للعمال، وصدرت أول مجلة عمالية في العام 1946م امتداداً للدور السياسي والثقافي للعمال، وفي العام 1947 م كانت الشرارة الأولى لقيام التنظيمات النقابية في شكلها الحديث لهيئة شؤون عمل السكك الحديدية، ليصدر في العام 1948 قانون العمل والعمال، ولائحة تسجيل النقابات لنفس العام حيث اكتسبت الحركة النقابية شرعيتها واستمدت قوتها بقيام أول مؤتمر عمال في العام 1949م.
واليوم يعيش العمال ظروفاً اقتصادية صعبة بالرغم من التغيير السياسي الذي قاده العمال في كل من عطبرة والدمازين. وكان من المنتظر أن يحقق هذا التغيير دوراً كبيراً في تغيير حياة الناس وخاصة المعاش والذي بسببه طلعت المظاهرات في عطبرة، ولكن الأيدي التي امتدت إلى الثورة وحاولت أن تغير مسارها لتحقيق مكاسب سياسية فشلت في تحقيقها خلال الثلاثين عاماً من حكم البشير، لتسرق جهد العمال وتحوله إلى مفاوضات في (القاعات المغلقة) وإلى صراع محموم في المؤتمرات الصحفية في (القاعات المفتوحة) . ومن هنا يجب أن يتحرك اتحاد العمال لحماية ثورته والعمل من أجل الأهداف التي قامت من أجلها وانطلقت المظاهرات والتي قادتها قواعده في عطبرة وهي توفير الحياة الكريمة للمواطنين، والاهتمام بالمعاش فعلاً وقولاً وليس للاستهلاك السياسي كما كان يفعل النظام البائد.
إن الخطوة التي أقدم عليها المجلس العسكري الانتقالي بفك تجميد عمل النقابات خطوة صحيحة وهي ترد التحية بأحسن منها للعمال في عطبرة وغيرها من مدن وقرى السودان، حيث أشعلوا الشرارة الأولى لتغيير في السودان، وبالتالي من المفترض أن يكون اتحاد العمال هو صاحب الاسم الأعلى سياسياً وإعلامياً في هذه المرحلة ويجب أن يقود تحركاً كبيراً لتحقيق أهداف هذه الثورة اقتصادياً وسياسياً وذلك لتكامل الدورين.
وسجل المجلس العسكري الانتقالي نقطة ثانية استبق بها اتحاد العمال حيث كان نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق أول محمد حمدان حميدتي قد سجل زيارة في الأول من مايو إلى كنترول الشهادة السودانية في وزارة التربية والتعليم حيث وقف على عمليات التصحيح وسير العمل فيها قبل إعلان النتيجة ، حيث أعلن نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان دقلو عن تحفيز المعلمين بمرتب ٣ أشهر، ووعد بزيادة مرتباتهم بنسبة كبيرة حتى تساوي أعلى المرتبات في الدولة، وتبرع بخمسة آلاف جنيه لكل معلم من الذين يقومون بأعمال تصحيح أوراق الشهادة الثانوية وعددهم ٦ آلاف معلم، وقال إننا علمنا أن مرتب المعلم هو ألف جنيه فقط، وتخصم منه ٢٥٠جنيهاً، وهذا الوضع الذي يعيشه المعلمون حالياً وضع كارثي، وفيه ظلم كبير، لذلك نقول أنتم متطوعون وليس موظفين”، وأعلن النائب عن تحسين أوضاع المعلمين في البلاد قائلاً، “بإذن الله سنزيد مرتبات المعلمين لتتساوى مع أعلى المرتبات في الدولة” .
وما أعلنه نائب رئيس المجلس العسكري الفريق أول محمد حمدان حميدتي هو من صميم عمل الاتحاد ومن واجباته القتال من أجل تحقيق مرتب يفي بالحد الأدنى لمتطلبات المعيشة، وهذه البادرة من المجلس العسكري الانتقالي تجعل أمام الاتحاد فرصة كبيرة للقاء رئيس أعضاء المجلس العسكري لمناقشة كل القضايا العمالية في الإطار الوطني والنقابي في تحريك العمل الإنتاجي والحفاظ على الموارد والتوظيف الأمثل لكل المقدرات للدفع بالاقتصاد السوداني للخروج من هذا الوضع الحرج والعمل بإنفاذ كل ما يعين العاملين في الاستقرار والتوجه بكلياتهم إلى الإنتاج.
وإن كان من دور سياسي لاتحاد العمال كما كان في السابق عليه أن يدفع بمبادرات سياسية ويقدم ورشاً وندوات في الإصلاح الاقتصادي، ويقدم تنويرات للعمال في الولايات، وإن اتحاد العمال يجب يكون حاضراً بالقدر الكافي لأن تلك الحالة التي يعيشها السودان هي في الأصل خصماً على الوطن والعمال ، وتأثيرها مباشر كما هو واضح الآن في حالة ( الانفلات) الكبير في الأسعار، وإلى حد ما في الأمن.
إن اتحاد العمال ينتظره دور سياسي واقتصادي في هذه المرحلة ويجب أن يكون سنداً لكل عمل وطني بما يملك من قوة بشرية هائلة يمكن أن تقلب كل الموازين لصالح الوطن وتحقيق أهداف الثورة التي أشعل شرارتها العمال في عطبرة في التاسع عشر من ديسمبر 2018م وهو يوم تاريخي أيضاً يصادف إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في العام 1955.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.