حاطب ليل …عبداللطيف البوني

على بركة الله

(1)
رغم الارتياح الذي قُوبل به تقديم الوزارة الجديدة، إلا أنّ هذا لا يخفي التّحفُّظات التي أُثيرت حول بعض الشخصيات التي تَمّ استوزارها، ولعلّ أبرز تلك التحفُّظات هي أنّه قد حَدَثَت مُحَاصَصَةٌ حزبيةٌ وجهوية، ففيما يتعلّق بالبُعد الحزبي، اتّهم الحزب الشيوعي أنّه زُجّ بأعضاءٍ له في القائمة المُختارة، ولكن قد يكون غاب على البعض أنّ هؤلاء لم يعودوا أعضاءً في الحزب الشيوعي بما فيهم رئيس الوزراء نفسه الذي كان شيوعياً في يومٍ من الأيّام، ولا أظن أنّ أحدهم سَوف تَكُون مَرجعيته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، بل سيكون التزامه كَاملاً للحكومة التي يعمل بها.
هناك وزير، وزيران اُتّهما بالانتماء لحزب الأمة وحزب البعث ولا أدري مدى صحة ذلك، ولكن المُهم في الأمر أنّ الوزراء سوف يعملون تحت أضواءٍ كاشفةٍ، فحُريّة الإعلام مَكفولة والعُيُون مفتوحة قدر الريال أبو عشرة، وأيِّ (شَنكبة عَنكبة) فالشعب (عَضلاته تِبِش), عليه لا داعي لمُحاكمة الضمائر.
(2)
من التُّهم التي أُثيرت في وجه التشكيلة الوزارية الجديدة، أنها خُضعت لمُحاصصةٍ جهويةٍ، ولعل السيد رئيس الوزراء قد أشار إلى ذلك، عندما قال بين يدي تقديم الحكومة إنّ الوزارتين التي أُرجأتا ستكونان لجنوب النيل الأزرق وشرق السودان، لا بل قيل إنّ رئيس الوزراء قد طَالَبَ بالتمثيل الجهوي أثناء الترشيحات..!
وفِي تَقديري، إنّ سيادته مَعذُورٌ في ذلك، لأنّ هذا مَا جَرَت عليه العَادَة مُنذ أول حكومةٍ وطنيةٍ حَكَمت السُّودان، حَيث كَانَ الإخوة الجنوبيون يخضعون أيِّ تقسيم وظائف لمُتلازمة شمال – جنوب، وفيما بعد تَطَوّرت هذه المُحَاصَصَة الثنائية لتشمل كل جهات السُّودان، فأصبحت تقليداً راسخاً، وثبته الفشل الملازم لكل الحكومات في إقامة تنمية مُتوازنة، فأصبح اللجوء للنُّخب الإقليميّة لزوم الترضية، ومن جانبها وَجَدَت هذه النُّخبة المُحَاصَصَة الجهوية مَدخلاً لمُزَاحَمَة (أولاد أم درمان) في حكم السُّودان، ثُمّ فيما بعد لمُزاحمة (التّضامُن النيلي)..!
فعلى العُموم هذه المُحَاصَصَة الجهوية أصبحت داءً مُزمِناً في السِّياسة السُّودانية، ويجب العَمل على تجاوُزه بالرُّكون للمُحَاصَصَة التنموية، وإلى حين ذلك يجب التّشديد في اختيار الكَفاءات التي تَتَمتّع ببُعدٍ وطني داخل المُحَاصَصَة القائمة الآن.
(3)
على العُمُوم، أمام الحكومة الجديدة فُرصة ذهبية لإثبات قوميتها وكفاءتها وقُدرتها على تجاوُز كل التّحفُّظات التي أُثيرت في وجهها, ولَعلّ أكبر سندٍ لها في ذلك هو حفاوة المُواطنين برئيس الحكومة وانتظارهم لَهَا لملء الفراغ الإدَاري الذي طَالَ, هذا بالإضَافَة لِوُضُوح المَطلوبات من هذه الحكومة، والأهم من كُلِّ ذلك هو أنّ هُناك إحساساً عَامّاً بأنّه ليس أمام هذه الحكومة أيِّ خيارٍ سوى أن تنجح في إخراج البلاد من وَهدتها، ولن نبعد النجعة إذا قلنا إنّها حكومة الفُرصة الأخيرة (واللاّ نخليها قبل الأخيرة؟).. المُهم في الأمر أنّ فُرصتها قد تأخّرت، فعليها عَدَم إضَاعَة الوَقت في المُماحكات السِّياسيَّة، فكوكبة الوزراء هذه عبارة عن شريحةٍ تمّ تفريغها تماماً للعمل التنفيذي ولا شئ غير العمل التنفيذي.. أمّا (اللّت والعَجن) السِّياسي فلُهُ ناسُه، وله ميادينه.
فَيَا أيُّها الوزراء انتموا لحكومتكم فقط، المُنتمية لشعبها فقط، وسيروا على بركة الله.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.