خارج الدوام …. محمد عثمان ابراهيم

الكاتالوغ في تحليل قوى المشهد الجديد (٤)

رابعاً: حزب الأمة
يحتفظ حزب الأمة بطريقة ثابتة في التعاطي مع متغيرات الوضع السياسي وهي التغير المستمر بحيث تكون كل المواقف قابلة للفرد والطي وفق مآلات الأمور، وقد أعيت هذه الطريقة القوى السياسية الحاكمة في عهد الإنقاذ السابق والمعارضة (التي تستعد للحكم الآن) والتي ما انفكت تعمل من أجل تأسيس تحالفات مع منظومة سياسية جماهيرية هائلة الحجم والتأثير والحضور.
في الأسبوع الأول لانقلاب الإنقاذ قال رئيس الوزراء ورئيس الحزب السيد الصادق المهدي (الإمام لاحقاً) للانقلابيين: “نحن معنا الشرعية فقد انتخبنا الشعب ولن يعزلنا، وأنتم معكم القوة التي لا نستطيع أن نعترف بها، تعالوا نتفاهم”، وكان هذا طرحاً متعجلاً للتفاهم لم يستمع إليه أحد. خلال تلك الرحلة تم اعتقال الإمام بتهمة متعلقة بالمشاركة في أعمال تخريبية (بقادي وآخرون) ثم أعلن الجهاد المدني، ثم العمل العسكري، ثم التقى شيخ النظام (الراحل الترابي) في جنيف، ثم وقع اتفاق جيبوتي الذي انشق بموجبه عن تجمع المعارضة، وعاد الى الخرطوم ثم انشق الحزب إلى اثنين اصطف أحدهما في الحكومة ولم يخرج منها، بعد أن انشق مرات، إلا بسقوط نظام الإنقاذ في ثورة ديسمبر المجيدة.
ظلت العلاقة بين الحزب الكبير والسلطة والمعارضة في حالة مد وجزر متصل، فمرة يقترب الحزب من النظام ويتحاور معه ويتلقى رئيسه التكريم من رئيس النظام، ومرة ينقطع الطرفان عن التواصل فيقترب الحزب من المعارضة حتى ترأس في إحدى المرات أحد تحالفاتها (نداء السودان) الذي كان تحالفاً فوقياً هشاً ضم عدداً من القادة العسكريين المهزومين وبعض المنشقين عن أحزابهم التي كانت تساكن الحكومة في بيت السلطة والطاعة. والحال كذلك ما انفك المراقبون يتبادلون التكهنات عن متى يتحول الحزب الكبير إلى الموقف النقيض كلما سرى الدفء في وصل علاقاته مع هذا الطرف أو ذاك!
مع تزايد الرفض الجماهيري ضد الرئيس المعزول البشير، اتخذ حزب الأمة موقفاً معارضاً بلطف ضد النظام، ويعتقد أن ابن رئيس الحزب اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي الذي ظل مساعداً للرئيس المعزول لعدة سنوات قد لعب دوراً في وصل ما انقطع بين والده والإنقاذ، مما مهد الطريق لعودته إلى الخرطوم من المنفى في لندن. عاد الإمام إلى السودان دون أن يتخلى عن رئاسته (النظرية) لتحالف سياسي عسكري ودون أن تهتم الحكومة بمساءلته عن مسؤوليته عن مواجهتها فقد كان من الواضح أن هناك ترتيبات تمت وراء الحجب.
وفي الـ١٩ من ديسمبر الماضي، عاد الإمام ورئيس الحزب إلى السودان منهياً إقامته في المنفى اللندني ليصادف يوم عودته يوم تجدد التظاهرات المنظمة المناهضة للسلطة، والتي نجحت لاحقاً في إسقاطها لكن الإمام بدا حينئذ أقل ثقة بقدرتها على النجاح ووصفها بعبارة لاقت رواجاً شعبياً واسعاً (دخان المرقة). وظل الإمام على قلة ثقته بقدرة الحراك الجماهيري المدفوع بقوة بجيوب نافذة من مؤسسات الدولة العسكرية وحين شوهد موكب الإمام راجلاً من صلاة الجمعة، قبل اثني عشر يوماً من سقوط النظام، وانتشر تسجيل مصور له على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي باعتباره مشاركة في التظاهرات، سارع الحزب إلى نفي ذلك موضحاً أن رئيس الحزب كان راجلاً من المسجد إلى أحد المنازل القريبة لقضاء واجب اجتماعي!
هذا سرد متعجل وفق ما تسمح به مساحة هذا المقال ودون تحليل لسلسلة من المواقف المتحركة التي وسمت مسار الحزب خلال الثلاثة عقود الأخيرة، والتي تصلح كمؤشر لاستقراء مستقبل التحالفات السياسية في السودان خلال مرحلة ما بعد الإنقاذ هذه.
يبدو أن وضع حزب الأمة في المرحلة الانتقالية، التي بدأت ببطء الآن، جيد بما لا يقارن بالقوى السياسية المنافسة، ولديه معاونون كثر يعملون وصلاً وقطعاً في الغرف الخلفية لنظام الحكم، لكن هذا ليس مؤشراً على اتساع النفوذ بقدر ما هو تحرك يستغل المساحات الخالية والناتجة عن غياب القوى الرئيسية المنافسة مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي وقوى التيار الإسلامي.
تبين هذا في صعود عناصر محسوبة تأريخياً على الحزب لمواقع الصدارة في المشهد الحالي مثل الوزير السابق حسن شيخ إدريس ومحمد التعايشي اللذين نالا عضوية مجلس السيادة، والدكتورة فدوى طه التي كانت أقرب لعضوية ذات المجلس لولا أن نزعت خاتمها فثبتت بقية الجماعة خاتم حليفها، وذهب مقعدها لسيدة أخرى. إضافة لهذا فإن الدكتور إبراهيم البدوي ذا الخلفية العائلية الأنصارية يستعد الآن لتولي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير المالية فهل تفصح الأيام المقبلة عن وجوه أنصارية أو أخرى منتمية لحزب الأمة؟ هذا أمر غير مستبعد لكن المؤكد أن نأي الحزب عنها ومحاولة تصوير تلك العناصر بأنها في حل من الارتباط التنظيمي به لن تجد صدى أفضل مما وجد إنكار انتماء ابن رئيس الحزب لحزب أبيه إبان عمله مساعداً للرئيس!
أكثر ما يحتاجه حزب الأمة في المرحلة الحالية هو التوافق على ثوابت فكرية وبرامج تصلح لجذب الجماهير التي ظلت بعيدة عن دوائر التأثير والاقتراع خلال عقود ثلاثة، وإلا فإن حظوظه في الفوز بالأغلبية في الانتخابات المقبلة ـ إن عقدت ـ ستكون ضعيفة للغاية.

:::
مصحح/حاتم

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.