همس الكلام حسين الخليفة الحسن

النقاء purity

شارك الخبر

سَاقتني قدّماي المُثقلتان بهُمُوم الوطن إلى مسجد أصبح ملء السّمع والبصر بضاحية كافوري، وسيمٌ باذخ الفخامة، ومئذنته السّامقة مشرئبة علّها تُعانق السحاب.. قصدت ذلك المَسجد الفخيم برفقة صديقيْن حميميْن ورعيْن: صهري الرجل الإنسان يس الدسوقي، والمُربي الفاضل علي ميرغني.. جئنا سَوياً إلى المسجد لأداء فريضة الجمعة الفائتة.. اعتلى خطيب المسجد الراتب المنبر مُزهواً بأناقته، وهندامه ناصع البياض المُنمّق المُموسق.. تَحَدّثَ بإسهابٍ، مُذكِّراً المُصلين بقداسة ديننا الحَنيف، وأن نحرص الارتماء في أحضانه، وهو الذي يَقُود حياتنا.. ثُمّ دلف خطيبنا الهمام مُنتقداً وبلهجةٍ غَليظةٍ عابسةٍ ما يكون قد تلفّظ به نفرٌ من وزراء الحكومة الانتقالية واعتبره سبة فادحة تنهش في عظام أصالة وهيبة الدين.. امتعض بعض المُصلين، واشتطوا غَضَبَاً لِمَا وَرَدَ من اتّهامٍ كَانَ مكانه المنبر السِّياسي، وَتَوَجّس البعض خِيفةً من اندلاع فتنةٍ طاحنةٍ.. وربّنا ستر.. كُنت أتُوق وأتطلّع أن يُبشِّر الخطيب، المُصلين بنسائم السلام peace التي تهب اليوم على الوطن لتنعش وتفرح وجدانه.. والنأي بنفسه عن ما يُنذر بالفتنة ويشعل الغضب ويُثير المَشاعر، ويثبط هِمَم جمهرة المُصلين.
عقب أداء الفريضة تَوجّهت الى داري بكافوري مربع واحد، وبعد أن أذاب صبري رغم نفاده ثلوج غيبوبة الغضب لما حَدَثَ، والتي ألجمت لساني وألهبت  وجداني.. ارتمى جسدي المُنهك عَلَى مَضجعي المُتواضع مُتوسِّداً حِفنةً من هُمُوم الزمن المُؤرِّقة.. وفجأة أدارت أناملي الباحثة “ريموت” تلفازي المُـرهق، وتوقّف عند فضائية “الجزيرة” وكان أمامي على الشاشة البلورية أربعة من وزراء حكومتنا الانتقالية: البروفيسور محمد الأمين التوم وزير التربية والتعليم، الأستاذ فيصل محمد صالح وزير الثقافة والإعلام، الأستاذ مفرح وزير الشؤون الدينية والأوقاف، حفيدة شيخ البوشي وزير الشباب والرياضة.. وجلس قربهم لفيفٌ من الشباب يَطرحون عليهم سَيلاً من الأسئلة عبر مذيع القناة المُخضرم.
أثلج صدري وبَهرتني سَحائب الثقة المُفرطة، الود، الحميمية، الشفافية والبسمات الصّامتة التي سَادَت أجواء ذلك اللقاء الأنيق.. سعدت أيّما سعادة، ولفت نظري صدق وزهد الأخ فيصل، وأنموذجية ومثالية عالمنا الفذ ود التوم، وحماسة وثورية الابن مفرح، وهِمّة ونكران ذات الابنة حفيدة الشيخ البوشي “وزير العدل الأسبق”.
إخوتي وأبنائي وزراء الحكومة الانتقالية؛ ثقتنا فيكم غالية، ونحن معكم على متن سفينة الأمل الأخضر.. وأنتم قَد عَقدتم العَزم عَلَى بِنَاءِ سُودانٍ جديدٍ، مُترعٍ  بالديمقراطية والحُرية والسَّلام والعَدَالة.. شعار شفيف يُسكت أصوات الحاسدين، الحَاقدين، الشّامتين، الذين أصابتهم الحِيرة وفقدوا بَوصلتهم وضَلُّوا الطريق بعد أن عَبَثَت وتلوّثت أيديهم بمال الشعب السوداني.. أنصحكم النأي إخوتي وأبنائي عن الخطاب السياسي المدسوس الهَش المُثير للجدل والمُحبط للسلوك الديني الروحي القويم الذي جبلنا عليه منذ أقدم العُصُور.. إنّه خِطابٌ يهز صرح الثقة trust، ويَعُوق مَسيرة الثورة.. فلماذا لا نتجنّبه؟ لنعمل من أجل إسعاد مُواطننا وتوفير عيشه الكريم..؟
قال تعالى في محكم تنزيله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).
أخيراً.. أقولها بصوتٍ داوٍ يصحبه قَسَمٌ غَليظٌ، أقسم بالله إنِّي لا أنتمي لفئةٍ جهويةٍ أو حزبٍ سياسي.. انتمائي الصارخ للوطن وليس غيره.. قلبي ووجداني يقفان مع كُلِّ مَن هَبّ ودَبّ بِغَضّ النظر عن اللّون السِّياسي أو الأيديولوجي.. ولائي للذي يعمل لاهثاً لبناء السودان الجديد وازدهاره وإسعاد مُواطنيه.. حفظ الله وطني الحبيب.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.