حين نلتقي أميمة عبدالله

أميمة عبدالله

شارك الخبر

الخرطوم بين العيدين
لم تعد حركة السير داخل الخرطوم للذين يتحركون بسياراتهم مزعجة إلى ذلك الحد الذي يجعلهم يتصببون عرقا من زحمة الطريق وطول انتظار الاستوبات التي تفتح حركتها لثواني معدودات فقط مما يسمح بمرور عدد قليل من السيارات. اختفت خنقة المرور من على الكباري وشارع النيل وشارع القيادة الخالد.
تلك الزحمة التي كانت تجعلنا نصب لجام الضيق والعرق والزحمة شتيمة وعبارات غاضبة ومشادات كلامية جانبية بين سائقي بعض المركبات العامة، تغير حالها وحالنا ومزاجها الليلي المبهرج وتغير حالنا، كَبر همنا وتضاعف، وحمل صغارنا معنا ما استطاعوا من الهم والترقب، قلّت رغبة أولادنا الجارفة في ممارسة لعبة كرة القدم التي كانت تشغل عصرهم حتى مغيب الشمس وصار همهم متابعة الأخبار على القنوات الإخبارية المتخصصة واتفقوا معنا في استخدام الهواتف الذكية لمتابعة الأخبار والفيديوهات بدل العابهم التي حملوها عليها، نسوا اهتماماتهم القديمة وصاروا يتغنون بشعارات الثورة وأحلامها مع كل مغيب شمس.
ربما هي مظاهر تغير الحكم ومستلزمات الفترات الانتقالية أو هو الفراغ الذي تعيشه الشعوب عادةً بين ذهاب حكم واستقبال آخر.
لماذا اختفت صفوف السيارات الطويلة من على الشوارع العامة والأبواق المتكررة؟ حتى لكأنني أسأل: أين ذهب الناس؟
لماذ اختفت مظاهر أنس الخرطوم الليلية وحركة أهلها وتجمعاتهم؟
حتى الذين يتناولون الشاي عند البائعات لم يعد جلوسهم تحت أشجار بيع الشاي من أجل المتعة وأُنس الشارع ولقاء الأصدقاء، الآن تغير الجالسون من حولهن وتغير لبسهم وبات حديثهم مختلفا.
تغير مزاج الخرطوم وطقسها ولم تعد هنالك فرصة للهواء النظيف أن يدخل البيوت، قلت حركة ساكنيها وكأن الناس في عطلةٍ غير معلنة أو كأنهم يفكرون في السفر أو البعد عنها ما استطاعوا وأسواقها تشكو قلة البيع وضيق الرزق وشوارعها متعبة من الأحداث المتلاحقة وبقية الولايات الأخرى تتابع بقلق ما يحدث في الخرطوم، فالحياة في أغلب الولايات متوقفة بسببها.
ومن كان ملتزما بدوام عمله من سكانها باتت أفكاره معطلة ورغبته واهنة والإحباط يُضعف الجسد ويُبطئ سيل الأفكار والإبداع وكل محادثة هاتفية تُختم بالدعاء للبلد أن يُجنبها المواجهات المسلحة وتصفية الحسابات القديمة هنا في شوارعها.
الحذر والترقب الذي تعيشه الخرطوم الآن قد يستمر طويلا لضعف الثقة بين مكوناتها السياسية، وكأنهم يتحفزون للانقضاض، والحال التي تتردّى وتسير من سيئٍ إلى أسوأ والمدارس تفتح أبوابها وتلاميذها يشغلهم حال البلد.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.