الجديد شنو عبدالقادر باكاش

صوت من الشرق

شارك الخبر

بعد نجاح الثورة بأسبوع، كتبت عمودا بعنوان: (سقط الظالم فمتى ترد المظالم؟؟)، قلت فيه: “يبدو لي أن تفكير قادة العهد الجديد هو ذات تفكير الإنقاذ وعهود ما قبل الإنقاذ في اختزال السودان في نطاق جغرافي محدود. تشكيل المجلس العسكري ثم مقترحات قوى التغيير للحكومة المدنية خلت، بل ولم تراعِ حق الأقاليم في حكم نفسها ولم يتم أي قدر من التمثيل لأبناء الأقاليم، بدعوى أن المعيار بالكفاءة وليس بالمحاصصة! هذا زعم مردود لأن بالأقاليم كفاءات من الشباب الغر الميامين لم يتم تمثيلهم. ويجدر هنا أن أشير إلي أنه من الضرورة بمكان تحديد وتوصيف وتعريف معنى كلمة (الكفاءة) المطلوبة لإدارة الدولة ومن يحدد مستوى كفاءة شخص عن آخر؟ كفى أقاليم السودان ظلماً ووصايةً. يجب أن يحكم كل إقليم بأبناءه وتترك سلطة الاختيار لسكانه. إحساس الأبوة الخرطومية يجب أن ينتهي. هذا بلد متعدد الأعراق والثقافات ومترامي الأطراف وزاخر بكل أنواع الجمال، فلا يجب على نخبة المركز حبس أنفاس الناس وتقييد تفكيرهم وإعاقة طموحاتهم. وها قد صدق إحساسي وتم تشكيل هياكل مجلسي السيادة والوزراء بذات عقلية الإنقاذ من ذات النخبة دون أي مراعاة لأي اعتبارات لبقية أبناء السودان، وكالعادة تم تخصيص وزارات الهامش لأبناء الهامش (البني التحتية) للشرق، (الثروة الحيوانية) للنيل الأزرق، (وسكرتارية مجلس الوزراء) لدارفور، ويجري اختيار من ترى نخبة الخرطوم أنهم الخيار في كافة المؤسسات. وليس سراً أن هذا الأمر أحدث ربكة وتململا في كل الأقاليم، وتواترت أنباء هنا عن تحركات يقوم بها الزعيم الديني الكبير الشيخ سليمان علي بيتاي، الذي غادر للإمارات العربية عبر أسمرا؛ ولعمري هذه لوحدها رسالة كافية لمن يعي، فالخروج إلى أبو ظبي من البوابة الأريترية، بدلاً عن السودان دليل على أن الرجل بدأ يعد العدة لمعركة مصيرية. ومن المعروف أن الشيخ بيتاي صاحب تأثير تاريخي وجغرافي في شرق السودان وفي أقاليم غرب أريتريا. ثم إمعاناً في تجاهل حساسية الإقليم وسخط قادته على تصرفات الحكام الجدد، أقالت حكومة الخرطوم الأمين العام الوحيد من أبناء البجا مولانا حسن محمد مختار مصطفى، الأمين العام لمفوضية الاختيار للخدمة المدنية القومية، بحجة أنه (كوز)؛ كأن (حسن) هو (الكوز) الوحيد الذي يستحق التضحية به، خاصة ولو علمنا أن حسن هو البجاوي الوحيد الذي شغل منصبا رفيعا في مؤسسة اتحادية بالخرطوم منذ فجر الاستقلال، وهو الوحيد الذي رسم وأسس وقفز بأداء مفوضية الاختيار للخدمة المدنية القومية، وهو الوحيد الذي أسهم في منح تمييز إيجابي لأبناء البحر الأحمر في الاختيار لوظائف هيئة الموانئ البحرية، وهو المسؤول الوحيد الذي خرج شباب بورتسودان احتجاجاً على قرار إقالته، ليس لأنه المُقال الوحيد ولا لأنه متشبث بالمنصب، لكنهم احتجوا علي إقالته لأنه كان يمثل رمزية لأهله، وبخروجه خرج البجا من المؤسسات القومية.
بعض الناس يستفزهم الحديث باسم المكونات الأهلية (كالحديث عن مظالم البجا) ويعدونه تخندقا وتخلفا ورجعية وانتهازية وانتقاصا من اللُّحمة الوطنية، لكن وللعجب، لا يستفز هؤلاء في الوقت ذاته استحواز مجموعة أو عشيرة واحدة علي كافة السلطات والصلاحيات والمناصب منذ فجر(الإستـ غ ــلال) إلى عهد الثورة هذا !!
أعتقد أننا بحاجة إلى مراجعات صادقة وأمينة لحفظ وتجنيب بلادنا خطر الاحتراب والتمزق، فقد وضح أنّ الثورة لم تبلغ مرادها بعد، وأن المشوار لا يزال طويلا أمامها حتى تصل لمستقرها ومقامها، وأن عهد الحرية والسلام والعدالة الذي هتفنا له لم تَحِنْ تباشيره بعد، لأن عقلية الحكم لم تتغير ولم تتبدل، ورغم اختلاف ألوان أنظمة الحكم، ظلت وجوه الحاكمين هي ذاتها في عهود الحرية والاستبداد.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.