محمود حسن سوار الدهب

في هدي رب العالمين

شارك الخبر

نَستحي من أنفسنا عندما نمسك بالقلم لنكتب ونشهد الله على ثقل أمانة الكلمة، لما نراه من غرائز الإنسان من انحطاطٍ وأنانيةٍ في كثيرٍ من الخلق والطغيان والأباطيل التي تدور مفسدة للبيئة الإنسانية وأطياف كثيرة من الضلال والظلام تحوم وتخرق نور الحق، ويسوق للظالمين بنشر الترهات والمُناداة بغير الحق مِمّا يشق على النفس وفطرتها فتنطوي في الأرواح حسرة.
ونرى المُنافقين المُتملِّقين يكيلون بالمدح لمن أحط منهم، ساداتهم وأولياء نعمتهم علّهم يجدون منهم شيئاً من حطام الدنيا، لقد سموا الجهلة علماء، والمُتعفِّفين أغبياء وبهم داء الظلام والغيوم، والنفوس النقية تبحث في ضيقٍ وشوقٍ للضياء والخُرُوج من حلقات الاستبداد الكاتمة للأنفاس الحُرّة، والحيادية الشفافة والتّجرُّد أصبحا من المُستحيلات، لما تقدم، فإن المُسلمين يستعيذون من الشيطان الرجيم قبل قول بسم الله الرحمن الرحيم، شيطان الجن والإنس.
نرى العالم المُتقدِّم الغني يسعى إلى التّوسُّع في ضُرُوب الرفاهية وتُوزِّع فيه رواتب وإعانات للعاطلين وكبار السن والمُعاقين، وإنسان الدول المُتخلِّفة الفقيرة ها هو يغرق في المُحيطات والبحار جاهداً ليصل الى شواطئ بلاد الفرنجة ليُحقِّق طُمُوحاته أو يموت ولا خيار عندهم، وقد خاطبنا الغرب وعلمانيته، وقالوا لأمتنا الإسلامية بوضوح ابتعدوا عنا فأنتم إرهابيون وتحملون ديناً لا يتناسب مع حضارتنا، وأنتم تستفيدون منا، وأنتم طُغاة أطيعونا لو كنتم تنشدون التقدم، وبدايةً أفسحوا لبني صهيون الإسرائيليين بالعيش على أرض فلسطين بسلام، وأغلقوا أبواب الجهاد، وتجاهلوا وأنسوا قضية فلسطين والقدس، وتوقّفوا عن نشر الإسلام بين الأمم، ساعدونا لتحريركم بفكرنا وثقافتنا الحضارية، ونحن نوفر لكم ما عجزتم عنه من متطلبات الحياة العصرية بأيديكم، هواتفنا النقالة المُتنوِّعة والمتخصصة، والأسلحة والعتاد الحربي بأنواعه تحمون به بلدانكم، وتتنقلون بطائرتنا التي نصنعها تصلون بها الى جهات الأرض الأربع، وعلى متنها يصل الحجيج لأداء مناسكه، إضافة لسفننا العملاقة و… و… أنتم أمة تساوي صفراً – اتّبعوا العلمانية وشيعتها الديمقراطية، الاشتراكية، الليبرالية، الشيوعية، تخلّصوا من دينكم وإذا لا بُدّ منهم فليكن سطحياً داخل مساجدكم فقط، هذا حديث العلمانيين الملاحدة، شياطين الإنس الذين نستعيذ منهم، فماذا نحن فاعلون؟ وما هو دورنا لمُواجهة هؤلاء المُستكبرين في الأرض، الطُغاة المُلحدين الكَفَرَة، ولهم منظار غربي وبه سموا أصحاب الأديان السماوية اليهودية المسيحية والإسلامية (الأصولية)، ويرون أنها أديان تتصف بعدم قابليتها للتطوُّر وجامدة ومُنغلقة، بل مُتحجرِّة مذهبياً وعنصرية، وقد تصل بفكرها للانعزالية أو العُنف والقتال والتطرُّف والإرهاب، ويرى علماء الإسلام أنّه لا تُوجد بالإسلام (أصولية) وهذا المُصطلح غير موجودٍ على الإطلاق في الإسلام، بل يُوجد مُسلمون مُلتزمون وآخرون غير ذلك، وحقيقة مصطلح (الأصولية) مُضلل.
