لواء ركن (م) بابكر إبراهيم نصار

قِوى الحُرية والتّغيير بين تهميش معاشيي القوات المسلحة وإهمال كفاءات الخارج

شارك الخبر

ترك الاستعمار البريطاني بعد رحيله من السودان خدمةً مدنيةً ممتازةً مبنيةً على العلم والنزاهة والانضباط. ولم تُحاول الحكومات الوطنية التي تَعاقبت على حكم السودان الاستفادة من هذه الكوادر البشرية ذات الكفاءة العالية، لأنّ غالبية هذه الكوادر كانت مُستقلة ولا تنتمي لأيِّ حزب سياسي, وعندما تَسَلّم النميري مقاليد حكم السودان في مايو 1969م فَرَض شخصيته القوية على منظمة الوحدة الأفريقية (OAU) في ذلك الوقت، كما فرضها أيضاً على المنظمة الاقتصادية لأفريقيا (ECA) ومقرّهما في أديس أبابا، وطلب من هاتين المُنظّمتين توظيف عددٍ من الكوادر السودانية ذات التعليم العالي والتّخصُّص المهني في مَرافقها المُختلفة. ولأنّ سُمعة السودان في ذلك الوقت كانت جيدة وسط الرؤساء الأفارقة، ولأنّ السودان كان من أكثر الدول الأفريقية مُساهمةً في إمداد حركات التحرير الأفريقية بالعَون المادي والمعنوي والسلاح، وافقت هاتان المنظمتان على طلب الرئيس نميري ومنذ ذلك التاريخ حُظي السودان بنسبةٍ عاليةٍ من توظيف الكفاءات في مراكز مَرموقة, وكان مكي عباس قد تقلّد منصب أول سكرتير تنفيذي للمنظمة الاقتصادية لأفريقيا (ECA)، تلى ذلك تعيين د. حمد النيل عبد الرحمن مديراً لمكتب الصحة العالمية (WHO) لإقليم شرق أفريقيا، وعوض إدريس مديراً إقليمياً لليونسكو، وفيصل كبيدة مُديراً إقليمياً لمنظمة العمل الدولية، وخوجلي ميرغني مديراً إقليمياً لمُكافحة الجراد الصحراوي، وعبد الله محجوب مديراً إقليمياً للإحصاء السكاني ومقر جميع هذه المكاتب في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مقر منظمة الوحدة الأفريقية, تلى ذلك تعيين كفاءات أخرى في وظائف مرموقة بمُنظمتي (ECA) و(OAU)، نذكر منهم صادق الرشيد ويوسف سليمان وعقيلي وإدريس محمد نور وعبد الرحيم درار وعبد الرحمن الطاهر وخوجلي محمد خوجلي ورئيس قسم الترجمة الفورية هاشم السيد. كما شملت التعيينات في هاتين المُنظُمتين أعداداً أخرى من المُترجمين (فورية وكتابية)، نذكر منهم محمد بشير والسر عبد الله صالح وعوض عتباني ومحمد الأمين، إضَافَةً إلى الدكتور إبراهيم دقش نائب مدير وكالة الأنباء الأفريقية والدكتور عبد المنعم كرار والدكتور نورين في مكتب مُكافحة الجراد الصحراوي، وكان أمير عبد الله خليل الخبير بمُنظمة الفاو ومقرّها في إيطاليا كان يزور أديس أبابا باستمرار لحُضُور اجتماعات المُنظّمة الأفريقية كنوعٍ من تبادُل وتجديد المعلومات مع مكاتب المُنظّمات المُختلفة المَوجودة في إثيوبيا. كما شغل السوداني حسن النور منصب رئيس مكتب الجامعة العربية بأديس أبابا، ولأنّ نظام حكم الرئيس نميري لم يكن شمولياً، رأي أن يستفيد من بعض هذه الكوادر المُؤهّلة وتم استيعاب بعضها في مفاصل حكومته، منهم وديع حبشي وعلي التوم ومأمون بحيري وعثمان هاشم عبد السلام وفيصل كبيدة، ولأنّ النميري كان دائماً يبحث عن الكفاءات ذات الخبرة والنزاهة، تقلّد في عهده ضابط الشرطة ولاحقاً السفير محمد ميرغني مبروك منصب وزير الخارجية والسفير عبد الله الحسن منصب وزير الداخلية والسفير أبو بكر عثمان منصب وزير التّكامُل بين مصر والسودان، كما عيّن ضباط عسكريين