د. تيسيرعبدالرحيم أحمد

قضبان من ذهب

شارك الخبر

يقال إن المرء لايعرف أمةً ما من الأمم إلا إذا دخل سجونها، فالحكم على الأمم لاينبغي أن يرتكز على معاملتها لمواطنيها، ولكن على معاملتها للمستويات الدنيا (نيلسون مانديلا).. أشارت إحدى الزميلات في إحدى القنوات الفضائية مع المدير العام لقوات السجون، وكان ذلك عبر الحوار الذي شهدته لهم في إحدى قنواتنا الفضائية؛ تحدث الجميع وقتها عن تطبيق حقوق الإنسان للنزيل داخل السجون والرعاية اللاحقة حسب ماوضعته قواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة النزلاء عالميا، وسمِّيَت بقواعد نيلسون مانديلا، والتي هي 121 قاعدة تطبِّق وتحفظ حق النزلاء والحصول على حقوقهم الإنسانية والآدمية، وحفظ التباين القبلي والأجناس واللغات والأديان. لم تترك هذه القاعدة تفصيلا إلا وطرقته، ولكن مع إمكانيات السودان وانهيار اقتصاده، لايمكن تطبيقها كاملة، وسأذكر لاحقًا كافة البنود التي لاتطبق كاملة عندنا في السودان. أنا لا أنكر مجهودات الإدارة العامة للسجون، وهي كسائر المؤسسات الحكومية عندنا في السودان؛ ولن أزيد على ذلك. ربما غيري وكافة الناس يرون بعض السجون مؤهلة لرعاية النزيل لأن حفظ النزيل داخل السجون يحفظ للمجتمع حقه في منع الجريمة والحد منها. البعض ينظر لمصلحته وأمانِه ولاينظر لحق النزيل في الحياة، ولكنَّ حق النزيل ومسؤوليته تقع على المجتمع كله، ونترك لهم هم المطالبة به والتعبير والمناداة بحقوقهم لاحقًا، وأنا أمثلهم وأنوب عنهم بدوري جميعا. لأن القاعد كاملة لايمكن تطبيقها إلا إذا تساوت جميع السجون في السودان وكافة الخدمات والتأهيل. إن السجون عندنا ليست جميعها مؤهلة، فالأقاليم تحتاج لبعض التأهيل، بل وأصبحت مكتظة أكثر من مايجب، وبالطريقة التي لاتحفظ لهم خصوصيتهم وآدميتهم كاملة، حيث يجب فصل الأحداث الصغار عن البالغين، والبالغين عن الشباب، والشباب عن الناضجين، ويجب فصل المسنين والمعاقين ذهنيا أو حركيا والمرضى عن الأصحاء، ويجب العمل وممارسة المناشط الرياضية وعدم عزل النزيل عزلا كاملا عن المجتمع الخارجي. وتحدثت أيضًا بعضُ المنظمات والجمعيات عن معاملة النزيل وحقوق النزلاء كجمعية الصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية. من حق النزيل رفع شكوى قانونية لإدارة السجون أو القضاء أو وزارة الداخلية أو إلى مدير الشرطة إذا لم يجد الرعاية الكافية أو انتهكت حقوقه الإنسانية ووجد ظلما من إدارة سجنه الذي هو نزيل به. ونحن نسعى لتقليل الجريمة بمنح النزلاء فرصة مراجعة النفس.. بأطلاق سراح من لم تكن لديه سوابق والإفراج والعفو؛ حسب قوانين ولوائح السجون في السودان، وحسب ما نصت المواد 208و209و211 وذلك لأن الحكم المؤبد يستأصل حياه السجين المدنية للمحكوم عليه بأكثر من عشرة سنوات. وفي السودان بمنع احتكاكه وخروجه من السجن تمامًا في المناسبات الرسمية وينقطع انقطاع كامل عن العالم الخارجي وهذا يحدث مع أغلب النزلاء لعدم خبرتهم باللوائح والقوانين وعدم طلبهم لحقوقهم، وأحيانا تخشي بعض الإدارات من هروب السجين. السجن يحفظ سلامة المجتمع من ضرر وقوع الجريمة، ولكن نود حفظ حق المسجون بعدم بتره بترا كاملا عن المجتمع، لأن هذا البتر لن يستطيع بعده النزيل العودة للمجتمع مرة أخرى. ولن يتقبل هو المجتمع ولن يتقبله المجتمع أيضًا.. إن الرعاية اللاحقة للنزيل تبدأ من داخل السجن وتنتهي بإطلاق السراح، ووجود عمل ينتظره أو مال أثناء عمله داخل السجن، السماح للنزلاء بالعمل وهم داخل السجن والعودة نهاية اليوم إلى السجن هذه هي طريقة عمل النزيل.. إذا كان النزيل مثلا مهندسا يباشر عمله ويعمل ويسمح له بالخروج والعودة مرة أخرى، كذلك الطبيب يسمح له بالعمل داخل مستشفى السجن أو المستشفيات المجاورة. المحامي والكاتب والممثل والحرفي والمهني على غرار ماذكرت سابقا. الحديث عن السجون ومن هم داخلها يطول ولن يصمت فمي ولن يتوقف قلمي إلا بعد حدوث التغيير وتحقيق وتطبيق العدالة التي أرجوها كاملةً. فالدولة العادله هي من تحفظ حق الفقير والضعيف قبل القوي. وعندما عملت داخل السجون ووضعت هذا ضمن دستور المنظمة وأجازته الدولة، لعلمي ويقيني أن هذا هو أكثر جزء يحتاج إلى التغيير بالجهد والعمل عليه، فالنزيل قضية وحكم وأسرة وأولاد؛ كيان في مجتمع صغير، ولن أتحدث عن جمال السجون وإمكانياتها وتأهيلها من الداخل، لأنني أحلم بسودان بلاسجون، بلا جريمة وهذا سيحدث إن ارتفع الاقتصاد وتحسن المستوى المعيشي والعلاج والتعليم، وانتهت العطالة والعزوبية. إن السجن سجن ولو كان النزيل محتجزًا في فندق خمسة نجوم وكان القضبان من ذهب.
*الأمين العام لمنظمة التكافل للبر والإحسان

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.