حدث الخلل والانشقاق والتنافُر في داخل أمة الإسلام، وهو بائن منطلقه ومصدره السياسة والمصالح وكانت بدايته قديمه، وفي العصر الحديث من الدولة العثمانية التي كانت أرض الحجاز تابعة لسلطانهم وخلافتهم وهي مركز الإسلام، وظُهُور الحركة الوهابية الذين أعلنوا أنهم يسلكون منهج شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والحافظ الذهبي وابن كثير ويقود هذا المنهج محمد بن عبد الوهاب، ولا يأخذون بالمذاهب الأربعة السنية ويرون أنّهم الطائفة الناجية، وحاربوا مُخالفيهم واتّهموهم بالخروج عن التوحيد والغلو والتفافهم حول القبور التي أصبحت أوثاناً تُعبد من دون الله تعالى، ولهم أسانيد من القرآن الكريم والسنة هذا رأيهم، ورموا غيرهم بالبدع، هم أنصار السنة (السلفيين) (الوهابية)، وللشيعة رأي آخر لا يتّفق مع أهل السنة أيضاً وسنفرد له مقالاً بإذن الله تعالى.
لقد تمّ دَك جميع حصون قيم الدين الأساسية والحُرية، وبعده دخلت أمة الإسلام في الوحشية وانغماس قادتها في التّرف والدِّعة والتّمتُّع بملذات الدُّنيا الشهوانية وخلق العصبيات بقصد حماية أنظمتها والمُدافعة عنها، نسوا الله وشرعه، ويبحثون عن شرعية لهم لاستمرار حكمهم من خلال الديمقراطية والاشتراكية والليبرالية والشيوعية والحق الإلهي وتأسيس للعنصرية والاستكبار، وغاب عنهم أنه لا تقام شريعة في بلاد الإسلام إلا أن يكون في قيادة الدولة علماء الدين والفقه وأُصول الدين، التقاة، الورعون، النابهون، الذين يخافون من رب العالمين، مُمسكين بدفة المسيرة القاصدة واتّباع شرع الله ودستوره القرآن الكريم والسنة، وبعده لا جدال، رفعت الأقلام وجفت الصحف.
وأصول الفقه هو النظر في الأدلة الشّرعية لأخذ الأحكام والتكاليف وأُصول الأدلة الشرعية هو القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكثرة الخلافات في الفقه المستنبط إلى أن انتهى الأمر بالتقييد بالمذاهب الأربعة ولا سواهم لصُعوبة الاجتهاد وتشعُّب العلوم التي في موارده، فأقيمت هذه المذاهب الأربعة على أُصول الملة، مالك، وأبو حنيفة والشافعي وابن حنبل، ثُمّ ظهر بعد ذلك الانشقاق والخلل في الأمة وبُرُوز تيارات لها آراءٌ، أغلبها شديدة الحدة والانجراف عن أصول الدين ومُرتكزاته مِمّا شتّت الأمة وزعزع وحدتها، نسأل الله تعالى أن يهدي الأمة لاتباع آثار رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المُهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله حيث قال الحديث (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) إن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي نبينا وحبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وننبِّه للصراع على السُّلطة الذي ظَلّ يجري منذ قرونٍ بعيدةٍ، وغالباً ما كان دومياً يعتمد على قوة السلاح والقمع والعُنف لإحداث الخَوْف وهزيمة الطرف الآخر وتجريده من