من ذوي الكفاءة سفراءً للسودان في الخارج، منهم الفريق الفاتح بشارة والفريق عبد اللطيف دهب واللواء عبد الله محمد عثمان والعميد ميرغني سليمان, كما تمّ انتداب اللواء عبد الماجد حامد خليل لتولي منصب مساعد الأمين العام للجامعة العربية للشؤون العسكرية. وطالما خُضنا في سيرة العسكريين، نقول إنّ القوات المُسلّحة مليئة بكفاءاتٍ كثيرةٍ أخرى في غير المجالات العَسكرية، وعلى سبيل المثال نذكر منهم الشعراء عوض أحمد خليفة والحسين الحسن والطاهر إبراهيم ومحمود أبو بكر صاحب قصيدة “صه يا كنار” وجلال حسن حمدون وإبراهيم سيد أحمد وعوض مالك وعمر الشاعر والخير عبد الجليل وحسن كركب وجعفر فضل المولى، وفي مجال الأدب والكتابة نذكر العميد عمر الحاج موسى والعميد تاج السر مصطفى والفريق عمر النور مُدير المتحف الحربي واللواء الشيخ مُصطفى الذي يملك ذخيرةً وافيةً من المعلومات العسكرية واللواء عبد الرحمن أرباب والعميد عصام ميرغني طه الذي له خمسة مؤلفات والعقيد السر أحمد سعيد والرائد عصمت حسن زلفو الذي تخصّص في الكتابة عن جيوش المهدية وغزواتها ونجاحاتها. ولا يفوتنا أن نذكر الفريق مزمل سلمان غندور الذي أَلّفَ خمسة عشر كتاباً, كما بَرَعَ بعض العسكريين وأجادوا في مجالاتٍ أُخرى مثل كرة القدم التي بَرَعَ وأجاد فيها الرياضي الشامل اللواء محمد طلعت فريد وعثمان كنب وأمين زكي وسبت دودو وعبد العزيز عبد الله وفاروق البُلك وصديق محمد أحمد ورمضان مرحوم ونور الجليل ويوسف أبو صلعة وكمال علي صالح والسر أحمد سعيد وكمال بني …إلخ. كما أنّ هناك كفاءات عسكرية أخرى في مجالات أخرى ويقف على رأس الهرم العسكري القائد الفريق أحمد محمد الذي تَقَلّدَ منصب أول قائد للجيش بعد خُرُوج الإنجليز ويعود إليه الفضل في بذر البذرة الأولى لنجاح العسكريين في جميع المجالات. كما نذكر الدكتور أبو عكر الذي كان له شَرَف بذر النواة الأولى للسِّلاح الطبي الذي أصبح يَعُج بالكفاءات العَسكرية في المَجَال الطبي، منهم على سبيل المثال لا الحصر، الإخصائيون الشلالي وأحمد عبد العزيز وسالم عبيد وخاطر طوباي وعلي الشيخ وأحمد إدريس وحسبو وعبد السلام صالح عيسى وعبد الله العوض وعلي الفاضلابي وخليل بادي، والجراحون بروفيسور العطا ومحمد بلال وغيرهما, بعد هذا الشرح الطويل لتَخَصُّصات العَسكريين ودَورهم وإجادتهم لمهام غير عسكرية، نقول إنّ الرئيس نميري أنصف العسكريين عكس حكومة الإنقاذ التي سَعَت إلى تَشريدهم وتَهميشهم وإعدامهم، مثل ما حدث في إعدام كوكبة من (28) ضابطاً في اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان عام1990م, ونُناشد القيادة الحالية للقوات المُسلّحة أن تتفّقد أُسر هؤلاء الذين تَمّ إعدامهم ومُتابعتهم وتقديم العون المُمكن لهم. ونعيب على قِوى الحُرية والتّغيير تهميش العسكريين بالمعاش وعدم التفكير في تعيين أيٍّ منهم في الوزارة الجديدة ولو سعوا لهم لوجدوا كفاءات تَسد قرص الشمس، إضافةً لحيادهم وعدم مُيُولهم لأيِّ حزبٍ سياسي. كما نُلاحظ أنّ مسؤولو الحُرية والتّغيير لم يهتموا بالكفاءات السُّودانية الموجودة خارج السودان، وبالرغم من هذا نقول لهم إنّ الحكومة التي تمّ إعلانها مَقبولة لحَدٍّ ما ونسأل الله تعالى لها التوفيف والسداد.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.