الرواية الأولى مجدي عبد العزيز

إدارة الخرطوم المكلفة

شارك الخبر

° من المعلوم بالضرورة أن قدر ولاية الخرطوم أنها تمثل مركز الفعل السياسي والاقتصادي للبلاد وأنها مقرا للحكومة الاتحادية وتضم مقراتها ودواوينها بالإضافة إلى البعثات الدبلوماسية والجامعات والمشافي وكثير من مؤسسات الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، ذلك بخلاف ما تمتاز به كولاية عن بقية الولايات في مختلف المناحي والأنشطة الحياتية، وفوق ذلك كله أنها صارت تمثل أرض ميعاد لكثير من مواطني البلاد الذين مازالت حركة هجرتهم واستيطانهم في تزايد وكثافة عليها، وهم بالطبع يتمتعون بالحق الدستوري الكامل في حرية التنقل والإقامة والعمل – الذي نأمل أن لا يكون قد سقط سهوا في الوثيقة الدستورية قيد النظر.
° ربما قصدت أن استخدم مفردة (إدارة) عن مصطلح (حكومة) لأشير لنظام تسيير الأداء في الولاية في الوقت الراهن باعتبار أنها تدار بواسطة والي مكلف وإدارات عامة في مختلف الشؤون، وإن الولاية نفسها في انتظار إقرار الإعلان الدستوري الذي سيحكم مجمل الفترة الانتقالية.
° عظم الأحداث الجارية الآن في البلاد رغم أن غالبه يجري داخل أرض الولاية لكن صخب تلك الأحداث وضجيجها دائما ما يغطي على ذكر ولاية الخرطوم بدرجة كبيرة اللهم إلا عندما نأتي إلى ذكر قضايا الخدمات ومعاش الناس مثل الخبز والمواصلات والمياه.
° صحيح أن كل قضايا ما بعد تغيير 11 أبريل السياسية والاقتصادية والأمنية والقانونية وبتفصيلات كثيفة تقع على عاتق السلطة المركزية الحالية الممثلة في المجلس العسكري الانتقالي إلى حين تشكيل هياكل الحكم الانتقالي، ولكن لولاية الخرطوم وسلطتها المكلفة أدوار مهمة وعظيمة لو تمكنت من أدائها بدرجة فاعلية عالية ستنعكس نتائجها على مجمل المشهد الذي يصنع الآن بأرض ولاية الخرطوم، وبالطبع أن مهام الأمن ومعاش الناس والمواصلات والنظافة كقضايا محورية هي التحدي الأكبر للولاية والذي يوجب التضافر والدعم من السلطة المركزية ومن المجتمع.
° في اعتقادي أن النجاح في تفعيل الإدارة المحلية والأهلية القاعدية ستجني منه الولاية ثمارا عظيمة في سبيل تحقيق الاستقرار والطمأنينة والرقابة المفقودة على سير الخدمات ومعاش الناس وحين يحس الناس أنهم يمتلكون جزءا من سلطتهم يحملون الكثير من الهموم عن السلطات المركزية – ربما قال قائل فلننتظر حتي تستوي مفاوضات الإعلان الدستوري على جوديها، ولكني أقول اخطو خطواتك كأنك تعيش أبدا، ثم فالتأت الفترة الانتقالية وقتما أتت بقوانينها ولوائحها، فالأمر في هذه المرحلة يحتاج لتواصل سلطة الولاية مع الناس فيما هم موجودين فيه من أشكال جمعياتهم الخيرية والأسرية, أنديتهم، لجان مساجدهم، مجالس آباء المدارس وغيرها على صعيد مدن الولاية، خاصة وأن شخصية الوالي المكلف الجنرال أحمد عبدون حماد وصفت بأنها شخصية اجتماعية ورياضية ومن أسرة اهتمت بالتعليم وحملت مدرسة اسم عميدها.
° أرياف ولاية الخرطوم بكل مناحيها عرفت على مر العهود وتعاقبها بتماسك نسيجها الأهلي والمجتمعي، وبأعرافها المتوارثة وتقاليدها الأصيلة، فهم قبل كل حكومة وسلطة متكافلون بطبيعتهم ومتآزرون بغريزتهم، ومجالس حلهم وعقدهم تفصل وتقرر في كافة شؤونهم، لذلك نجد أن أنجح التجارب في الإدارة المحلية ولدت في الريف، من هيئات التنمية ولجان الخدمات، والأندية الرياضية والنشاط المجتمعي.
° كذلك ظلت المكونات الاجتماعية بأرياف الخرطوم وطرقها الصوفية تلعب دورا مهما في استقرار الولاية عموما، وما فتئت زعامات تلك المكونات ومشايخ هذه الطرق تقدم السند تلو السند لكل قضايا الوطن والولاية على كافة الصعد العامة والاجتماعية فنجدهم في الهيعات والملمات والمسرات، وارتبط مواطن ولاية الخرطوم في معاشه بمنتوجات تلك الأرياف الزراعية والحيوانية، لذا فإن الانحياز الإيجابي لريف الخرطوم وأهله يمثل أحد أهم صمامات الأمان والاستقرار الاجتماعي لولاية المركز.
° مطلوب منا بشدة في قطاع الإعلام وفي بلاط صاحبة الجلالة باعتبار أن هنا يصنع الرأي العام أن نتناول بكل حرص إيجابي وبنائي القضايا المتعلقة بالنسيج الاجتماعي والأهلي، فتماسك هذه القاعدة هي تماسك لكل الوطن مهما اختلف أبناؤه سياسيا، والطبيعي أن يتم حتى التنافس السياسي بين الأحزاب على هذه القاعدة، خاصة وأن ولاية الخرطوم تشهد هذه الأيام من الحراكات والظواهر ما يمكن أن يجعل منها مهددا إن لم نكن جميعا من مكونات وقوى سياسية ومجتمعية وإعلاميين – وإدارة مكلفة – في خندق واحد نحو استقرار وأمان ولاية (المركز) الخرطوم.. وإلى الملتقى.

شارك الخبر

Comments are closed.