قواه، ثم السيطرة على مَقاليد الحكم، تطوّرت المُجتمعات إلى أن وصلت إلى آلياتٍ جديدةٍ غير دموية وهي سلاح الأغلبية والعدد، الانتخابات وذلك بعد ارتفاع مُستوى الثقافة والحياة المدنية ووعيت وأيقنت الأمم بأن السلطة للشعب وأنّه يُقرِّر من يحكمه، والحقيقة أصدق منظار للصِّراع على السلطة، بل لكل الصراعات الإنسانية ذكرها القرآن الكريم في رسالة السماء في وصف محكم وهو تدافع الناس بعضهم لبعض – التدافع – بين المُستكبرين والمُستضعفين زماناً طويلاً من العبودية والفقر والبؤس والاضطهاد، وكان الأقوياء يظهرون كحيواناتٍ مُتوحِّشةٍ كبيرة خرقاء، مندفعة تجيد الخراب والهدم وتعجز عن البناء، هذا ما حَدَثَ للإنسانية عبر عُصُورٍ مُختلفةٍ في ظلام الجهل، والباطل ناشب أظافره على الشُّعوب بتكثيف الظلام، وجاء الهدي بنوره خارقاً للظلام وجاهلية الإنسان القرآن الكريم نور الحقيقة وكبدها، وأماط اللثام عن كيفية نجاة البشرية، والفكرة الشاملة عن الكون والحياة، بشريعة ليست من وضع البشر الذي تحكمه مُؤثِّرات القصور والهوى والعجز والمكان والزمان والعنصرية. شرع صاحبه من خلق، ورب الكون وكل ما فيه، شرع حدد فيه الخالق عز وجل نظام الحكم ودستور دولة الإسلام الواضح الذي لا يحتاج للملفقين بالإضافة والحذف والتبديل والتعديل، الشريعة نظام كامل ومنهج حياة لإقامة خير أمة على الأرض لقيادة الإنسانية برسالة السماء الخاتمة، ولننظر – للمُسلمين الأوائل كيف كانوا عند صدر الإسلام من مجدٍ وعزة وكرامة، عندما حملوا لواءه صَادقين مُخلصين وثبّتوا قواعده في الأرض، ديناً ودولةً ومنهج حياة للعالمين، إنّهم القدوة ونحن التابعون نؤمن بأن الله تعالى خلق الإنسان ضعيفاً وكثيراً ما يعتريه العجز والجهل والمرض والحُزن والكرب.. ويقيناً، الناجون السعداء من يتجاوزون هذه الرحلة الدنيوية وقلوبهم مُعلّقة بالله حباً وخوفاً ورجاءً وطاعة للذي خلق الإنسان لعبادته، وهنا يكمن سر السعادة الحَقيقيّة، فالمسلم قُوته في امتثاله لرب العالمين لا يقنط وكله أمل في رحمة ربه في الدارين، وقد وصلت إلينا رسالة السماء القرآن الكريم عن طريق الوحي الذي أنزل على حبيبنا ونبينا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فتلقى النور المبين وبلغ به العالمين، حينها كانت أمم الأرض في جاهلية وظلامٍ دامسٍ وتيهٍ وضياعٍ واختناقٍ وتمزُّقٍ وعصبيةٍ، ما أعظم ديننا الإسلامي فالحذر الحذر بالتمسُّك بغيره، فالإنسان بمُجرّد مولده في هذه الدنيا يبدأ رحلة الإياب العودة وهي قصيرة، فالشباب يُغادر الطفولة، والكهل يُغادر شبابه وقد تتم المُغادرة ما بين هذا وذاك، والشيطان يعمل في غيِّه ويدخل الوهم للعباد، وكثير منا يعتقدون أنّهم مُخلّدون، والكل في طريق الرحيل والدائم وجه رب العالمين.
نسأل الله تعالى السلامة لنا أجمعين والهدي والتثبت لأمة سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.