همس الكلام حسين الخليفة الحسن

وكُنت بين الحُسنيين

شارك الخبر

كَانَ نَهاراً كَئيباً حَزيناً، كَالِح السُّواد كجوادٍ أسحم، وصوت خافت مُترع بالحُزن لصديقٍ حميمٍ، دَاهَمَ أُذن جَوّالي هَامِسَاً دُون استئذانٍ ليبلِّغني رحيل أنبل وأعز الناس، رَجل العِلم والمَعرفة، مُربِّي ومُعلِّم الأجيال، وأحد نُجَبَاء وعُشّاق قَلعة العِلم والمَعرفة “بخت الرضا”، صَديقي الوَدود الخَلُوق “الطيِّب “الفكي” عبد الله عبد الوهاب “عَطّرَ الله ثَرَاه”.
ولولا أن نَعاه النّاعي لكذبت الخبر.. وبِرحيلك يا الطيِّب نَضَبَ مَعِين المَعرفة.. وبِرحيلك يا الطيِّب خَفَتَ صَوتَ الحَق.. وبِرحيلك يَا الطيِّب غَابَت الكِلمة الطيبة.. وبِرحيلك يا الطيِّب انزوت البسمة العَذبة البَريئة.. وتَفتقدك اليوم يا الطيِّب رفيقة دَربك وزَوجك المَكلُوم “عائشة”، وفَلَذَات كَبدك “راشد” وأشقاؤه وشقيقاته.. وإخوانك “إبراهيم” وأشقاؤه.. ونَفتقدك اليوم يا الطيِّب نحن أصدقاؤك، ورُصفاء المَعرفة والقلم، وأهلك وعشيرتك.. يا إلهي جاءك اليوم “الطيِّب” الطيِّب خَاشِعاً، خَاضِعَاً يبتغي رَحمتك وغُفرانك، فأغدق عَليه مِن رَحمتك وغُفرانك، “ووسِّده البَاردة”.. وأدخله الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.. (إنا لله وإنا إليه راجعون).
وبالأمس وبقلبٍ مُثقـلٍ بالحُـزن، ووجـدانٍ يَلهث أسَـىً، تَوجّـهت صَـوب دار صديقي المرحوم “الطيِّب” بضاحية أركويت بحَاضرة الوطن الخرطوم، جِئت لأتَقَبّلَ العَـزَاء.. حَمَلتني قَدَماي لرُكنٍ قصي من صَيوان العَزاء الفَسـيح، وكأنّ جَنباته قَد بُلّلت بدموعٍ صَامتةٍ.. جلست قُرب صديقي ابن جلدتي المُربي الفاضل عبد الجليل محمد خير نتجرّع كأس الذكريات.
وجاءني خِلسةً ابني الشاب النضر اللواء عماد ابن المرحوم الطيِّب، وهَمَسَ في أُذني طالباً مني أن أتجاذب أطراف الحديث مع سعادة الفريق شرطة عادل محمد أحمد بشاير، مدير عام قوات الشرطة الذي جاء مُعزياً، شُكراً له.. جلست جوار ربان سفينة الشرطة الابن “عادل” مُحدِّقاً في زيِّه الشرطي الأنيق المُنمّق والمُموسق، وفي كاريزمته الجَاذبة الفارهة وفي البسمة العَذبة التي لَم تَألف كَمَا أظن مُغادرة ثغره المُغتبط.. قلت له مُداعباً، مُتَحَسِّراً وموثقاً: تحكي صفحات التأريخ أن رجل الشرطة بالأمس مَرّ بسنينٍ عجافٍ وهو يؤدي واجبه: كان كئيباً، مُعدماً، بهندام مُهترئ، حِذَاء عتيقٍ ومُتأبطاً البؤس والشقاء والهزال.
قال المدير الشرطي بتواضعٍ هادئ، وهُدوءٍ مُتواضعٍ، وخُيوطٍ من البشر والتفاؤل تتقاذف من عينيه قال واثقاً: تبدّل حَالَ الشرطي اليوم للأحسن والأفضل؛ مظهراً وجَوهراً، عِلماً، ثَقَافَةً، نَضرةً، بهاءً ومهنيةً عاليةًhigh professionalism .. وصعدت نُخبةٌ منهم قِمّة هرم العلم والمعرفة والثقافة الشرطية، وتزيّنت صُدُورهم بقلائد الماجستير والدكتوراه.. كما صارت أنامل الشرطي تُداعب أحدث الأجهزة التقنية في تقديم الخدمات للمُواطن دُون إبطاءٍ أو تلكؤٍ.
ثُمّ دَلَفَ سعادته مُتَحَدِّثاً مُفتخراً بأيّام تلقِّيه المعرفة الكاملة الشاملة؛comprehensive knowledge بالمدرسة الوسطى بمدينة النور “رفاعة” في الزمن الجميل، حيث المُعلِّم المُؤهّل المُدرّب، المناهج المُمتعة المُفيدة، السّلم التّعليمي غير المُتأرجح والبيئة المَدرسية الجَاذبة، المَكتبة المَدرسية وكل مُعينات ومُتطلبات التّزوُّد بالعلم والمعرفة. أثلج صدري السّرد العلمي للابن المُدير، وقلت له: ثَلاثون عَامَاً والتّعليم في العهد الظالم في الحبس الانفرادي.. ثَلاثون عَاماً والتّعليم في غُرفة العِنَايَة المُكَثّفة حتى كادت أن تنقبض أنفاسه.. ثَلاثون عَاماً والتّعليم قد ضَلّ الطريق، فاقداً البوصلة.. وأُبشِّر الابن المدير بأنّنا نحن مُعلِّمو الأمس في المُنتدى التربوي السوداني قد عَقدَنا العزم أن نُعيد للتعليم سيرته الأولى ألقاً وتألقاً، ونحن نستقبل عهداً مُشرقاً وضيئاً.
كُنت حَقّاً في مُؤانسةٍ فكريةٍ مهنيةٍ علميةٍ دسمةٍ مع قامة شرطيةٍ سامقةٍ، فهو أُنموذجٌ module ومثالٌ لرجل الخدمة المدنية القوي الأمين الذي يتطلّع ويَتُوق إليه السودان الحبيب الجديد.. كان سرد المدير العام سلساً عذباً ينساب من ذاكرةٍ يَقظةٍ.
سعادة المدير العام لقوى الشرطة… سر وعين الله ترعاك، باذلاً الجُهد من أجل حماية الوطن والمُواطن، رَافِعَاً شعار “الشرطة في خدمة الشعب، وعينه الساهرة”.
وفّقك الله ورعاك،،،

شارك الخبر

Comments are closed.